رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إيواء "المتحرش" ثواب!



لم ترحم الصحافة العالمية يومًا أحدًا من نجوم السينما والرياضة ورجال السياسة، أو غيرهم ممن لهم مكانة كبيرة في نظر الجمهور، من مواجهته بالتحرش وحتى محاسبته، ولم تقتصر على النجم المتهم بفعل التحرش، بل تمتد أيضًا إلى الكشف عن طبيعة إدارة هؤلاء النجوم للفضيحة، وما يدور حولها من العلاقات الشخصية والمواقف السياسية، وذلك في ظل مناخ يعزز مبدأ الشفافية والمساءلة التي تتيح لمنظومة بناء القيم الإنسانية أن تسود على حساب ثقافة الإنجازات، ما يعود بالإيجاب على الجمهور.

والمقارنة بين الصورة الذهنية التي يقدم بها الإعلام النجم الرياضي وشخصيته الحقيقية تصنع إشكالية كبرى عندما يصبح كل من يتناولها لا يتمتع بحس أخلاقي عالٍ، ولا يستوعب أهمية المسؤولية المجتمعية التي يمكن أن تساهم في صناعة نماذج لسلوك غير مقبول اجتماعيًّا، فنجوم الرياضة تصنعهم وسائل الإعلام من خلال القصص التي تُروَى عنهم، والتي جعلتهم بهذه الأهمية والإثارة في المجتمع.

ويمكن رصد طبيعة تعامل الصحافة العالمية في هذا النوع من القضايا مع بعض نماذج لنجوم الرياضة العالميين، كالقضية المثارة حاليًا لأحد أغلى لاعبي كرة القدم في التاريخ اللاعب البرازيلي نيمار, وخضوعه للتحقيقات لأكثر من خمس ساعات في ساو باولو بشأن اتهامه بالتحرش بعارضة الأزياء ناجيلا ترينيدادي في أحد فنادق باريس، وأيضًا متابعة فضيحة أحد أعظم رياضيي العالم مايك تايسون الذي قضى 3 سنوات في السجن من أصل حكم بالحبس لست سنوات بعد إدانته بالاغتصاب في 1992.

ليس فقط في مجال الرياضة ولكن أيضًا نجوم الفن، كما حدث مع الفنان المغربي سعد لمجرد عندما قام بتصرفات ينطبق عليها وصف الاغتصاب، ما جعل القضاء الفرنسي يأمر بسرعة اعتقاله ووضعه تحت الحراسة إلى حين انتهاء التحقيقات، بعد وصف النيابة الفرنسية للقضية بـ"المعقدة التي تحتاج إلى مزيد من التعمق والبحث"، وأيضًا الادعاءات التي طالت أشهر نجوم الغناء العالمي في تاريخنا المعاصر ملك البوب مايكل جاكسون الذي توافر ضده دليل يثبت صحة تهمة التحرش الجنسي بأحد الأطفال، وانتشرت أخبار الادعاءات التي نالت اهتمامًا من الإعلام في كل أنحاء العالم .

سيظل نجوم الرياضة النموذج الأكثر تأثيرًا في سلوك المرحلة العمرية الأكثر تأثرًا، ومن هنا تظهر القيمة الرمزية لهؤلاء النجوم، وهو أمر صعب ومعقد وخطير في ظل تشويش المسؤولية، وعدم الامتثال للمعايير الأخلاقية، وعدم القدرة على متابعة الأحداث وإدراكها على نحو عادل وموضوعي ودقيق، فالنجوم والمشاهير يظهرون كقيمة اقتصادية يمكن أن تحقق لوسيلة الإعلام المكاسب المادية فقط.

في الحقيقة ليست الرياضة وسيلة للترفيه والاستمتاع والنشاط البدني والعقلي فقط، ولكن منهاجًا ومنبرًا للقيم والمبادئ والمثل العليا، وهذا ما يجب أن تكون عليه دائمًا، ولا يجب أن تتحول بأي حال إلى وسيلة لإيواء المتحرش.