رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أردوغان وسقوط الإخوان


جميعنا كان يتوقع تلك الضجة الهستيرية التى أثارها أعضاء تنظيم الإخوان ومؤيدوهم، بسبب وفاة رئيسهم المعزول محمد مرسى، والذى كان يمثل لهم بدايات لتحقيق حلم استمر قرابة الثمانين عامًا، ليحكموا ويتحكموا فى مصائر الدولة التى نشأوا وترعرعوا فيها، واستفادوا من خيراتها فى كل المجالات، وعندما سنحت لهم الفرصة بحكم البلاد عاثوا فيها ظلمًا وعدوانًا على كل من يخالفهم فى الرأى، واتبعوا سياسة الإقصاء والتمييز والسيطرة على مفاصل الدولة، أملًا فى أن يستمر حكمهم لها «خمسمائة عام» كما قالها أحد أهم وأخطر كوادرهم خيرت الشاطر.
فى سبيل تحقيق ذلك قاموا بتوقيع المعاهدات والتعهدات التى تساعدهم فى إحكام سيطرتهم على البلاد، حتى ولو كان ذلك على حساب تقديم التنازلات والتسهيلات التى جعلت من أرضنا الغالية مطمعًا لكل من كانت لديه أطماع بها، وفتحت ذراعيها للتنظيمات الإرهابية، لتجد لهم ملاذًا آمنًا فى سيناء وتكون إحدى وسائلها الرخيصة لزرع الخوف والرعب فى نفوس العباد، وإجبارهم عن الانصياع لحكم تلك الجماعة الإرهابية وتوجهاتها حتى ولو كان ذلك فى غير صالح البلاد، طالما أن ذلك يحقق مصالحهم ومصالح حلفائهم الذين لم يكن لديهم مجرد الحلم، لما تحقق لهم خلال هذا العام الأسود الذى حكم فيه الإخوان البلاد.
فرأينا الرئيس الإيرانى أحمدى نجادى فى ميدان سيدنا الحسين، ورأينا التدخل التركى فى أوسع صوره لأدق شئون الدولة الداخلية، سعيًا لتحقيق حلم الخلافة العثمانية تحت قيادة رئيسهم الإخوانى رجب طيب أردوغان، ورأينا سيطرة المال القطرى على معظم الاستثمارات المتاحة فى البلاد، ورأينا قيادات وعناصر حركة حماس الإخوانية تتحرك فى القاهرة، أسهل مما تتحرك فى غزة وتزرع عناصرها المسلحة هنا وهناك. يأتى هذا فى الوقت الذى بدأت فيه إثيوبيا فى بناء سد النهضة مدعومة بخبرة ورءوس أموال جميع الدول التى تضمر الشر لبلادنا، وعلى رأسها إسرائيل بطبيعة الحال.
كان من الطبيعى أن نتوقع ردود الأفعال المختلفة، وتلك التصريحات النارية من جميع القوى والأشخاص والدول التى تأثرت أطماعها فى البلاد، بعد تحجيم نشاط جماعة الإخوان الإرهابية، والقبض على معظم قادتهم وهروب الآخرين إلى الخارج.
إلى أن جاءت وفاة محمد مرسى، لتقضى على آخر رمز أو أمل لهم أو ورقة كانوا يستخدمونها لدى المحافل الدولية، وجماعات حقوق الإنسان المشبوهة، وعلى رأسها هيومن رايتس ووتش الممولة من اللوبى الصهيونى، وتخدم أطماعهم فى الشرق الأوسط.
ولكن ما استوقفنى بالفعل وأثار تعجبى وانزعاجى، رد فعل الرئيس التركى أردوغان الذى خرج عن شعوره تمامًا فور تلقيه خبر وفاة مرسى، وراح يكيل الاتهامات ويحاول إثارة الرأى العام الداخلى والخارجى والدولى، وينتهز أى فرصة للهجوم على مصر شعبًا وحكومة وقيادة، ويتهمنا صراحة بالتسبب فى وفاته، ويهدد بأنه سوف يثير ذلك فى المحافل الدولية، ويطلب إجراء تحقيق دولى للوقوف على أسباب تلك الوفاة، بل ويتجاوز قولًا وفعلًا فى حق الدولة المصرية، لمحاولة كسب تأييد وتعاطف تلك الدول التى كانت تؤازر جماعة الإخوان، وأيضًا لإعادة اكتساب شعبية فقدها إلى حد كبير فى تركيا بعد بوادر ذلك الانهيار الاقتصادى والعزوف السياحى الذى كان من أهم موارد تلك الدولة.
لقد كشف الرئيس التركى فى تلك المناسبة، عن أحقاده على بلادنا وعلى رئيسنا الذى أصبح يمثل بالنسبة له عدوًا شخصيًا وهاجسًا يوميًا يعكس الحالة النفسية الصعبة التى أصابته مؤخرًا، والتى تجعله فى أى مناسبة يحاول الإساءة إلى مصر بأساليب مرفوضة وتصريحات مسيئة تزداد مع كل نجاح واستقرار تشهده البلاد، فى الوقت الذى تشهد بلاده تراجعًا اقتصاديًا وسياسيًا، بل وأمنيًا غير مسبوق، وليس أدل على ذلك من هبوط الليرة التركية إلى أدنى مستويات سعرها، وتهاوى الناتج الصناعى التركى للشهر الثامن على التوالى بنسبة تزيد على 4%. وتشير تقارير معهد الإحصاء التركى إلى أن قطاع الإنشاءات الذى كان أكبر قطاع يحقق دخلًا للدولة، انخفض بنسبة 10% وبلغ عجز الميزانية التركى 2 مليار دولار خلال شهر مايو الماضى، وانعكس ذلك على كل مؤشرات الثقة فى الاقتصاد التركى، وارتفعت معدلات التضخم إلى 19% وهبطت نسبة القوى الشرائية والسياحة بنسبة40%.
أما على الصعيد السياسى، فإن العلاقات التركية مع العديد من دول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية، تشهد توترًا متزايدًا خاصة بعد التهديدات التركية وتدخلاتها فيما يتعلق بحقوق اليونان وقبرص فى حقول الغاز الكائنة بمياههما الإقليمية، ومواصلة انتهاكاتها القوانين الدولية، وعلى غير سند من القانون للتنقيب عن الغاز فى المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، حيث تم إرسال سفينة الفاتح لتقوم بالتنقيب عن الغاز على مسافة 80 كيلومترًا غرب مدينة بافوس القبرصية، إضافة إلى السفينة بربريس التى تعمل فى المنطقة ذاتها، فى خرق واضح للقانون الدولى رغم رسائل التحذير القوية التى يرسلها الاتحاد الأوروبى إلى تركيا، لوقف أنشطة التنقيب وكان آخرها رسالة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون التى طلب فيها من تركيا وقف أنشطتها غير المشروعة. وعلى الصعيد الداخلى ها هو أردوغان يتلقى هزيمة ثقيلة فى انتخابات بلدية إسطنبول التى فاز بها معارضه أكرم إمام أوغلو، والتى على إثرها قرر الرئيس التركى إعادة تلك الانتخابات بدعوى حدوث عمليات تزوير أثناء الفرز.
ومن الناحية الأمنية فحدث ولا حرج، خاصة عقب إعلان حالة الطوارئ عام 2016 فى أعقاب محاولة الانقلاب المزعوم عليه، حيث قام باعتقال أعداد كبيرة من معارضيه بلغ عددهم 84 ألف مواطن تركى يمثلون صحفيين وموظفين عموميين ومعلمين وسياسيين، بالإضافة إلى فصل حوالى 140 ألفًا من رجال الجيش والشرطة وكذلك 8415 قاضيًا ووكلاء للنائب العام، بالإضافة إلى انتشار إفادات التعذيب داخل السجون وصدور أحكام جائرة على العديد من الشخصيات العامة، بل وانتهاكات لحقوق الإنسان خاصة المرأة، حيث احتجز عدد من الصحفيات بتهم كيدية منهن عائشة دوزكان وأيتين أوزتورك وغيرهما، حيث قام الأمن بتفتيش منازلهن وتجريدهن من ملابسهن وتفتيشهن وهن عاريات فى انتهاك صريح لأبسط حقوق الإنسانية.
هذا هو أردوغان الذى كان يحلم يومًا ما، بتحقيق أطماعه الشخصية والاستيلاء على أكبر مساحة من الأراضى العربية، بدعوى أنه يريد الخلافة الإسلامية، مستعينًا بذلك بجماعة الإخوان الإرهابية وفروعها فى مختلف الأنحاء، بل وبالتنظيمات الإرهابية التى تخرج من عباءة تلك الجماعة، كى يستخدمها كأداة للوصول إلى تحقيق تلك الأطماع، وهذا يفسر لنا تلك الحالة من الهوس والجنون التى أصابته بعد وفاة محمد مرسى، والتى تعتبر الضربة القاضية له بعد أن أطاح الشعب المصرى بأحلامه عندما خرج بالملايين فى 30 يونيو 2013، ليسقط حكم جماعة الإخوان، برغم محاولاته اليائسة فى تفعيل دورها من خلال رعايته وتبنيه العديد من المحطات الفضائية التى تبث سمومها للمنطقة العربية بصفة عامة، ولمصر بصفة خاصة، وأيضًا استضافته وحمايته عناصر التنظيم التى تمكنت من الهروب قبل القبض عليها، إلا أن الشعب المصرى أصبح على وعى كامل بكل ما يُحاك له من قبل هذا الرجل الذى يضمر كل الحقد والشر لمصرنا الغالية وقائدها المفدى.
لقد أدرك أردوغان أن مشروعه التوسعى قد انتهى إلى غير رجعة، وأن نظامه يترنح تحت الغليان الشعبى الرافض لسياساته، بعدما وصل الاقتصاد التركى إلى أدنى مراحله، وهو ما يهم المواطن التركى البسيط الذى يريد أن يعيش فى هدوء وسلام. وعلاقاته السياسية التى وصلت إلى أسوأ مراحلها، حتى إن حكمه أصبح فى نظر أوروبا وأمريكا أكثر الأنظمة الحاكمة إثارة للخوف وبعدًا عن الديمقراطية، ومصدرًا للإرهاب والتهديد.
جاء انهيار جماعة الإخوان ووفاة محمد مرسى مؤشرًا لاقتراب سقوط حكم أردوغان الذى لم يعد قادرًا على السيطرة بالشكل الكافى على مقاليد الحكم فى بلاده، حيث تلاحقه الهزائم والانهيارات والتصدعات التى من الممكن أن تؤدى إلى تخلص الشعب التركى منه مثلما تخلصت مصر من جماعة الإخوان الإرهابية.. وتحيا مصر.