رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بلغت إفريقيا المُراد.. والتحديات ما زالت جِسامًا


أعتقد أن البنية التحتية للدول الإفريقية والفساد، هما أكثر التحديات التى يجب التغلب عليها كونهما يعوقان سريان اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، التى وقعت عليها، حتى الآن، ٢٧ دولة من بين ٥٥ دولة، تمثل دول القارة التى تحظى بأكثر من ١.٢ مليار مستهلك، يمثلون، فى ذات الوقت، طاقة بشرية لا يُستهان بها فى أى تنمية، ويقدر الناتج المحلى الإجمالى لها بنحو ٣.٤ تريليون دولار.

قول صادم، فى بداية الحديث عن الاتفاقية التى تُعد تعزيزًا للتعاون والتكامل الاقتصادى بين دول القارة السمراء وبعضها، وأيضًا إعادة إحياء لمشروع تفعيل زيادة التجارة البينية بين الدول الإفريقية، من خلال الاستخدام الأمثل للموارد والإمكانيات الخاصة بالقارة التى لم تستغل بعد.. وهى فوق ذلك، حلم بدأ منذ ستينيات القرن الماضى، واستغرقت ١٧ عامًا من المفاوضات الصعبة لإمكانية تحقيقها، حتى جاءت اللحظة التى أطلق فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى الإعلان التاريخى، بدء اتفاقية التجارة الحرة بين الدول الإفريقية، خلال افتتاح القمة الاستثنائية للاتحاد الإفريقى فى نيامى عاصمة النيجر، بعد استكمال نصاب تصديقات الدول الإفريقية، ودخول الاتفاقية حيز التنفيذ، تلك التى كانت من أهم أولويات الرئاسة المصرية الحالية للاتحاد الإفريقى، والتى سعت مصر لتفعيلها وجعلها واقعًا، لأنها تمثل علامة فارقة فى مسيرة التكامل الاقتصادى للقارة، وستُنشئ أكبر منطقة تجارة حرة فى العالم، وهو ما يمهد الطريق إلى اندماج القارة فى مؤسسات وآليات الاقتصاد العالمى، كخطوة تاريخية نحو السلام والازدهار، وصفها رئيس مفوضية الاتحاد «موسى فكى» بأنها «لحظة تاريخية، نرى فيها حلمًا قديمًا يتحقق، والآباء المؤسسون سيكونون فخورين بانطلاق أكبر فضاء تجارى فى العالم».

تأتى الاتفاقية، التى جاءت فكرتها خلال الاجتماع الثامن عشر لقمة الاتحاد الإفريقى والذى عقد فى يناير ٢٠١٢ بأديس أبابا بعنوان «تعزيز التجارة البينية فى إفريقيا»، كأحد أهداف برنامج العمل المصرى، وتتماشى مع التوجه السياسى الحالى للاندماج والتكامل مع الأشقاء الأفارقة، بالإضافة إلى كونها إحدى أهم الركائز لبرنامج العمل المصرى خلال فترة رئاسة مصر الاتحاد الإفريقى، والتى تسلمها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى العاشر من فبراير الماضى، وتحدث عنها بوضوح فى خطابة الأول أمام الاتحاد، حيث تضم أكبر تجمع اقتصادى على مستوى العالم يضم جميع دول الاتحاد الإفريقى، بعد منطقة التجارة العالمية.. وتهدف الاتفاقية إلى زيادة التجارة البينية بين الدول الأعضاء، وتعزيز القدرة التنافسية للصناعة فى إفريقيا، ويتحقق ذلك من خلال الإلغاء التدريجى للحواجز الجمركية وغير الجمركية، التى تعترض التجارة فى السلع والخدمات، وصولًا للاتحاد الجمركى فى القارة الإفريقية، وهو ما ينعكس إيجابيًا على خلق سوق قارية لجميع السلع والخدمات داخل إفريقيا، مما يسهل من إنشاء الاتحاد الجمركى الإفريقى، وتطبيق التعريفة الجمركية الموحدة تجاه واردات القارة من الخارج.

المزايا والمنافع المنتظر تحقيقها، أكثر من أن تُعد، وفى مقدمتها انسياب حركة تجارة السلع والخدمات، خاصة فى ظل ارتفاع مستوى تحرير التعريفة الجمركية بين الدول الإفريقية، حيث يتضمن إزالة الرسوم الجمركية لنحو ٩٠٪ من الخطوط التعريفية خلال خمس سنوات، بالإضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، نظرًا لسهولة نفاذ منتجات تلك الاستثمارات إلى أسواق المنطقة، وتحسين سلاسل القيمة المضافة بين دول القارة، فى ظل اعتماد قاعدة التراكم فى المنشأ، وفتح أسواق جديدة أمام الصادرات المصرية، حيث يتيح النفاذ لأسواق ٣٧ دولة إفريقية إضافية، خاصة مع دول غرب إفريقيا، وسوف تستفيد مصر من هذه الاتفاقية، باعتبارها بوابة القارة للاستثمارات الأوروبية، إضافة إلى الاستثمارات والصادرات المصرية إلى السوق الإفريقية الكبيرة التى يبلغ عدد سكانها ١.٢ مليار نسمة، مما يزيد من حركة الاستيراد والتصدير بين الدول الأعضاء بالاتفاقية، ومضاعفة مصر صادراتها إلى دول القارة السمراء، وستعطيها فرصة كبيرة للتواجد بقوة فى الدول الإفريقية، مع الاستفادة من التسهيلات التى ستتيح نفاذ بضائع مصنعة بمصر لكل الدول الإفريقية، بخلاف الاتفاقيات الإقليمية الأخرى، كما ستتيح استيراد المواد الخام التى تحتاجها الصناعة المحلية من القارة، بأسعار أقل نسبيًا.. وفى هذا السياق، فقد أعلنت الصين أن تجربة مصر فى القارة الإفريقية تجربة رائدة، بل ويُحتذى بها، لأن مصر تمتلك خبرات كبيرة فى إفريقيا بسبب الصندوق المصرى للتعاون الفنى فى القارة، وتدريبه العديد من الكوادر فى كل الدول الإفريقية.

وإذا كان إطلاق الاتفاقية يُعد اكتمالًا لمرحلة مضنية من العمل الدءوب، إلا أن التحديات ما زالت جسامًا، فكما قال الرئيس السيسى، فى كلمة افتتاح القمة الطارئة للاتحاد الإفريقى، «علينا أن ندرك أن الطريق ما زال طويلًا لتطبيق الاتفاقية على أرض الواقع وجنى ثمارها الواعدة، ومن أهمها رفع معدل التجارة البينية الإفريقية والذى يقدر بحوالى ١٥٪ فقط حاليًا، وتحقيق التكامل الإنتاجى والصناعى، مما يتطلب المزيد من الجهد والمثابرة لتحرير التجارة فى السلع والخدمات، وتوفير الضمانات التجارية اللازمة، وخلق البيئة الاستثمارية المواتية، واستكمال مفاوضات المرحلة الثانية فى هذا الإطار، قاصدين بذلك تحقيق أهداف الاتفاقية الطموحة وتلبية التطلعات المشروعة لشعوبنا العريقة فى التنمية والتقدم والرقى».