رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا يأمرنا الله بالاستغفار أولًا؟


الوصول إلى الله يتطلب جهادًا من نوع خاص، هو «مجاهدة النفس»، من خلال معرفة عيوبها والعمل على إصلاحها، بالمسارعة إلى طريق الخير، والابتعاد عن طريق الشر، وكل ما من شأنه أن يغضب الخالق سبحانه، وذلك حين تلجم نفسك عن المعاصى والشهوات، وتبادر إلى الطاعات، وتقوم إلى الصلاة فى وقتها، وتكف الأذى عن غيرك.
عندما تسير إلى الله لن تجد فى طريقك ما يحول دون أن تتوجه إليه، لا يريدك فى حالة طهر ملائكية، توجه إليه بأثقال أوزارك، وقتها سيقبلك على حالك وبكل ما فيك، وهو وحده الكفيل بإصلاحها، لأنه مالكها وربها الذى منحها الحياة، وهو أدرى بما تحمله كل نفس من صاحبها، سبحانه هو الصانع وهو أدرى بصنعته، فلا تبطئ الخطى، واسلك الطريق إليه مسرعًا، واترك نفسك لخالقها، وهو من سيتولى إصلاحها.
ذكر الله هو أسهل عبادة يمارسها الإنسان، ومع ذلك فإنها أقوى عبادة، لأنها تحرك الروحانيات فى قلبك، عبادة تمارسها على أى حال كنت، بوضوء أو دون وضوء، جالسًا أو ماشيًا، ليلًا أو نهارًا، تمارسها المرأة فى كل وقت بلا حرج فى أوقات الحيض أو غيرها، تمارسها فى أى مكان.. بيتك.. وأنت سائق.. بين الطبيعة.. وسط الناس، ليس هناك شرط لممارستها، فقط أهم شىء أن يكون لسانك ذاكرًا، فكرك يتحرك فى معنى ما تقوله من أذكار، وقلبك يستشعر به.
ماذا يفعل بك الذكر؟
كلما ذكرت الله بعمق فتح لك أسرارًا وأنوارًا وأبوابًا وقنوات إلى عالم الروح.. أنوارًا وأفراحًا وطمأنينة ورضا وسعادة.. يقذف فى قلبك قبسًا من نوره ليضىء لك الطريق إليه، يدفعك دفعًا إليه.. يقول الله تعالى فى الحديث القدسى: «أنا عند ظن عبدى بى (هو عند ظنك حين تذكره.. فما ظنك به؟.. سيرزقنى ويكرمنى.. هو عند ظنك إذا ذكرته)، وأنا معه إذا ذكرنى (أنا معه.. يعنى معية الله)، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه».
تخيل نفسك وأنت تذكر الله أنه سبحانه فى السماء يباهى بك الملائكة، إنها قناة مفتوحة بينك وبين الله.. بينك وبين السماء.. تذكر الله فيذكرك الله فورًا.. فتتحرك نحوك الرحمات والأنوار والإشراقات.. اصمت لحظة الآن وردد بصوت خفيض.. وقل: لا إله إلا الله.. الآن يذكرك الله.. أى معنى روحانى فى الوجود أكبر من هذا المعنى؟.
من أعظم الذكر الاستغفار، فهو عملية إسكان: أين الخلل.. ومراجعة مستمرة لأخطائك فى الحياة.. فما من أحد إلا وله أخطاء، «كل ابن آدم خطاء»، لكن ما يميز المؤمن عن غيره أنه حين يرتكب الذنب يسارع بالعودة إلى الله مستغفرًا تائبًا «وخير الخطائين التوابون».. يقول اللسان: أستغفر الله.. والعقل يتذكر التقصير فى حق الله.. والقلب يقول له: سامحنى يا الله.. هذا هو جوهر الاستغفار والمعنى المقصود منه.
حين تستغفر الله تعالى يمسح لك ذنبًا.. يزيل لك معصية.. هكذا يفعل الاستغفار بصاحبه.. تخيل نفسك أنك عندما تستغفر ربك يوميًا ستصبح صحيفتك بيضاء خالية من السيئات.. يقول الله تعالى: «فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا»، لاحظ تركيبة الآية.. استغفر الله أولًا لأنه هو الغفار.. اعبده لأنه يستحق العبادة.
استغفر من كل قلبك بصدق.. لأنه أحيانًا: استغفارنا يحتاج إلى استغفار.. استغفر الله على التقصير فى حق الله.. يقول النبى: إنه ليغان على قلبى (أى أشعر بالهم فى قلبى خوفًا من التقصير فى حق الله)، فأستغفر الله وأتوب إليه فى اليوم مائة مرة». أستغفر الله ليس فقط من الذنوب والمعاصى، ولكن أستغفر الله عن كل ما شغلنى عن معرفة الله ومعيته وهو الخالق العظيم، أستغفر الله لنعم أنعم بها علىَّ، ونسيت أن أشكره عليها، وربما شكرت غيره وهو القائل: «وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ»، أستغفر الله لأنه سبحانه أحق بالاستغفار.
من عجائب الاستغفار والتوبة أنها تغير الماضى.. فى حياة الناس حتى تغير ماضيك، فتلك عملية شبه مستحيلة.. لأنك تحتاج جهدًا وزمنًا ومالًا.. لكن مع الله.. التوبة تمحى كل الماضى وما تبت منه فى لحظة توبتك.. ابدأ دعاءك باستغفار تفتح لك أبواب الإجابة.. ابدأ يومك باستغفار تفتح لك أبواب العطاء.. اختم أعمالك باستغفار تفتح لك أبواب القبول.
يقول النبىُّ: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيثُ لا يحتسب»، لكن الأهم أن تستغفر ليغفر لك الله قبل أى شىء آخر.. الاستغفار باب التوبة.. حين تستغفر الله تذكر أنك تتوب من ذنب واحد.. يوم توبتك يفرح بك الله «إن اللَّه يحبُّ التوَّابين» إن «اللَّه يفرح بتوبة عبده».
الآن استغفر وتب إلى الله.. استغفر الله قلبًا ولسانًا.. قولًا وفعلًا.. صدقًا ويقينًا.. استغفر الله من الذنوب والمعاصى دقها وجلها.. كبيرها وصغيرها.. عظيمها وحقيرها.. أولها وآخرها.. علانيتها وسرها.. ما علمنا منها وما لم نعلم.