رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ميزان الله.. وشهداء الإيمان


اربطوا الأحزمة، فنحن على مشارف السباحة والغوص ـ ربما ضد التيارـ في لُجَّة بحرٍ طامٍ؛ امتلأ بالكثير من الطحالب والأعشاب المتشابكة الأغصان والجذورالعطِنة؛ تلك الجذور التي تعيق الحركة وسط هديرالأمواج العاتية، وتربُّص الكثير من الحيتان التي نصَّبت من أنفسها أوصياء وحكماء على البر والبحر والجو .. وعقائد الإنسان !؛ غيرعابئين بأن المسلمين والمسيحيين أخوة بحكم المواطنة؛ ولا بما جاء في قول الله تعالى في كتابه الكريم :
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبيرٌ"( الحجرات الآية 13)، ولا بما جاء في الإنجيل عن المساواة في الحقوق والواجبات بين"المؤمنين"؛ ولم يقل : المسلمين أو المسيحيين ! ونحن نعرف جميعًا .. أن دماء الجنود المسيحيين اختلطت بدماء المسلمين فى صفوف القوات المسلحة، الذين استشهدوا فى سيناء نتيجة أعمال التفجيرات الغاشمة بين جنود الحراسات
والأكمنة داخل وعلى حدود الوطن .

ولكن شاءت الفئة الباغية من أهل الشر؛ المتربصة بكل ماهو جميل في حياتنا؛ والتى تدَّعي أنها توزع صكوك الدخول إلى الجنة والشهادة فى سبيل الله؛ أن تحاول "دق إسفين" مسموم في جدران الثقة للتفرقة بين أصحاب المعتقدات والأديان السماوية داخل الوطن؛ فنفثوا فحيح فتاواهم في عقول البسطاء ومن يسيرون ـ كالمغيَّبين والعميان ـ على هواهم؛ بأنه لن يحظى أي فرد منهم بـ " نعيم الجنة" الموعودة من الشهداء سوى من استشهدوا على الديانة الإسلامية؛ وأن غيرهم من أصحاب المعتقدات والديانات الأخرى ممَّن دافعوا عن الوطن بين صفوف الجيش الوطني بشرفٍ وبسالة؛ فإن مآلهم إلى عذاب"جهنم" وبئس المصير مهما كانت تضحياتهم ! ونسوا أو تناسوا أن
الشَهِيْد هو من يُقتل في سبيل الدفاع عن الوطن والمال والعِرض، وسُمِّي بالشهيد لأنه يكون يوم القيامة شاهدًا على كل من ظلمه وعلى المنحرفين والأدعياء من تجار الدين، والدين منهم برىء كل البراءة .

ألم أطلب منكم ربط الأحزمة للسباحة ضد هذا التيار العاتي وتعاليمه الآثمة؛ والذي استشري وتغلغل في صميم عصب الوطن والوطنية ؟ بلى .. حتى نكون في حالة يقظة دائمة من هؤلاء الأوغاد الذين انكشفت أستارهم؛
وفُضحت أساليبهم العقيمة في محاولات النيل من وحدتنا وتماسكنا منذ فجر تاريخ الإنسانية.. ولكن هيهات !

إننا في هذه المرحلة الآنية؛ في أشد الحاجة إلى تقوية روح التآخي والتعايش المشترك بين جميع أهل الوطن؛ على اختلاف جنسياتهم وعقائدهم الدينية والسياسية؛ وبخاصة وأن قدر مصر أنها تضم الملايين من أبناء العروبة الذين وجدوا في صدرها الملجأ والملاذ؛ بفضل السياسة الحكيمة للقيادة الوطنية المشرفة لوجه كل نضال في سبيل رفعة الوطن وريادته للأمة العربية بكل طوائفها وعشائرها وقبائلها في البدو والحضر؛ بل الأفريقية أيضًا .

إن الخطر كل الخطر؛ في غياب ثقافة التعايش وانتشار بعض مظاهر التطرف القميء؛ بسبب بعض الغوغاء ممَّن يمتطون صهوة المنابر وضجيجهم بكل أفكارهم العقيمة عبر "الميكروفونات" بحجَّة الصلاة والدعوة والخطابة في الجموع، وكأنهم لم يقرأوا قول الله عز وجل :" وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا" (الإسراء 110) أو تغافلوا عن قوله تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ" ( الحجرات 4 )، فعلينا أن نذكِّرهم بها إذا كانوا يتجاهلونها ويتمسكون بما يليق بتفسيراتهم الملتوية من أجل مصالحهم الضيقة .. لامصلحة البلاد والعباد .

فهل ننساق خلف هؤلاء الأدعياء؛ الذين يقومون بتصنيف شهداء الوطن وتوزيعهم ـ بحسب نفوسهم الضعيفة وغاياتهم الوضيعة ـ إلى فئة في الجنة وفئة في النار؟ أم ننشر ثقافة الوعي والإيمان بالعقيدة المتينة بأن الحُكم لله الواحد القهار؛ وهو القادرعلى التقييم بقدرالإيمان والقناعة بملكوته جل شأنه؛ مادام بقلبه وروحه من "المؤمنين"؛ بصرف النظرعن عقيدته المُعلنة؛ فليس الإنسان رهينًا بما هو مكتوب في سطور بطاقة الهويَّة؛ ولكن بما هو منقوشٌ على جدران روحه وقلبه .

إننا لا نقف حجر عثرة في وجه حرية الرأي .. ولكن أي رأي هذا الذي يقوم بتفسير مالم يأتِ في أحكام الله وآياته المُحكمات في جميع الكتب السماوية والعقائدية .. وحتى الوضعية ؟ إن مصلحة الوطن وسلامته وأمنه وأمن بنوه .. تكمُن في التصدي لكل من يريد العبث بهذا الأمن والسلامة؛ والتأكيد على أن البشرسواسية "كأسنان المشط" في الواجبات والحقوق ونيل جنات الله بحق الشهادة في سبيل الله والوطن والمال والعِرض .
ولنتأمل جيدًا هذه الآية الكريمة التي لم تُشر إلى ديانة أو عقيدة أو ملّة؛ ولكنه ـ سبحانه ـ أشار إلى "الذين قُتلوا في سبيل الله" :

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾( آل عمران 169 ).
هؤلاء الابالسة أعداء الوطن والإنسانية لايتركون فرصة للنيل منا إلا ويقفزون عليها وسط دهشتنا مما يتبجحون به وينطقون به ظنا منهم انهم يحتكرون الصواب، ومايتفوهون به هو القول الفصل وعلى المنصتين الطاعة كما اعتادوا مع فارغي الأدمغة ممن يتبعونها..هنا نلجمهم ونهددهم ونحذرهم:ابتعدوا عن شهداء الوطن الأطهار لاتلوثوهم بقبيح ألسنتكم وأدمغتكم التي تعيش فيها الوطاويط..فلن نترككم تلوثون ثوب سيرتهم العطرة بدنس فتاواكم المغرضة التي لا يعرفها أي دين على الأرض ولا ملة! فميزان الله هو الحكم.