رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«قطعة لحم» بلا مشاعر وجاهزة تحت طلب الذئب الجائع



تزوجت إحدى صديقاتى منذ أربع سنوات، من مدير الشركة التى تملكها والدتها. أنجبت بعد عامين طفلة، وهذا عكس ما تمناه الزوج، الذى يؤمن بأن «الولد»، هو الامتداد الحقيقى للأب، والوريث الشرعى له، الذى يستحق أن يفخر به، وهو منْ سيقف فى سرادق عمر مكرم، ويتلقى فيه العزاء.
لم تترك صديقتى عملها فى إحدى الشركات السياحية، التى وصلت فيها إلى منصب مرموق، ومكانة متميزة. وهذا أيضًا عكس رغبة الزوج. فهو مثل أغلب الرجال، يريد زوجة تتفرغ لخدمته، وليس لها طموح خارج المطبخ، والحمام، وغرفة النوم.
صديقتى لم تتحجب، ولا تشترى الكتب الدينية، ولا تسمع الشرائط الوهابية، التى تزعق بأن المرأة جارية، ومدنسة، ونجسة، وضرورة الجهاد لاستعادة الخلافة الإسلامية. وهذا يغضب الزوج، ويثير الخناقات مع عائلته، التى تتهمه بالعجز عن «تلجيم» زوجته، وفرض أوامره عليها.
كل هذا كان ينغص على صديقتى حياتها، ويشعرها بأنها ليست فى بيت زوجية، ولكن فى بيت حرب، تستهلك قوتها وطاقتها وعلاقتها بالحياة. وصديقتى تحبنى ولم تقطع علاقتها بى، كما كان يريد زوجها. فهو يعتبرنى من الأسباب الأساسية لعدم رضوخ زوجته، ورفضها أن تُساق كالجارية المملوكة لأفكاره ومزاجه. هذا على الرغم من أننى لا أكره شيئًا قدر التدخل فى شئون الناس نساءً ورجالًا، خاصة من المقربين والأصدقاء. وأحب أن أترك الآخرين فى حالهم، وأن يتركونى فى حالى.
ونصل إلى قمة المأساة، حيث يتعامل معها زوجها عند الممارسة الزوجية الحميمية على أنها «قطعة لحم» خالية من المشاعر، جاهزة تحت الطلب، فى انتظار سكين الذبح.
فى مساء كل ليلة تهاجمه الغريزة، فينقض على صديقتى انقضاض الذئب الجائع على فريسته. لا يأخذ إجازة أبدًا. لا يدع ليلة تمر دون انقضاض، إلا إذا أقعده مرض ما. وعندما يصحو كل صباح تكون «قطعة اللحم» هى الفطور الذى يلتهمه بنهم وتحية الصباح، التى يلقيها على جسد صديقتى، الذى ما زال يتثاءب ولم يفق بعد من
هجوم الليلة السابقة.
صديقتى ليست بهذا النهم الجنسى، ولا تأتيها الرغبة إلا على فترات متباعدة، ولها فلسفتها الخاصة فى لذة الجسد، التى لا بد أن تحدث فى جو رومانسى مشحون بالعاطفة والاشتياق والحوار. تحملت هذا التناقض بينها وبين زوجها، على أمل أنها ستنجح فى تهذيب غريزته، وأنسنة نظرته إلى الجنس. تقول له: «أنا تعبانة مرهقة.. ملياش مزاج.. معنديش رغبة.. زهقانة... مخنوقة.. عايزه أنام فى هدوء... إنتَ ليه مش قادر تفهمنى وتحس بيا.. كفاية بقى... استحملتك كتير وخلاص مش قادرة... كل ليلة بالطريقة دى إنت إيه مابتهمدتش؟... خلاص يئست من تغييرك.. ارحمنى اعتقنى بقى لوجه الله».
فى كل مرة يأتى رده: «مابهمدتش!!.. إنتِ هاتحسدينى؟؟.. بدل ما تحمدى ربنا أن جوزك صحته بمب كل ليلة ومن غير فياجرا.. ده فيه ستات بتتطلق عشان أجوازها نايمين جنبهم هُما والمخدة واحد.. بقولك إيه أنا واخدك على قد عقلك فى حاجات كتير.. إلا الموضوع ده.. أنا باموت نفسى فى الشركة بتاعة أمك عشان أزود لكم فلوسكم.. ودى مُتعتى الوحيدة.. عايزه تحرمينى منها... أمال أنا متجوز ليه؟.. اعملى حسابك أنا مش هاتغير.. وأتغير ليه؟!.
أنا طبيعى يا ست هانم.. إنتى اللى مش طبيعية.. جو رومانسى إيه، وعواطف إيه، واشتياق إيه إللى عايزاهم؟؟. إحنا متجوزين يا هانم، مش بنمثل فيلم سيما.. وبعدين دى غريزة يا ست يا متعلمة يا مثقفة.. وحقى الشرعى فى أى وقت، وبأى طريقة تعجبنى مادام الشرع مش محرمها.. ماتعرفيش اللى تخالف جوزها عالنار حدف».
منذ شهرين زارتنى صديقتى، وهى فى ذروة الغضب الممتزج بالأسى. أخرجت من حقيبتها قصاصة من الورق، انتزعتها من إحدى الجرائد، وألقتها أمامى. خبر الجريدة يقول: «ابتدعت بريطانيا نظامًا جديدًا، يتيح للبقرة أن تحلب نفسها فى الوقت الذى تريد. والفكرة بدأت فى هولندا، حيث يتم احترام البقرة، لتختار بحريتها الوقت الذى تنتج فيه الحليب، مما يجعلها مستقلة فى ترتيب حياتها، وخلق التناغم بينها وبين الأبقار الأخرى.
يعمل هذا النظام على توفير الوقت اللازم للبقرة، للتمشى فى الخلاء، من المزرعة إلى الحظيرة المجهزة، حيث تتولد لديها الرغبة فى إنتاج الحليب. والبقرة تتجه إلى مكان الحلب أتوماتيكيًا، عن طريق كمبيوتر، وتوجد رقائق مثبتة فى طوق بعنق البقرة، تتصل بهذا الكمبيوتر. وهى توضح الحالة الصحية للبقرة، وتوجد أجهزة حلب آلية، تحدد ضرع البقرة. وتساعد على إتمام المهمة، أشعة الليزر، والموجات فوق الصوتية. وقد وافق معهد صحة الحيوان فى بريطانيا، على تطبيق هذا النظام فى العديد من المزارع».
بعد قراءة الخبر، نظرت إلى صديقتى، والتزمت الصمت. فكل التعبيرات، والكلمات، والإيحاءات تطل من عينيها. وبالأمس، جاءنى صوتها عبر الهاتف، متألقًا، مبتهجًا، مُفعمًا بالثقة، مشحونًا بالتفاؤل، تقول: «لازم تكتبى عن البقرة إللى خليتنى أغير منها، وخليتنى أصر على القرار اللى كنت مترددة فيه كتير».
من بستان قصائدى
ما أجمل أن أزهد متع الحياة.. وأتركها بلا أمل
تسمعنى أغنى لحن الاستغناء.. أنا فى وحدتى واعتكافى «ملكة» متوجة
مكتفية جدًا بذاتى.. وليس يبهرنى إغراء الأشياء