رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطَّائفيَّةُ في الذِّهنيةِ.. تنمو وتخبو


على الرغم من أن ظواهر التمييز والتعصب القائمَين على أساس المعتقد الدينيّ أحيانًا ما تكون نتيجةً لعواملَ اقتصاديَّةٍ اجتماعيَّةٍ أو سياسيَّةٍ، أو عواملَ ثقافيَّةٍ متنوعةٍ، أو ناشئةٍ عن عمليَّاتٍ تاريخيَّةٍ طويلةٍ ومُعقَّدة، فإنَّها تنتج غالبًا عن التعصب الطائفيّ أو العقائديّ الدينيّ المباشر.

ويشهد المجتمعُ المصريُّ اليوم تحولاتٍ وتغيُّراتٍ اقتصاديَّةً وثقافيَّةً وتقنيَّةً سريعةً وهائلةً، لم يألفها من قبل، وبالتالي فإنه حتى مظاهر الطائفيَّة- كإحدى الظواهر الاجتماعيَّة والنفسيَّة والسياسيَّة والدينيَّة- التي تعاني منها المجتمعاتُ البسيطة، يمكن رصدُها جيدًا في ظلِّ هذا التحوُّل السريع، من خلال متابعة منصَّات التفاعل ومواقع التواصل الاجتماعي بين الأفراد، الذين ينتمون إلى مختلف التوجُّهات- سواء كان اتجاهًا سلبيًّا أو إيجابيًّا.

ونستطيع أن نكتشف لدى البعض العديد من مظاهر التوجهات الحادة الضيقة الأفق والتي تتسم بالرعونة والبعد عن التعقل، والتصلب في الرأي، والخضوع لسيطرة الانفعالات الجامحة والاستعانة بالقيم والأعراف الاجتماعية السائدة، حتى ولو كانت لا تلتقي مع اعتقاداتهم.

وتظهر الذهنيةُ الطائفيةُ- موضوع حديثنا- في المعارك الكلامية التي تدور وتمارس رفض الاختلاف والعزل الاجتماعي والإلكتروني ضد من يخالفها الرأي، وتمارس التخوين من وقتٍ لآخر، ولا تتردّد في تحويل العنف الكلامي ضد المختلفين عنها إلى عنف حقيقيٍّ. كما يلعب الإعلام المنحاز لتوجهات دون أخرى دورًا خطيرًا في التفريق بين المصريين على أساس طائفي، وكذلك بعض المحسوبين على المؤسسات الدينية وغيرهم، الذين يستغلون ذلك أيضًا من أجل تحقيق مصالحهم بتأصيل روح الفرقة وتوظيف استدعاء التاريخ في نشر الكراهية، وتعظيم فقه جماعةٍ على أخرى، أو الاستخفاف، وحتى التكفير، لمن يخالفهم الفقه أو الفكر.

في هذا المناخ تلجأ التيارات السياسية والدينية والشخصيات العامة إلى المعتقد الديني كأداة للتمييز وتأصيل الصراع، وهذا يشجع المتطرفين الحقيقيين على استخدام الصراع الطائفي كوقود. والعكس صحيح أيضًا عندما تحترم المجتمعاتُ الحريَّةَ الدينية، وعندما يتأصل دور مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في مجال المعرفة والثقافة لتعزيز الاحترام المتبادَل، وعندما يتم مقاضاة أعمال العنف ضد المواطنين على أساس الدين... كل هذه عوامل يمكن أن تساعد في إزالة آثار الكراهية دون المساس بالحق في حرية التعبير. وبذلك تخلق مناخًا من التسامح.

لذلك أتصور أن ما نحتاج إليه في المجتمع المصري خاصةً، والمجتمع العربي عامةً، لمواجهة مظاهر الطائفية هو توفير مصادر معرفية واسعة، ووجود مبادراتٍ حقيقيَّةٍ وفعالةٍ من خلال المؤسَّسات الحكوميَّة والمدنيَّة، وحتى المؤسسات الدينيَّة، بهدف التشجيع والاستناد على التراث الثقافي الغني والثري، والعمل على مواجهة مظاهر التمييز، وأن تقدم وسائل الإعلام جميع الثقافات المتنوعة بنفس الأهمية ونفس الاهتمام؛ فعندما يكون هناك تعزيز للتنوع سيكون عنصرًا مهمًّا للاستقرار وأرضًا خصبةً للتنمية الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة التي تساعد كثيرًا في مسألة تقارب الثقافات، لتصبح عاملًا للاستقرار السياسي وسيادة القانون في النهاية وتنمية المجتمع وفق الأسس الصحيحة، وأن يشعر كل مواطن أن ما يمتلكه من ثقافة لها مكانتها، وأن انتماءه، أيًّا كان، لا يسبب له الشعور بعدم المساواة.