رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما أكثر المتحرشين حولنا



بعد اعتذاره العلنى، أعلنت إدارة المنتخب الكروى، مسامحتها للاعب الشاب عمرو وردة، ليعود لمعسكر التدريب، لكن كثيرين لن ينسوا له أنه تحول إلى أيقونة للتحرش فى ملاعب كرة القدم، بعد أن اتهم بممارسة هذه «العادة» الذميمة، مع زوجات اللاعبين فى نادى فيرينسى البرتغالى، مما دفعهم للاستغناء عنه، وعودته مرة أخرى إلى نادى باوك اليونانى، فلم يتوقف عن التحرش، وأصبح يردد عبارة «تعاليلى اليونان» لكل فتاة يتمنى أن يحرز بها هدفًا فى الوقت الضائع.
من حقهم أن يسامحوه بعد مساندة زملائه له، وعلى رأسهم «فخر العرب» النجم الخلوق مو صلاح، ومن حقنا أيضًا أن نتأمل فى ظاهرة التحرش داخل وخارج ملاعبنا، فما أكثر المتحرشين بنا، نعم «بنا» جميعًا وأنا أعنيها بلا أى خجل.
التحرش مرض ليس جنسيًا فقط، بل هو عادة رذيلة يمارسها كثيرون يتحول بعضهم إلى مرضى أو مدمنى تحرش يسعون لاغتصاب أجسام ضحاياهم أو أشيائهم الخاصة وأحيانًا عقولهم.
والمتحرش شخص يحتاج لرعاية من نوع خاص، طبية أو نفسية أو حتى سياسية، لأنه قرر أن يقتحم حياة المتحرش «به أو بها» وربما بهم، راغبًا أن يأخذ ما ليس له، يريد أن يأخذ شيئًا غير مشروع، حتى وإن كان فعليًا لا يحتاج لهذا الشىء بشكل ملح، بدليل أن لاعبًا شابًا يمتلك الوسامة والشهرة والمال، أى أنه يستطيع أن يتزوج أو حتى أن تكون له صديقات أوروبيات، فيترك كل هذا ويفضل أن يكون متحرشًا، وأن يحمل لقب «المتحرش الرسمى» فى الملاعب المصرية وبعض الدول الأوروبية.. ألا تستحق هذه الحالة مزيدًا من التأمل، بدلًا من أن ننقسم حولها من مؤيد لعودته للمنتخب أو معارض لها؟.
وللحق والإنصاف، فإن «وردة» لم يكن المتحرش الوحيد فى ملاعب بطولة كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم، فقد شهدنا تحرشًا من نوع آخر، من أنصار اللاعب محمد أبوتريكة، الذين حاولوا فرضه على البطولة، دون أى مبرر منطقى، سواء كان مبررًا عقليًا أو رياضيًا، فهتف له نفر من الناس فى المدرجات بناء على تحريض من المواقع الإخوانية، التى تمارس التحرش بالشعب المصرى الطيب، كنوع من الانتقام النفسى بعد أن ثار هذا الشعب على الجماعة الإرهابية، وطردها من حياته شر طردة فى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
تحرش أبوتريكة هو حالة مرضية أيضًا، فهو محاولة يائسة لتلميع وجه الجماعة البائسة الإرهابية، بعد أن اختار هذا «التريكة» بإرادته، الانحياز لها فى اعتصام رابعة المسلح، وذهب بعد مذبحة كرداسة ليناصر ويدعم والدة أحد مرتكبى المذبحة ويرسلها فى رحلة عمرة كمكافأة لها، لأنها أرضعت إرهابيًا وتولته بالرعاية حتى أصبح من سافكى الدماء.
كل أهداف أبوتريكة وكل الكئوس التى جلبها للأهلى أو للمنتخب، لن تغفر له أنه انحاز إلى أعداء بلده، واختار طوعًا الوقوف فى معسكر الإرهاب، حتى شركة السياحة التى شارك بها وترأسها وقال إنها لتنظيم رحلات الحج والعمرة، ثبت أنها كانت وسيلة لغسل أموال الإرهاب، ولذلك تدفقت عليها فى فترة زمنية قصيرة، تحويلات قدرها نصف مليار جنيه بدأت من قطر وتركيا، ثم جاءت من دول أخرى، حتى تم التحفظ على الشركة وأموالها، فاختار الهروب لأنه يعرف أنه مجرم لن يرحمه القانون.
ولأنه من «المطاريد» فى الإمارة الإرهابية، فهو لا يملك إلا أن يكون أداة طيعة فى يدها، باعتبارها الراعى الرسمى للإرهاب الإخوانى فى الشرق الأوسط، وأن يكون وسيلة للتحرش بعقول وقلوب الطيبين والمشجعين الصغار فى مدرجات كرة القدم، الذين لا يعرفون عن مكر الإخوان ولا خبثهم إلا قليلًا.
والمتأمل يرى أننا شهدنا حالات تحرش كثيرة على أوسع نطاق خلال السنوات الماضية، خاصة من رموز الجماعة الإرهابية، التى تحرشت بالوطن وبالتاريخ ورموزه، وتحرشت- وما زالت- بوعى الناس.
الرئيس الإخوانى محمد مرسى مارس أكبر عملية تحرش سياسى عرفناها وشهدناها على الهواء مباشرة، عندما أقام احتفالًا بنصر أكتوبر المجيد، الذى صنعه وقاده الرئيس الراحل أنور السادات، وكانت الطامة الكبرى أنه دعا إلى هذا الاحتفال قتلة السادات وأجلسهم فى الصف الأول إلى جواره، متناسيًا أن السادات هو الرجل الذى أخرج قيادات الإخوان من السجون، وأعطاهم فرصة أخرى لحياة كريمة، فكانت النتيجة أنهم قتلوه ثم أعادوا قتله مرة أخرى، وتحرشوا بأعظم إنجازاته وهو نصر أكتوبر.
ما أكثر المتحرشين فى هذه الدنيا، والحديث عنهم يحتاج إلى صفحات كثيرة، فأمراء دويلة قطر المارقة، يتحرشون بكل دول المنطقة بالسلاح الوحيد الذى يمتلكونه، وهو المال، ينفقونه على رموز الفتنة والتخريب فى كل بلد عربى، يدعون مناصرتهم لحقوق الإنسان، ويقومون بسحب جنسية قبيلة كاملة، ويزعمون مناصرتهم للديمقراطية رغم أننا لم نشهد لديهم، ولو لمرة واحدة، انتخابات برلمانية أو حتى طلابية.. يهاجمون بضراوة ورشة البحرين للاستثمار فى الأراضى الفلسطينية، ويقولون إنها تمهيد لبيع القضية، دون أن يذكروا أنهم مشاركون فى الورشة بتمثيل مرتفع، وأن حكامها أقرب أصدقاء لإسرائيل، وأنهم يقدمون لهم دعاية سياسية على مدار الساعة، عن طريق قناة الجزيرة، ودون أن يذكروا أن الهجمات العسكرية على أكثر من بلد عربى بدأت من قاعدة «العديد» الجوية فى قطر.
ولم نذهب بعيدًا، فالرئيس التركى أردوغان يستحق بكل جدارة لقب المتحرش الأعظم، أو سلطان المتحرشين، فهو يتحرش بجارتيه سوريا والعراق، وبالأكراد، وهم مكون رئيسى فى سكان تركيا، ويتحرش بمصر وليبيا، بالإضافة إلى قبرص واليونان، حتى حلف «ناتو» وهو عضو به، لم يسلم من تحرشه، حيث قرر أن يشترى منظومة صواريخ «إس ٤٠٠» من روسيا التى تعد العدو التقليدى للحلف.
وفى الانتخابات البلدية قرر أن يتحرش بالفائز فى انتخابات إسطنبول أكرم إمام أوغلو، فقام بإلغاء الانتخابات وإعادتها مرة أخرى، ليتلقى أقسى عقاب ناله متحرش فى التاريخ. فقد فاز عليه أوغلو وحصل على أصوات مئات الآلاف من الناخبين، وأصبح أقوى المنافسين المحتملين له فى انتخابات الرئاسة المقبلة.
إذا كنا قد رفضنا تحرش لاعب كرة شاب، واعتبرناه حالة مرضية غير مبررة، ففى اعتقادى أنها حالة بسيطة مقارنة بحوادث التحرش الكبرى التى تحيط بنا، فما أكثر المتحرشين حولنا.