رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إعدام المجرمين


منذ سنوات وأنا أتابع بدهشة هذه الدعوات، لوقف تنفيذ عقوبة الإعدام فى دول العالم، وتخصيص الأمم المتحدة يومًا عالميًا لإلغاء عقوبة الإعدام، وهذا الحماس الشديد من الاتحاد الأوروبى الذى يصل إلى حد الضغط على بعض الدول لإلغائها، وآخر هذه الدول هى تركيا التى ألغت العقوبة بالفعل، على أمل الانضمام للاتحاد الأوروبى ولكن آمالها تبددت فى الهواء.
وقد حضرت فى الأسبوع الماضى ندوة أقامها البرلمان العربى، حول تنفيذ عقوبة الإعدام فى الدول العربية، وبعد الاستماع للمناقشات الجادة فى هذه الندوة، من فقهاء وخبراء فى القانون وسياسيين، خرجت أتساءل: هل أصبح تنفيذ حكم الإعدام فى المجرمين الذين يقتلون ويزهقون أرواح الناس جريمة؟!.. أى منطق يمكن أن يقبل هذا؟! ألا يستحق السفاح الذى قتل أكثر من 50 مصليًا فى مسجدين بنيوزيلندا، متباهيًا بفعلته ومستغلًا خاصية البث الحى على موقع فيسبوك ليذيع جريمته الشنعاء على الهواء مباشرة، ألا يستحق هذا السفاح حكم الإعدام؟ هل تتحقق العدالة ويستريح نشطاء حقوق الإنسان لو خرج هذا السفاح من السجن بعد 10 أو 20 سنة ليتباهى بدمويته وعنصريته أمام الجميع؟ أرفض القتل وسفك الدماء لأى إنسان مهما كان جنسه أو عرقه أو دينه أو مذهبه بغير حق، وأؤمن بأن «من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا»، ولهذا أتمنى أن أسأل أى ناشط من هؤلاء الذين يرفعون شعارات «لا لتنفيذ حكم الإعدام»، ماذا سيكون شعورك لو قام مجرم باغتصاب ابنتك أو زوجتك وقتلها فى محاولة لإخفاء جريمته؟، ماذا لو هاجمك فى الطريق العام مجرم وقتل ابنك أو أباك أو أمك، هل ستتمسك بنفس هذه الشعارات؟، هل يمكنك أن تواصل الحياة بسلام بعد أن رأيت ابنك أو ابنتك غارقة فى دمائها وهى تلفظ أنفاسها الأخيرة؟. أحيانًا تتحول جريمة قتل شخص واحد إلى جريمة مزدوجة أو ثلاثية، بعدما يفقد الأب والأم عقليهما أو رغبتيهما فى الحياة حزنًا على فقدان ابن أو ابنة دون أى سبب.. فهل يُرضى هذا إنسانيتكم؟.. وهل هذه هى الإنسانية التى تحلمون بها؟.
ليس كل ما تتبناه الأمم المتحدة أو منظمات حقوق الإنسان شيئًا مقدسًا، أو شيئًا نجد أنفسنا مجبرين على احترامه، بل ربما كان العكس تمامًا، مثل الدعوات التى يطلقونها حول زواج المثليين، فهى غير مقبولة حتى لو خصصت لها الأمم المتحدة ومجلس الأمن وأى مجلس آخر يومًا أو احتفالًا كل شهر. نفس الأمر بالنسبة لجرائم القتل.. فالقصاص العادل ليس حكرًا على الشريعة الإسلامية التى أقرت مبدأ أنّ «من قتل يُقتل» وأنه «ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب»، بل هو مبدأ متبع منذ قانون حمورابى، وفى كل الشرائع السماوية التى تقر مبدأ «العين بالعين».. وهو مبدأ يسعى- فى اعتقادى- إلى تحقيق السلام الاجتماعى، فأهل الضحية أو أهل الدم لن تهدأ لهم نفس إلا إذا دفع القاتل ثمن جريمته بالدم أيضًا. هل يعرف العالم السلام دون قصاص عادل؟، هذا سؤال يمكن أن تجيب عنه بيانات منظمة العفو الدولية التى تشير إلى أن 142 دولة، من بين 193 دولة فى الأمم المتحدة، إما أبطلت عقوبة الإعدام بالقانون أو الممارسة، وبمزيد من التفصيل تقول المنظمة إن هناك 106 دول لم تعد تسمح بالقانون بتطبيق عقوبة الإعدام، إضافة إلى 29 دولة يسمح فيها القانون بتطبيق عقوبة الإعدام، ولكنها لم تطبقها لعشر سنوات على الأقل وهناك التزام بعدم تطبيقها.
والسؤال الذى يطرح نفسه بعد هذه الأرقام التى تسعد من يسمون أنفسهم الحقوقيين أو النشطاء فى مجال حقوق الإنسان.. هل أصبح العالم أكثر أمنًا بعد وقف تنفيذ عقوبة الإعدام فى 60 بالمائة من دول العالم؟، هل تراجعت أم زادت معدلات جرائم القتل، خاصة تلك الجرائم المقترنة بحوادث الإرهاب؟.
هل تعنى المحافظة على حقوق الإنسان أن نحمى حياة القتلة ونهدر حقوق ودماء القتلى والمجنى عليهم؟، هل القتلة والإرهابيون هم الذين يحملون صفة بنى الإنسان، بينما يفتقدها ضحاياهم؟
إنه منطق معكوس ولا يمت- فى اعتقادى- للقيم الإنسانية بأى صلة، فالعدالة تعنى أن نحمى المجتمع، نحمى حقوق الضحايا وأيضًا حقوق المتهمين حتى تثبت إدانتهم وبعدها نطبق عليهم القصاص العادل.
ما أثار اطمئنانى فى نهاية مناقشات ندوة البرلمان العربى هو ما عرفته من أن هناك أكثر من 30 ولاية أمريكية ما زالت تطبق عقوبة الإعدام، وأن بعض الدول التى ألغت هذه العقوبة تدرس إعادتها للحد من هذا التصاعد الرهيب فى معدلات جرائم القتل.
أتمنى من الأمم المتحدة ومنظمات ما يسمى حقوق الإنسان ألا تسىء إلى القيم الإنسانية، باعتبار أن تطبيق مبدأ القصاص هو إهدار لحقوق الإنسان، ومن جهتى سأظل مؤمنًا بمبدأ القصاص وبأن القاتل يقتل ولو بعد حين.. وأن هذا هو السبيل لحماية بنى الإنسان من الإجرام والمجرمين وأصحاب النفوس المريضة.