رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

برة الشبابيك

محمد العسيرى يكتب: شجر اللمون زهزه على أرضه


الحمد لله.. استراحت نفوس مدمنى الليمون المخلل.. وسيجدون خلال أيام عشرات الآلاف من الأطنان من ثمرته التى صارت أغلى الفواكه.. حتى إن أحد فنادق البحر الأحمر أعلن فى فخر أنه يكتفى ذاتيًا من إنتاج الليمون.
القصة التى حوّلها المصريون خلال الأيام الماضية إلى نكتة كعادتهم.. لم تكن تضحكنى على الإطلاق.. بل فتحت شباكًا على صحراء طويلة قاحلة، أستغرب أننا نملكها بكل خيراتها ولا نفعل بها شيئًا.. تلك الصحراء لا نحتاجها لزراعة ما يكفينا من ليمون.. نحن لا نحتاج إلى أرض أو ماء.. أو شتلات.. فكل هذا موجود وزيادة.. لكننا لا نفكر إلا عند الاحتياج.
آلاف الشباب سخروا من ارتفاع أسعار الليمون.. ومن تصريحات مسئولى الزراعة.. ومن جشع التجار.. لكن آلافًا أخرى من شباب مختلف طرحوا مبادرات وأفكارًا جيدة وقابلة للتنفيذ لتوفير كل ما نحتاجه من خضروات وفاكهة وبيسر.. وليس الليمون فقط.
لقد شرح أحدهم فكرة قاموا بتنفيذها فى عدد من دول شرق آسيا.. تقول بأنك تحتاج إلى بذور الفاكهة التى تأكلها.. لا ترمها فى الزبالة.. فقط قم بغسلها وتجفيفها وإلقائها فى الصحراء.. وربك هيبعت المطر.. وستنبت.. هذه الفكرة البسيطة طورها أهل مدينة دولة آسيوية.. فنبتت الأشجار المثمرة فى الشوارع.. فأكلوا وشربوا من خيرات ما رزقهم الله.
منذ سنوات أربع تقريبًا.. كان هناك مشروع لاستبدال شجر الفيكس المؤذى، الذى ينقل العدوى والأمراض فى شوارعنا بشجر مثمر.. ولا أدرى لماذا لم يحدث ذلك حتى الآن؟.
فى الوقت نفسه تقريبا قرأت أن ما يسمى "المجلس القومى للزيتون" سيقوم بزرع مائة مليون شجرة مباركة فى صحراء مصر.. ومنذ ذلك الحين ولا نعرف أين اختفى المجلس وأين ذهب الزيتون، الذى قام بزراعته!! طبعًا هم لم يغرسوا ولا شجرة.. لكن الفكرة تظل قائمة.. مع أنها ضرورة خاصة لو علمنا أننا نستورد أكثر من ثلثى استهلاكنا من الزيوت من الخارج، وندفع عشرات الملايين من الدولارات شهريًا.. وغالبًا لا تكون تلك الزيوت الصناعية بقيمة وجودة زيت الزيتون الذى تقوم عليه ميزانيات دول بحالها.
قصة الليمون الذى فاجأنا بأنه وصل سعره إلى ما يزيد على كيلو اللحم.. لدرجة أن شابًا صعيديًا صور فيديو حاز إعجاب الملايين على السوشيال ميديا.. قام ببيع الليمون بالنقطة.
تجربتى الشخصية تقول إن شجرة الليمون لا تحتاج أكثر من ثلاث سنوات حتى تُثمر.. وتصلح للزراعة فى معظم أراضى مصر تقريبًا.. لا تحتاج إلى مبيدات.. ولا خدمة زراعية مكلفة.. وشتلتها لا تزيد قيمتها على عشرة جنيهات.. فلماذا لا نفعلها؟
لقد نجح شبابنا فى تنفيذ مبادرات مهمة خلال الفترة الماضية.. ونجحت أجهزة الدولة بكفاءة عالية فى تنفيذ مبادرة رئيس الجمهورية لفحص وعلاج المصابين بفيروس "سى".. وهو الكارثة التى طالت بيوتًا مصرية كثيرة واستنزفت عشرات المليارات من قوتهم خلال السنوات الماضية، وفى أقل من عام كانت مبادرة الرئيس قد حظيت بتنفيذ عالى المستوى وكفاءة شهد بها الجميع للعاملين فيها.. إذن نحن قادرون على الفعل.. قادرون على النجاح.. فما الذى ينقصنا لنحوّل كل صحراوات أيامنا إلى حدائق خضراء مثمرة؟.
علماء مركز البحوث الزراعية.. لديهم عشرات المشاريع والتجارب لإنتاج عدد كبير من أنواع الليمون صلحت زراعته فى مصر.. أضاليا وشعير.. وبنزهير.. إلى جانب الليمون البلدى صاحب الرائحة الرائعة والنكهة اللاذعة.. فلماذا لا نزرع؟.
رئيس البلاد هو نفسه صاحب مشروع المليون ونصف المليون فدان.. ومعظم تصريحاته فى هذا الشأن تدفع بقوة نحو استعادة ريادة مصر كبلد زراعى منتج.. يملك الخبرة.. أقدم فلاح فى الكون مصرى.. وأقدم ثمرة عرفتها البشرية خرجت من طرح الأراضى المصرية.. المشروع الأكبر لإنتاج التمور الذى بدأت بشائر طرحه فى أسوان منذ شهور.. رسالة أخرى من الرئيس للمصريين وللعالم.
دراسات الجدوى التى وزعها مرتادو السوشيال ميديا من الشباب حول القيمة الاقتصادية لزراعة فدان واحد من النخيل البارحى أو المجدول.. أو فدان من الزيتون.. أو من الليمون تستطيع أن تفتح بيوت أكثر من شاب وليس الشاب الذى سيزرع فقط!! لدينا كل شىء إذن.. الرغبة والقدرة.. والإرادة السياسية.. فقط استوقفنى فى كل ما قرأته وسمعته من مناقشات ما يثيره الجميع ويتفقون تقريبًا فى كل تفاصيله هو ذلك الروتين المزرى الذى يتعامل به الموظفون فى الجهاز الإدارى.. تلك الجهات المسئولة عن تقنين الأراضى.. موظفو وزارة الزراعة العتيقة.. موظفو وزارة الرى.. وقبل كل هؤلاء العاملون فى المحليات.. هؤلاء يحتاجون إلى نظرة عاجلة من الأجهزة الرقابية.. فمعظمهم للأسف يملك قدرة غير عادية على تعطيل أى مراكب.. ودفن أحلام وأفكار "أجعصها" عالم فى مصر.. هؤلاء لا أعتقد أن السنوات المقبلة ستتحمل آلياتهم القديمة فى التعامل مع مشروعات الشباب وأفكارهم.. هؤلاء الذين يتعمدون تطفيش المستقبل.. أو الذين لا يتعمدون ذلك.. لكنهم اعتادوا على العمل بطريقة قديمة.. لا مكان لهم فى مصر التى نريدها.. مصر التى تحتاج إلى كل "شتلة" فى "عقل" أبنائها لتجنى ثمار ما أبدعوه وتم تخريبه بفعل فاعل أو بسبب الإهمال لسنوات طويلة.. مصر قادرة، ليس الفندق إياه فى البحر الأحمر، على الاكتفاء ذاتيًا من ثمار الليمون والزيتون والتين والقمح والفول والتمور وغيرها.. مصر قادرة على "إطعام" نفسها وجيرانها إن أرادت.. ولأننا نريد أن يستمر "صوتنا" من رأسنا فلا مجال لأن يصبح الأمر مجرد فيديو يحصل على ملايين اللايكات فى السوشيال ميديال.. الأمر أصبح ضرورة.. ونحن قادرون لا محالة.