رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد العسيرى يكتب :الصعيد الجديد


من عاش نصف عمره فى الصعيد مثلى يعرف أن الصعيد الآن أمر مختلف تمامًا.. فَقَد هويته القديمة التى لم يبق منها سوى ذكريات الطفولة.. والأمثال الشعبية ومربعات السيرة الهلالية.. هل يتصور أحدكم أن الصعيد لا يغنى الآن؟

سوهاج بلدى.. اسمها بلد المواويل.. هل يصدق أحدكم أنها دون مغنى شعبى الآن؟.. البلد الذى أنجب عبدالعزيز محمود.. وبليغ حمدى.. وحفنى أحمد حسن.. وجابر أبوحسين.. لا غناء فى شوارعه الآن.. بلد الشيخ المنشاوى الذى نشأ فيه النقشبندى فقد قدرته على الترتيل.. مثلما فقد فلاحوه قدرتهم على الزراعة.

الحاصل أن سنوات العبث التى بدأت منتصف سبعينيات القرن الماضى حولت ريف محافظتى إلى مناطق بلاستيكية.. غابات من حديد الأسمنت المسلح.. تحولنا إلى جزر مستهلكة.. خليط من المناطق الشعبية بكل عوراتها.. تستورد أفكار السلفيين وعاداتهم من الخليج وبذور الخيار الفاسدة من إسرائيل.. اختفى الجلباب البلدى القديم أبوالأكمام الواسعة.. وحل محله جلباب خليط.. اختفت الكاكولا وحلت بنطلونات الجينز المقطع.. جاءت وجاء معها الترامادول والتامول والاستروكس.

فقدت فواكه الغيطان، مثل الشمام السوهاجى، شمام المساعيد، طعمها ولونها.. بسبب المبيدات التى استوردناها لسنوات من أعدائنا الذين أصابوا تربتها بالخراب وأكباد أهالينا بالفيروسات اللعينة.

وسط هذا كله يطل على شوارعها بصيص نور.. مشروعات الصرف الصحى التى تعطلت أكثر من عشرين سنة عادت للعمل.. عدد من المصانع الكبرى فى طهطا وجهينة وغرب جرجا فى طريقه للعمل.. تجديدات هائلة فى كورنيش المدينة وعدد من المراكز التى تطل على النيل.. حركة هائلة من وزارة الكهرباء فى معظم القرى لتغذية المحولات القديمة وزرع محولات جديدة.. الجامعة الجديدة تنظر بعين السعادة لمدينة جديدة تحتاج بعض التجهيزات لتدب الحياة فيها.. مستشفى جديد فى المدينة الجديدة بدأ العمل فيه.

فيه حاجات حلوة اختفت.. وفيه حاجات حلوة بتتولد.. لكن، وكالعادة، يحتاج المواطنون إلى نوع جديد من الإدارة فى أروقة المحليات.. نحتاج إلى نظرة من جهاز التنسيق الحضارى.. هذه طيبة.. بلد مينا موحد القطرين.. صاحبة أبيدوس أقدم معبد فى التاريخ.

سوهاج تحتاج لزيارة عاجلة من وزيرتى الثقافة والتخطيط معًا.. مع وزيرى السياحة والآثار.. لوضع تصور مختلف لشكل وطعم وهوية محافظة عريقة وواعدة لأن تكون عاصمة جديدة للصعيد مثلما كانت قديمًا.

الأجهزة الرقابية تعرف الكثير مما يجرى هنا.. لكن الناس يحتاجون لتدخلات عاجلة.. هناك أيادٍ ملوثة تعطل الاستثمار فى هذا البلد.. وهناك أيادٍ مرتعشة لا تريد المجازفة وتظن أن عدم العمل يحميها من الأخطاء.. وهؤلاء أخطر على مستقبل وحاضر البلد من المرتشين.

لقد جاء رجل الأعمال نجيب ساويرس إلى سوهاج، وهى مسقط رأسه بالمناسبة، منذ شهور، والتقى المحافظ.. وأعلن وقتها على صفحته الشخصية أنه قادم ليعمل.. وأنه يفكر فى مشروع كبير للمدينة، والتقى المحافظ.. ثم لا شىء.. أخشى أن يكون ما أظنه قد حدث.. وفهم رجل الأعمال الذكى أنه لن ينجح فى ظل وجود هؤلاء الملوثين والمرتعشين، فهرب وذهب بلا عودة، مكتفيًا بتغريدة على «تويتر».. عن محبته لمدينته القديمة وبيته القديم.

سوهاج تحتاج أفكارًا جديدة.. وجلبابًا جديدًا يليق بها وعليها.