رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مخدّر الإرهابيين المفضل!



قد لا تكون أكبر كمية مخدرات تتم مصادرتها، كما نقلت وكالات الأنباء عن السلطات اليونانية. وربما تشكك فى قيمتها التى تم تقديرها بنحو ٦٦٠ مليون دولار، بحسب ما جاء فى البيان الصادر عن وحدة الجرائم المالية باليونان. غير أن الأهم من هذا وذلك هو أن أطنان المخدرات الخمسة، التى صودرت، يوم الجمعة، كانت عبارة عن ٣٣ مليون قرص «كبتاجون» تم شحنها من سوريا، لأن ذلك يعنى، ببساطة، أننا أمام دليل جديد على انخراط التنظيمات الإرهابية فى تجارة المخدرات، وعلى علاقاتها بشبكات الجريمة الدولية المنظمة.
الكبتاجون هو أحد الأسماء التجارية العديدة لـ«فينيثيلين الهيدروكلوريد»، وهو مركب كيميائى ينتمى لعائلة الأمفيتامينات، كان يوصف فى ستينيات القرن الماضى لعلاج فقدان الإحساس والاكتئاب. لكن تم حظره فى الثمانينيات بعد أن اكتشفت مؤسسات طبية عديدة أن أضرار إدمانه تفوق فوائده الإكلينيكية. ومنتصف أغسطس ٢٠١٧، ذكر تقرير لمعهد «سكريبس» للأبحاث فى الولايات المتحدة أن هذا المخدر أكثر خطورة مما كان الباحثون يعتقدون سابقًا، بعد أن تم تطويره وإضافة مركبات كيميائية تتيح له إحداث تأثير نفسى قوى أسرع بكثير من الأمفيتامينات وحدها. وحذر التقرير من سهولة إنتاج المخدر وتهريبه، بالإضافة إلى كونه أحد مصادر إيرادات الجماعات الإرهابية فى منطقة الشرق الأوسط.
تقرير «سكريبس» خص بالذكر «حزب الله» اللبنانى وتنظيم «داعش»، موضحًا أن التنظيمين يستخدمان «الكبتاجون» لجمع الأموال وأيضًا لتحفيز مقاتليهما، نظرًا لكونه «منشطًا للأداء ورافعًا للروح المعنوية». كما أشار التقرير إلى أن السلطات اللبنانية ضبطت معامل لتصنيعه هناك يديرها أشخاص مقربون من الحزب. وقبل أن تشكك فى اتهام التقرير للتنظيمين، أو لـ«حزب الله» تحديدًا، نشير إلى أن جهاز الجمارك اللبنانى، أواخر ديسمبر ٢٠١٥، ضبط ٣ أطنان من «الكبتاجون» فى ميناء العاصمة بيروت، قبل تهريبها إلى مصر. وقبلها بشهرين، كانت جمارك مطار بيروت قد ضبطت، فى عمليتين منفصلتين، شحنتين من الكبتاجون أيضًا قبل تهريبهما إلى قطر والسعودية. الأولى كانت عبارة عن ٢ طن كان من المقرر أن يتم تهريبها إلى السعودية على متن «طائرة خاصة». والثانية كانت ٢٣٠ كيلوجرامًا. أيضًا، كانت مجلة «بوليتيكو» الأمريكية ذكرت، فى ديسمبر ٢٠١٧، أن إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، أوقفت مشروعًا لإدارة مكافحة المخدرات، اسمه «مشروع كساندرا»، كان هدفه ملاحقة أنشطة إيران وأذرعها فى تجارة المخدرات، خوفًا من أن يؤثر ذلك المشروع على الاتفاق مع طهران حول برنامجها النووى. لكن فى ١١ يناير ٢٠١٨، أعلنت وزارة العدل الأمريكية، فى بيان، عن إنشاء وحدة خاصة للتحقيق فى مصادر تمويل «حزب الله»، ستبدأ عملها بتقييم النتائج التى انتهى إليها «مشروع كاسندرا»، وتضم محققين من إدارة مكافحة المخدرات ومكتب التحقيقات الفيدرالى وإدارة الأمن القومى ووزارة الأمن الداخلى ووزارة العدل. بالإضافة إلى متخصصين فى غسل الأموال وتهريب المخدرات والإرهاب والجريمة المنظمة.
طيب، أين تركيا من تلك المعمعة أو المعجنة؟!
قبل أن تطرح السؤال الذى صار بديهيًا، تطيب لنا الإشارة إلى أن وزارة الداخلية الكويتية أعلنت، فى يوليو ٢٠١٦، عن ضبط ١٠ ملايين قرص من المخدر نفسه مخبأة فى حاوية قادمة من تركيا بحوزة مواطن سورى، اعترف بأنه اعتاد جلب هذا النوع من المخدرات وإدخاله إلى البلاد عن طريق شركاء له بتركيا. كما سبق أن أثبت الصحفى التركى «عبدالله بوزكورت»، تورط نظام رجب طيب أردوغان فى تجارة المخدرات، بالتعاون مع تنظيمات إرهابية، فى سوريا والعراق وليبيا و.... و..... وصولًا إلى الصومال. وفى التقرير الذى نشرته صحيفة «واشنطن إكزامينر»، أكد «بوزكورت» أن إبراهيم سن، المسجون حاليًا فى باكستان، كان مكلفًا من المخابرات التركية بالإشراف على مجموعات إرهابية مسلحة فى سوريا، واستخدم العديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية، غير الحكومية، كواجهة لإخفاء شحنات المخدرات والأسلحة.
بعد تركيا، قطر، إيران، لبنان، وأفغانستان قبل الجميع، أدعوك إلى مشاهدة فيلم «صناعة أمريكية»، وهو فيلم أمريكى، أخرجه دوج ليمان عن قصة حقيقية لطيار، استخدمته المخابرات المركزية الأمريكية لتهريب السلاح والمخدرات إلى (ومِن) جماعات مسلحة فى أمريكا الجنوبية. وغير بارى سيل، فى الواقع، أو توم كروز، فى الفيلم، هناك «وايتى بولجر» الذى لقى مصرعه، فى ٣٠ أكتوبر الماضى، بأحد السجون الأمريكية، بعد أن ظل، لأكثر من ٢٠ سنة يمارس الإجرام تحت حماية مكتب التحقيقات الفيدرالى، وبالتعاون مع المخابرات المركزية. ولو أردت مزيدًا من التفاصيل، ستجدها فى كتاب ديك ليهر وجيرار ك. أونيل، «القدّاس الأسود»، الذى تحول سنة ٢٠١٥ إلى فيلم بالاسم نفسه، أخرجه سكوت كوبر، وقام ببطولته جونى ديب.