رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إمام مسجد «هجوم نيوزيلندا»: نعيش ونُصلى فى أمان وسلام حاليًا.. ولن نغادر «جنة الله على الأرض» (حوار)

جريدة الدستور

- جمال فودة قال إن الجوامع مزوّدة بكاميرات مراقبة مطورة وأجهزة لرصد الأسلحة
قال الشيخ جمال فودة، إمام مسجد «النور» فى نيوزيلندا، الذى تعرض لهجوم إرهابى أسفر عن استشهاد العشرات من المصلين وإصابة عدد كبير منهم، مارس الماضى، إن المسلمين فى نيوزيلندا، البالغ عددهم نحو 70 ألف مسلم، يعيشون حاليًا فى أمان ويؤدون شعائرهم الدينية دون أى أزمات.
وكشف «فودة»، الذى يزور مصر حاليًا، عن تفاصيل لقاءاته مع قيادات المؤسسة الدينية فى مصر، بداية من الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بجانب الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، والدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية.
وتذكر الإمام المصرى الجنسية، فى حواره مع «الدستور»، ما حدث فى الهجوم الإرهابى، وكيف عاش 5 دقائق متواصلة تحت الطلقات النارية، محتميًا بالمنبر، متطرقًا فى الوقت ذاته إلى رؤيته لمواجهة ظاهرة «الإسلاموفوبيا» فى الغرب.
■ بداية.. مَنْ الذى دعاك لزيارة مصر؟ وكيف جرى التنسيق للزيارة؟
- دُعيت من قِبل «رابطة العالم الإسلامى» لحضور وإلقاء كلمة فى مؤتمر «الوسطية والاعتدال»، الذى عُقد فى مكة المكرمة خلال العشر الأواخر من شهر رمضان الماضى، وذلك بحضور وزراء الأوقاف وعدد من المفتين بالدول العربية، بجانب سفراء العالم الإسلامى.
وخلال المؤتمر تم الاتفاق على زيارة بلدى مصر، ولقاء فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بجانب وزير الأوقاف ومفتى الجمهورية، على أن يتم التنسيق للزيارة مع السفير المصرى فى العاصمة النيوزيلندية «ويلنجتون».
■ ما أهم الملفات التى ناقشتها مع قيادات المؤسسات الدينية فى مصر؟
- تحدثنا عن سبل محاربة الأفكار المتطرفة لدى المسلمين ومدعى الإسلام وغير المسلمين، وعن الأفكار والأطروحات والكتب الصادرة عن وزارة الأوقاف والأزهر الشريف ودار الإفتاء حول هذا الموضوع. وقدمت عددًا من مطالب الجالية المسلمة فى «كرايستشيرش» إلى شيخ الأزهر ووزير الأوقاف ومفتى الجمهورية، وأهمها إنشاء مدرسة إسلامية فى المدينة، والمساهمة فى إصلاح المسجد الذى تعرض للهجوم الإرهابى.
■ هل أوصاك فضيلة الإمام الأكبر بأى شىء قبل عودتك إلى نيوزيلندا؟
- فضيلة شيخ الأزهر قال إن الإرهاب يرتكبه أصحاب الفكر المنحرف من مختلف الأديان، لكن هناك من يسعون لإلصاقه بالإسلام فقط ونشر وترويج «الإسلاموفوبيا»، وأشار إلى ارتكاب أتباع الديانات الأخرى أعمالأً إرهابية لا يتم ربطها بدياناتهم مثلما يحدث مع الإسلام، مع تأكيده بُعد هذه الأديان عن العنف نهائيًا، ولذلك أوصانى وكل أئمة المساجد فى الغرب بضرورة العمل على توضيح حقيقة الدين الإسلامى والتصدى لمحاولات ربطه بالإرهاب.
■ وماذا عن وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة؟
- وزير الأوقاف قال إن الأديان جاءت لنشر أسس التسامح الإنسانى وترسيخ أسس العيش المشترك بين بنى الإنسان، وإن الوزارة تعمل على تحقيق ذلك فى الداخل والخارج، ووجه بتزويد المساجد الكبرى فى نيوزيلندا ببعض إصدارات «الأوقاف» باللغة العربية وأخرى مترجمة إلى «الإنجليزية».
■.. وماذا عن مفتى الجمهورية؟
- مفتى الجمهورية نصح بضرورة أن يكون المسلمون فى نيوزيلندا وغيرها من الدول الغربية حلقة وصل ونقطة انطلاق حوار حضارى وتواصل ثقافى وفهم واستيعاب مشترك بين الإسلام وغيره من الأديان، دون فرض أنماط ثقافية ودينية معينة على أصحاب المعتقد.
وأبدى استعداد دار الإفتاء لتقديم جميع أشكال الدعم العلمى والشرعى للجالية المسلمة فى نيوزيلندا، ووجه بتزويد مسجد «النور» بإصدارات الدار المختلفة.
لذا أقول بكل ثقة وتقدير: وجدت الدعم الكامل من المؤسسات الإسلامية فى مصر تجاه مسلمى نيوزيلندا، بداية من فضيلة الإمام الأكبر، بجانب وزير الأوقاف ومفتى الجمهورية.
■ ما الذى تتذكره من الهجوم الإرهابى على مسجد «النور»؟
- مسجد «النور» مساحته كبيرة جدًا ويحوى جراج سيارات وممرًا كبيرًا طوله حوالى 70 مترًا يُستخدم للصلاة حال امتلاء المسجد بالمصلين، وكذلك يمتلئ صحن المسجد وغرف التعليم وغرف النساء بالمسلمين الذين قدموا لأداء فريضة الله، وفى اليوم المشئوم كان ثلثا المسجد ممتلئًا بنحو 300 مصلِ.
وأتذكر ما حدث فى هذا اليوم المشئوم كأنه أمامى الآن.. فى الواحدة والنصف ظهر يوم الجمعة، موعد إقامة الصلاة فى نيوزيلندا، صعدت المنبر وجلست منتظرًا الأذان، وبعد انتهائه بدأت فى إلقاء خطبة مختصرة باللغة العربية ثم بـ«الإنجليزية». وبعد دقيقة ونصف الدقيقة من الخطبة، سمعنا أصوات إطلاق النار فى مدخل المسجد، وكانت هذه الأصوات عالية وكثيفة جدًا.
اعتقدنا أنه ماس كهربائى أو ألعاب نارية ولم نعتقد أنها عملية إرهابية نهائيًا، خاصة أن نيوزيلندا تعتبر أرض السلام والحب والعدل والمحبة، ولا يمكن نتصور أن يحدث بها شىء مثل هذا.
وواصل المجرم مرتكب الهجوم، الذى جاء من أستراليا بقلب ملىء بالحقد، إطلاق النار من سلاحه الآلى، وأسهمت الميكروفونات الموجودة فى المسجد فى تضخيم صوت الإطلاق بشكل مرعب وعال جدًا، وكأن هناك العشرات يطلقون النيران وليس شخصًا بمفرده.
■ ماذا حدث بعد ذلك؟
- فجأة بدأ المصلون يتدافعون ويسقطون على بعضهم بعضًا وهم يتجهون ناحية صحن المسجد، وأنا كنت ما زلت فوق المنبر لا أستوعب ما يحدث حتى صاح أحد المصلين على يمين المنبر قائلًا باللغة الإنجليزية: «إطلاق نار.. إطلاق نار»، ثم كسر نافذة زجاجية وهرب إلى خارج المسجد.
وسقطت طلقة نارية أمامى مباشرة تحت المنبر ورأيتها تخترق السجاد، فاختبئت وأنا أشاهد العشرات من المصلين يفرون إلى خارج المسجد، والدخان وفوارغ الطلقات النارية يتطاير فى كل مكان.
ووصل الإرهابى المجرم إلى داخل صحن المسجد، وكان يرتدى زيًا عسكريًا وخوذة ومعه «كشاف إضاءة»، ويستمع لأغنيات بلغة غريبة ويتحدث فى هاتفه المحمول، واعتقدت أنه يرانى، وشعرت مع كل طلقة بأنها أصابتنى فى رأسى، وتذكرت أولادى والله والدار الآخرة، وكيف أن نهايتى ستكون- ولله الحمد- فوق منبر رسول الله، لكن الله منحنى فرصة حياة أخرى. وكان الإرهابى شخصًا بارد الأعصاب ومتبلد المشاعر، وكنت أسمع من يُكلمه فى هاتفه المحمول بلغة غريبة، ونفدت ذخيرته بعد 3 دقائق من إطلاق النار المتواصل، ثم خرج من المسجد واعتقدنا أنه غادر، ولما عاود المصلون الظهور فى صحن المسجد عاد الإرهابى وأطلق النار مجددًا على رءوس المصلين لمدة دقيقتين متواصلتين.
والعملية كلها استغرقت 5 دقائق، لأن الإرهابى كان يعلم أن متوسط فترة وصول الشرطة إلى موقع المسجد 6 دقائق.
■ بعد انتهاء الحادث وتوقف إطلاق النار.. ما الذى شاهدته؟
- أصواتًا وطلبات مختلفة من المصابين والناجين، «واحد بيقول عايز أشرب والتانى بيقول الله أكبر والثالث بيردد الشهادة»، وذلك وسط امتلاء المسجد بالدخان وفوارغ الطلقات النارية، وشاهدت القتلى مصابين بطلقات نارية فى مختلف أجزاء أجسادهم، فى صدورهم ومن الخلف أثناء سجودهم.
ووجدنا السلاح المستخدم فى الهجوم على سلالم المسجد، وكان مكتوبًا عليه بخط أبيض كلمات وأسماء شخصيات، علمنا بالبحث عنهم أنهم قُتلوا خلال الحروب بين الدولة العثمانية والأوروبيين من قرابة 1000 عام، وأنه جاء لينتقم لمقتلهم، معتقدًا أن المسلمين احتلوا دولة نيوزيلندا، ويمكن أن تزيد أعدادهم على أعداد المواطنين الأصليين.
■ كيف ترى تعامل السلطات فى نيوزيلندا مع الهجوم الإرهابى؟
- الكل شاهد كيف ساندت ودعمت رئيسة الوزراء النيوزيلندية، السيدة جاسيندا أرديرن، المسلمين فى بلادها بعد هذا الهجوم الإرهابى، والمواطنون هنا يروننا قدوة فى الوسطية والاعتدال والسلام، رغم الصورة غير السوية عن المسلمين فى أوروبا.
فبعد حادث 11 سبتمبر فى الولايات المتحدة عانى المسلمون من وصفهم بـ«الإرهابيين» ومن حرب شديدة على الإسلام، والتى وجهت فى الأساس ضد العدل والوسطية والاعتدال، لا ضد الإرهابيين والمجرمين، لكن «11 سبتمبر الثانية» فى «كرايستشيرش» أعادت الأمور إلى نصابها الطبيعى، وكشفت عن أن التطرف ليس مرتبطًا بالإسلام ولا بأى دين، ولن يستطيع أحد بعدها وصف المسلمين بـ«الإرهابيين».
واتضح أن الحادث الإرهابى وراءه يمين متطرف، منتشر فى الغرب منذ هتلر النازى خاصة فى أستراليا ومعظم دول أوروبا، وهم لديهم أسماء مختلفة ويستهدفون نشر المذهب اليمينى المتشدد، ويعتقدون أن «الجنس الأبيض» هم سادة الكون وكل الناس خَدَم لهم، لذا أسهموا فى زيادة الكراهية ضد المسلمين، بل ضد العالم كله، وهو ما تعاظم مع وجود دونالد ترامب على رأس السلطة فى الولايات المتحدة الأمريكية.
■ كم يبلغ عدد مسلمى نيوزيلندا.. وهل لديهم تخوفات من التعرض لهجمات أخرى؟
- يعيش فى نيوزيلندا نحو 70 ألف مسلم من أصل 5 ملايين مواطن نيوزيلندى، ولدينا 50 إمامًا موزعون على 70 مسجدًا فى كل أنحاء الدولة، وكلهم مواطنون وأئمة وسطيون لا يؤمنون بأى أفكار متطرفة، ونعيش فى سلام تام، ونعتبر الهجوم الإرهابى الأخير «حادثًا عابرًا» لا يمكن اعتباره «كراهية ضد الإسلام».
والسلطات فى نيوزيلندا أخذت كل احتياطاتها الأمنية، وأحكمت السيطرة على المساجد وكأنها بنوك، فأصبح عليها تأمين دائم، ومزودة بكاميرات مراقبة وأجهزة لرصد وكشف الأسلحة فى 3 ثوان فقط، مع إمكانية اتصالها بالشرطة، بجانب مخارج طوارئ. ونحن نتعاون مع الدول الأوروبية الموجودة فيها جاليات إسلامية لتأمين مختلف المساجد، وإصدار قوانين تحمى تلك الجاليات من أى «سلوكيات عدوانية».
ورغم ذلك، لا يمكن تأكيد عدم تعرضنا لأى «سلوك عدوانى» مجددًا، لأن هؤلاء الذين يعبدون الشيطان ولا يريدون سوى الخراب والدمار لا سلطان عليهم.
■ إذن.. هل يشعر المصلون بالأمان فى صلاة الجمعة الآن؟
- نعم، نعيش فى أمان الآن ونؤدى صلواتنا فى سلام، كما عهدنا دائمًا، والكثير من النيوزيلنديين يقدمون الدعم المعنوى لأسر الضحايا، ويؤكدون لهم أن أبناءهم الذين راحوا ضحية الحادث الإرهابى فى مكان أفضل وعالم أكثر عدلًا، ونيوزيلندا دولة آمنة نحبها ونحب مواطنيها ونعتبرها «جنة الله فى الأرض»، لذا ستظل الصلاة فى المساجد كما هى.
وعلى المستوى الشخصى، نجوت من الحادث بأعجوبة، ولا أخشى الموت أو مواجهة الإرهاب، متسلحًا فى ذلك بسماحة ديننا الإسلامى، والحب والتعاطف فى عيون النيوزيلنديين، لنؤكد فشل الإرهاب فى تمزيق وكسر الوحدة بين مواطنى نيوزيلندا، وقدرتنا على أن نكون مثالًا عالميًا على الحب والوحدة.
■ ألم تفكر فى مغادرة نيوزيلندا أنت وأسرتك؟
- الرحيل عن نيوزيلندا فكرة غير واردة أبدًا، خاصة أنها بمثابة «قطعة من الجنة» تزينها الزهور والورود والأشجار والهواء النقى والمياه، وتعامل مواطنيها معنا فى غاية الاحترام والتقدير، وكما قلت الحادث الأخير «عارض وعابر».
■ كيف يواجه دُعاة وأئمة الإسلام فى الغرب «الإسلاموفوبيا»؟
- هناك من ينتمون للدين الإسلامى ويحسبون أنهم يحسنون له صنعا وهم عكس ذلك تمامًا، بأن فسروا القرآن والأحاديث على حسب أهوائهم، فخابوا وخسروا وأقاموا فى الأرض الفساد، وكذلك هناك غير مسلمين ينشرون الكراهية ضد المسلمين باستخدام أفكار المجموعة الأولى، لذا دورنا توضيح هذه الإشكالية وبيان الصورة الصحيحة لديننا الحنيف.
ونحتاج إلى «تقنين» وسائل التواصل الاجتماعى، لأن الإرهابيين يبثون دروسهم وخطبهم وأفكارهم المضللة عبر هذه الوسائل، لذا لا بد أن يكون هناك قانون لمنعهم، هم وأصحاب نظرية «تفوق الجنس الأبيض» من اليمين المتطرف.
ودول العالم المختلفة تستطيع أن تفعل ذلك، وعليها التصدى بكل قوة لتداول تلك الأفكار على «السوشيال ميديا».

■ هل عرضت أى جهات فى مصر أو خارجها إصلاح مسجد «النور»؟

- «رابطة العالم الإسلامى»، وهى منظمة إسلامية عالمية مقرها مكة المكرمة تقوم بالدعوة للإسلام وشرح مبادئه وتعاليمه حول العالم، انتهت من تغيير فرش المسجد، وكما قلت طالبنا مسئولى الأزهر والأوقاف والإفتاء بالمساهمة فى عمليات الإصلاح. ونطالب كذلك بتعويض أهالى الشهداء، ومنهم ٤ مصريين تركوا زوجاتهم وأولادهم فى نيوزيلندا. ولكل هيئة إسلامية حول العالم الحرية فى اختيار الطريقة التى تساعد بها الجالية الإسلامية هناك.