رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الديك الفرنسى أمام القضاء


يبدو أن عنوان القضية مثير، أو أبسط ما يقال: ما هذا البذخ حتى تُرفع دعوى ضد ديك ومن يملكه، بدعوى إزعاج زوجين فى مسكن متقارب لمالكة هذا الديك الذى أعطته مالكته اسم «موريس».

انقسم حول هذه القضية الرأى العام الفرنسى لا سيما حول القرية، وهل هى قرية أو أقرب إلى ما يشبه المدينة، حيث تأتيها أعداد غفيرة تبلغ أضعاف سكانها فى موسم الصيف.

لقد تعالت صيحات الغضب ليس فقط فى تلك القرية، بل فى العديد من قرى الريف الفرنسى، ولم يحضر الديك جلسة محاكمته، أو بمعنى أصح محاكمة صاحبته، وغاب الزوجان الشاكيان، لكنهما وكلا محاميًا عنهما بدعوى أنهما يأتيان إلى مسكنهما الريفى فى فترة الصيف للراحة، والديك موريس يزعجهما حيث يمارس صيحاته فى السادسة والنصف صباحًا.

حضر الجلسة أنصار الديك من أهل القرية، ونظموا اعتصامًا خارج المحكمة، وكان بعض الحاضرين أتوا ومعهم بعض من الديكة والدجاج كعلامة على استنكار الدعوى المرفوعة على شريكهم السيد موريس، كما استرعت الدعوى انتباه كثيرين، لا سيما من أهل الريف، ليس لكون الديك أحد الرموز الوطنية الفرنسية، بل لأنهم اعتبروا الدعوى موجهة ضد تقاليد وحياة أهل القرى، وأن دعوى الشاكين تواجه كل أنحاء الريف.

وعلى الجانب الآخر اعترض محامى الشاكيين على تأييد أهل القرية باعتبارهما مالكين لمسكن يعتبرانه مكانًا مخصصًا لراحتهما فى عطلة عملهما فى المدينة، كما اعترضا على وصف الدعوى بأنها معركة بين سكان المدن الأغنياء وسكان الريف البسطاء، كما أثير فى الدعوى توصيف البلدة التى بها هذه القضية فيما إذا كانت ريفية أم حضرية، حيث يبلغ عدد سكانها الأصليين نحو سبعة آلاف نسمة، ولكن فى موسم الصيف يرتفع العدد إلى نحو خمسة وثلاثين ألف نسمة، ولهذا يترافع محامى الشاكيين اللذين يمتلكان شقة مجاورة للديك.

وعلى الجانب الآخر تقول صاحبة الديك، إنها تقيم فى هذه القرية منذ خمسة وثلاثين عامًا، وإنها اضطرت إلى أن تحبس ديكها ليلًا فى قفص كست جدرانه بعلب البيض حتى تحجب الضوء عن ديكها، فلا يصيح فى الصباح الباكر، ولكن محاولاتها باءت بالفشل، وأضافت محامية الديك أن جيران الديك وهم أكثر من أربعين شخصًا لم يشتك أى منهم من إزعاج الديك إلا هذين المدعيين اللذين يأتيان إلى القرية لبعض الأيام فى فصل الصيف، وأضافت المحامية أن الدعوى المقامة من هذين العجوزين ليست إلا معركة ضد البسطاء من أهل الريف، وهنا اعترض محامى الشاكيين على عبارة أنها معركة بين أهل المدن وأهل الريف، أو بين الأغنياء والفقراء، كما أثير النزاع حول طبيعة هذه البلدة من كونها ريفًا قرويًا أو مدينة، حيث إن أعداد مالكى المنازل من أهل المدن يفوق تعداد القرويين، وبهذا يكون الديك الذى يصيح يعيش قرويًا أو مدنيًا، وعلى الطرف الآخر كان دفاع مالكة الديك التى تقيم فى هذه القرية لمدة خمسة وثلاثين عامًا لم تتركها، كما أن جيران هذا الديك الذين يبلغ عددهم أكثر من أربعين شخصًا- كما ذكرنا- لم يشتك أحد منهم من صياح الديك إلا هذين العجوزين، كما دافع المحامى كذلك عن حق الديك فى الصياح، وهذا وضع طبيعى، وإذا كان المصطافون يشتكون من أهل القرية بسبب ديك لهم، فمن أى شىء سوف يشتكون أيضًا بعد ذلك؟! إنها طبيعة أهل القرى ولا ننتظر من الوافدين من المدن للراحة بيننا، أن يقيدوا حرية أهل هذا المكان وطبيعة حياتهم فيه.. هل سيشتكون نوارس البحر؟.. أم عصف الريح؟.. أم اللهجة التى نتخاطب بها؟ نحن أهل الريف هكذا رُبّينا وهكذا نعيش، ولا ننتظر من أهل المدن أن يقيدوا حرية أهل هذه القرية والذين أصبحوا الأقل عددًا.

كما كتب عمدة قرية مجاورة رسالة مفتوحة دافع فيها عن حق الأجراس أن تدق والأبقار أن تخور والحمير أن تنهق فى كل أرجاء الريف الفرنسى، وبالتالى حق الديك أن يصيح.

وأضاف محامى الديك قائلًا: عندما أذهب إلى المدينة لا أطلب من ساكنيها أن يزيلوا مصابيح المرور ولا أن يمنعوا السيارات، والذين لم يختبروا حياة الريف ويشتكون من أصواته ورائحته، فإنهم كالحمقى الذين يكتشفون أن البيض لا ينمو على الأشجار، وأضاف أنى أطلب من الحكومة الفرنسية اعتبار أصوات الريف هذه على قائمة منظمة الأمم المتحدة للثقافة والفنون، وأن من طبيعة الديكة أن تصيح فى الصباح الباكر، فلا تقيدوا حريتها فى الصياح، فهذا شأنها وهذه طبيعتها.