رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أكبر منطقة تجارة حرة فى العالم


مع إطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسى، الأحد، أعمال القمة الإفريقية الاستثنائية الـ١٢ لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقى، انطلقت اتفاقية «منطقة التجارة الحرة القارية». وبالتالى، بدأ العد التنازلى لإنشاء أكبر منطقة تجارة حرة فى العالم، لتمهيد الطريق أمام اندماج القارة فى مؤسسات وآليات الاقتصاد العالمى.
من نيامى، عاصمة النيجر، التى تستضيف أعمال القمة، أعلن الرئيس بصفته رئيس الدورة الحالية للاتحاد الإفريقى، إطلاق الاتفاقية وتفعيلها، محققًا «الحلم القديم» بحسب وصف موسى فقى محمد، رئيس مفوضية الاتحاد، الذى توقع أن يكون الآباء المؤسسون للاتحاد الإفريقى (منظمة الوحدة الإفريقية سابقًا) فخورين بتحقيقه. وكان لافتًا أن يخص الرجل بالذكر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، الأمر الذى يجعلنا، نحن المصريين، فخورين مرتين بإطلاق تلك الاتفاقية، التى كانت حلمًا قديمًا لزعيم راحل، وصار إنجازها إحدى ثمار اهتمام الزعيم الحالى بتعزيز (أو باستعادة) العلاقات مع دول القارة.
تحركات كثيرة قامت بها مصر لتغيير آليات التعاون الدولى، وإعادة ترتيب الأولويات العربية والإفريقية، لمواكبة ما يشهده العالم من تحولات كبرى، ولمواجهة التهديدات والتحديات، الوجودية والمصيرية، التى فرضتها دول وكيانات انتهازية، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء. وكان أبرز الأهداف التى أعلنتها منذ توليها رئاسة الاتحاد، تعظيم فرص الاستثمار ودعم التنمية والاستغلال الأنسب للموارد، وهو ما سعت بالفعل لتحقيقه عبر محاولات جادة لبناء أسس متينة للتكامل الاقتصادى الإفريقى، ومن خلال استكمال خطوات إنشاء «منطقة التجارة الحرة القارية» التى تم الإعلان عنها العام الماضى، ودخلت الاتفاقية المنشئة لها حيز التنفيذ فى ٣٠ مايو الماضى، بعد مرور شهر على وصول عدد الدول المصادقة عليها إلى ٢٤ دولة.
التكامل بين الدول، عمومًا، أصبح ضرورة، فى ظل الوضع الاقتصادى العالمى. وعليه، لا نبالغ لو قلنا إننا أمام علامة فارقة أو نقطة تحول فى مسيرة التكامل الاقتصادى بين دول القارة، لأنها ستفتح آفاقًا جديدة للربط بين دول القارة، وستزيد من معدلات التجارة البينية وستمكنها من إنجاز مشروعات البنية التحتية وتعزيز قدراتها التصنيعية والإنتاجية. وما من شك، فى أن ذلك، حال تحقيقه، سيجعل تلك الدول قادرة على مواجهة التحديات التى منعت أبناءها من الحصول على تعليم يؤهلهم للمستقبل، وحالت دون إنهاء معاناة شبابها من البطالة.
من بيـان أصـــدره الجهـــاز المــركـزى للتعبئــة العــامــة والإحصــاء، السبت ٦ يوليو الجارى، عرفنا أن قيمة التبادل التجارى بين مصر ودول القارة ارتفعت خلال سنة بنسبة ٢٣٪، لتصل فى ٢٠١٨ إلى ٦.٩ مليار دولار مقابل ٥.٦ مليار دولار خلال ٢٠١٧. ومن البيان عرفنا أيضًا أن قيمة الصادرات المصرية للدول الإفريقية سجلت ٤.٧ مليار دولار خلال ٢٠١٨ مقابل ٣.٧ مليار دولار خلال ٢٠١٧ بنسبة ارتفاع قدرها ٢٦.٩٪. كما زادت أيضًا قيمة الواردات المصرية من دول القارة بنسبة ١٥.٢٪ لترتفع من ١.٩ مليار دولار إلى ٢.١ مليار دولار.
قد ترى أن تلك الأرقام أو الزيادات جيدة، وهى فعلًا كذلك، لكنها لا ترقى إلى مستوى العلاقات والقواسم الكبيرة المشتركة بين الطرفين. كما لا تتناسب مع الجهود الكثيفة التى تبذلها مصر، منذ «وقبل» توليها رئاسة الاتحاد الإفريقى. وسبق أن قلنا، ونكرر، إن دول القارة السمراء ليس أمامها أى سبل غير بذل مزيد من الجهود المشتركة، لتحقيق تطلعات شعوبها فى الاستقرار والازدهار والحياة الكريمة. كما سبق أن قلنا ونكرر، أيضًا، إن واقع القارة لن يتغير إلى الأفضل، إلا بتعاون وتكاتف دولها، لمحاصرة الفساد الذى يكلفها نحو ربع ناتجها المحلى.
مع الفساد، يتصدر الإرهاب قائمة التحديات المشتركة التى تواجه دول القارة. وهو التحدى الذى لا يمكن تجاوزه إلا لو خلصت النوايا، وقامت الدول بتغليب مصالح شعوبها على علاقاتها بالمستعمر القديم «أو الحالى»، الذى لم يتوقف طوال السنوات الماضية عن وضع العقبات وصناعة المشكلات أو تضخيم القائم من هذا وتلك. وعليه، صار ضروريًا أن يتم قطع الحبل السرى الذى لا يزال يربط بعض دول القارة بذلك المستعمر، أو بذيوله ووكلائه. وننتظر «أو نتمنى» أن يتحقق ذلك، ولو جزئيًا، قبل نهاية هذا العام، أو خلال رئاسة مصر الاتحاد الإفريقى. كما نتمنى أيضًا أن تنجح مبادرة «إسكات البنادق» وتتمكن دول القارة من إنهاء النزاعات والصراعات، داخلها أو حولها.
الطريق ما زال طويلًا، أمام تحقيق آمال وطموحات شعوب قارة إفريقيا فى التنمية والازدهار. غير أن ما يطمئن هو أن دول القارة لديها كل ما يجعلها فى مقدمة دول العالم، لو تمكنت من رسم خطة مستقبلية لمواجهة التحديات ولو استجابت لرؤية مصر واستطاعت، معها، إصلاح الخلل الذى أصاب آليات التعاون الدولى.