رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"النصب ع الدقون".. زيوت إنبات الشعر تصيب شباب بتشوهات جلدية (تحقيق)

النصب
النصب

يشكو "عمر القاضي" 25 عامًا، دومًا من ضعف إنبات الشعر في ذقنه، حاول كثيرًا مساعدتها على الإنبات بكل الطرق الممكنة إلا أنه فشل، وحين فقد الأمل في نموها أجرى بعض التحاليل الطبية لمعرفة إذا كانت المشكلة لها علاقة بالهيرمونات في جسده.

التحاليل أثبتت معاناته من التهابات في الغدة النكفية؛ مما أثرت في عدم نمو الشعر بجسمه، والحالة المزاجية السيئة التي كانت تلازمه؛ بسبب اسفافات أصدقائه عليه عن ما يظهر بوجهه من شعر ملتوي محاط بالفراغات جعلته يلجأ إلى إحدى الوسائل المروجة مؤخرًا وهي "زيوت إنبات الذقن"، التي تباع على مواقع التواصل الإجتماعي.

يقول: "استخدمت الزيت لمدة ثلاثة أشهر بلا جدوى، بل إن الخصلة الموجودة أصبحت ملتوية بجانب انتشار الحبوب في وجهي بشكل كبير"، لم يستطع الشاب التخلص من تلك الحبوب إلا بعد المتابعة مع أحد أطباء الجلدية لإزالتها عن طريق الليزر.

عمر ليس الوحيد الذي وقع ضحية شراء زيوت فاسدة وغير صالحة للاستخدام، أدت إلى إصابة الشباب ومستخدميها بتشوهات جلدية، رغم إدعاء مروجوها بأنها تنبت الذقن الفارغ من الشعر وتزيد من كثافته، في غياب رقابة الجهات المسؤولة كـ وزارة الصحة ومباحث التموين عن متابعة تلك المنتجات المغشوشة.

مصطفى السيد، يعاني هو الآخر من عدم اكتمال ذقنه خاصة بعد بلوغ الـ25 عام، ورغبة حبيبته في رؤية الذقن على وجهه، لينوه أنه شاهد إحدى الإعلانات المروّجة لمنتج مركّب من الزيت يساعد على إنبات الذقن بسعر 150 جنيه على إحدى صفحات التواصل الاجتماعي، ليقوم بالتواصل مع صاحب الإعلان للحصول على المنتج.

لم يكن يعلم مصطفى كيفية الاستخدام فقام بقراءة الروشتة الملحقة به وتتبع التعليمات كما هي لمدة ثلاث أشهر، لكنه لم يتلقى أي نتيجة في اكتمال الفراغات المتواجده عنده، قائلًا، "وقفت استخدامه لما لقيت بشرتي بدأت تغمق، وكنت بحس إن بشرتي بتتحرق كل ما استعمله"، مشيرًا إلى ذهابه لطبيب جلدية حتى يطمئن على بشرته بعد انتشار الهالات السوداء بها، ونصحه الطبيب بعدم استخدام هذه الزيوت مرة أخرى، لأنه كان على وشك الإصابة بمرض جلدي مزمن.

"السر المزعوم".. "الدستور" تواصلت مع تجار خلطة الزيوت المركبة

حديث مصطفى عن تواصله مع إحدى صفحات التواصل الاجتماعي لتكون بوابته لمعرفة هذا المنتج، جعلنا نبحث عن صفحات مشابهة للتواصل معها لمعرفة سر الخلطة التي يستخدموها، فتوصلنا لـ وائل إبراهيم، وهو أحد التجار الذين استثمروا أموالهم في تجميع الزيوت التي تساعد على تكثيف شعر الذقن داخل عبوات لبيعها عبر الإنترنت.

ويقول لـ"الدستور" أنه نفذ تلك الفكرة بعد انتشار صيحة إطلاق الذقن لدى الشباب، مما جعله يبحث في أنواع الزيوت الصالحة لتكثيف الشعر، وكان زيت "الخروع والبردقوش" من الأساسيات، وبالفعل جمع الزيوت من أحد العطارين في عبوات مطبوعة باسم شركته الخاصة التي أطلقها على صفحات التواصل الاجتماعي.

"وائل" روج المنتج على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك بتمويل بسيط للإعلان الالكتروني، وتلقى حينها نسبة كبيرة من الإقبال والبيع، وجنى الكثير من الأموال بينما كان يبيع عبوة الزيت بمبلغ قدره 150 جنيه حتى ينافس الشركات الأخرى، ويوضح "وائل" تجربته للمنتج قائلًا، "بصراحة المنتج مبيطلعش الدقن، بس بيساعد الناس اللي عندهم ذقن أنها تتقل ويبقى شكلها حلو".

لم ينجً شباب آخرون من تجربة هذا المنتج، وهنا كانت قصتنا مع وليد الدسوقي، الذي استهل كلماته معنا بجملته: "بشرتي الحساسة ووزني الزائد هما السبب في تأخير النمو الشعر بجسمي"، معبرًا عن شعوره الدائم بنقص الجاذبية بسبب تلك المشكلة التي ظل يحاول في علاجها أعوام عدة حتى قرر شراء الزيت مؤخرا، ولكن بعد استخدامه لأكثر من ثلاث عبوات مركبة من زيت إنبات الذقن لمدة تترواح بين 8 -9 أشهر لم تنمو أي خصلة شعر بوجهه.

يشكو وليد من الأعراض السلبية التي أصابت وجهه بعد استخدام الزيت مما كان لها تأثير في ضعف شخصيته أكثر من الأول، فأوضح تشوه بشرته بالبثور الدهنية التي انتشرت علي جبهته وأجزاء البشرة المقتربة منها بالإضافة لاستخدامه الزيت بشكل عشوائي علي فروة رأسه حتي يجعل شعره أثقل كما نصحه البائع مما نتج عنه جفاف الشعر بأكمله وإزالته كليًا بعد تلك التجربة، وبعد توجهه لطبيب جلدية تبين انسداد مسام البشرة في جسمه وعدم تنفسها بسبب كمية الزيت الكثيرة التي دخلت الجذور وأدى إلى تساقط الشعر.

لم تقتصر قصة بيع زيت إنبات الذقن على صفحات التواصل الاجتماعي فقط، بل استغلها بعض التجار في تكوين شركة وهمية وإحضار مجموعة من الشباب فيها ليكونوا واجهة الشركة في إقناع أقرانهم بأن هذا المنتج آمن ويحقق النتائج المرجوة، وخلال رحلة بحثنا التقينا أنور عزمي، أحد الشباب الذي له تجربة العمل مع أحد رجال الأعمال بشركته الخاصة التي تبيع الزيوت المركبة المستخدمة في إنبات الذقن.

يتذكر عزمي تجربته في بيع الزيت قائلًا: "شغل النت ده كله نصب لأن علميا مفيش نتيجة بتظهر بعد 7 أيام"، مشيرًا إلى استخدام الشركة لزيت البهران في عملية التجميع بسبب ثمنه الرخيص، منوهًا أن الزيت ليس له أي تأثير على نمو الشعر بل كانت تستخدمه الشركة للحصول على المكاسب الكبيرة، والتضليل في عملية البيع في حين أن العبوة الصغيرة كانت تباع بسعر 150 جنيه والعبوة الكبيرة بسعر 200 جنيه.

"استمر عملي في الشركة لمدة سبعة أشهر من الغش التجاري على الزبائن"، هذا ما أوضحه أنور عن عمله مؤكدًا أنهم كانوا يتلقوا العديد من الشكاوي بسبب عدم فعالية المنتج، بينما كان صاحب الشركة يحذر العاملين لديه من الإفصاح عن أساس التركيبة حتى قرّر تصفية الشركة والإنتهاء من توزيع المنتج.

في يناير 2018، تمكن رجال مباحث التموين والتجارة الداخلية من ظبط مخزن مستحضرات تجميل مغشوشة داخل منطقة روض الفرج، وعٌثر في الداخل على 1300 عبوة مغشوشة، وفي أكتوبر من نفس العام تمكنت قوات الأمن من مداهمة مصنع في منطقة الموسكي يحتوي على أكثر من 3 آلاف عبوة مستحضرات تجميل مغشوشة.


"هنا يٌباع الوهم".. جولة داخل صالونات الحلاقة ترصد إيهام الشباب بأهمية "خلطة الزيت"

محرر "الدستور" اكتشف خلال رحلته طرقًا أخرى لبيع المنتج، وذلك من خلال بعض صالونات الحلاقة ومراكز التجميل التي تروّج زيت إنبات الذقن، وكانت له جولة بين بعضها، بدأت داخل إحدى صالونات منطقة فيصل، وبسؤاله عن كيفية إنبات المناطق الفارغة، قال "عندي إزازة زيت هتطلعلك دقنك كلها في اسبوعين، وتمنها 120 جنيه بس"، وعن مصدر الزيت، "أبتاع كمية معينة من إحدى الشركات المختصة بزيوت الذقن وأبيعها في المحل بمكسب قليل".

يستخدم الشاطر تلك الطريقة مع جميع الزبائن المترددين على المحل من خلال وضع كمية صغيرة من المنتج على وجه الزبون بعد الإنتهاء من تصفيف الشعر، هذا ما تبين خلال الجولة، بجانب الكلمات المزيفة التي يرويها للزبائن ليجعل لديهم رغبة واسعة في شراء الزيت "دقنك فاضية كده ليه.. عندي زيت كويس هيطلعهالك".

وفي جولة أخرى بإحدى مراكز التجميل الرجالي في منطقة 6 أكتوبر، وجدنا حلاق "رامي"، يستغل توافد الشباب الصغير القاطن بالمدينة على المحل الخاص به لترويج منتج الزيت الوهمي لهم رغم صغر سنهم لكنه يعلم رغبتهم في إنبات شعر الذقن، وخلال الساعات التي قضيناها داخل المحل كان يستخدم رامي طريقة واحدة مع هؤلاء الشاب وهي الخروج حاملين العبوة معهم.

وداخل أكبر مراكز التجميل بمنطقة المهندسين، اتجهنا إلى صالون "ط.ح"،حيث أوضح عامل الصالون أن منتج زيت إنبات الذقن ليس لديه تأثير نهائيا على نمو الشعر، وذلك عن تجربة الصالون للمنتج مع الزبائن، وأن المنتج يساعد فقط على إظهار الذقن بشكل جذاب لكن لا شئ يساعد على إنبات الذقن لأنها تأتي من عامل وراثة، مشيرًا إلى وجود بودرة تكثييف تساعد على تكثيف الشعر المتواجد بالوجه لكن لا تنبت مكان الفوارغ.

ويضيف العامل أن زيت الخروع المتسخلص من أراضي مدينة مرسى مطروح يساعد على تكثييف شعر الذقن، لأنه يُعد من الزيوت الطبيعية المعروف عنها نمو الشعر وعلاج الصلع عند الرجال، لكن في حالة جاهزية البشرة لنمو الشعر.

ينص قانون الغش والتدليس رقم 48 لسنة 1941 والمعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994 على معاقبة كل من يغش تجاريا بالحبس مدة لاتقل عن سنة ولا تزيد خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه.

أسعار منتجات الزيت في مناطق بيعها "تُباع على صفحات الفيس بوك بـ150 جنيه، بينما في صالونات الحلاقة بـ 120 جنيه، وفي الشركات خاصة تصل إلى 200 جنيه".


هاني الناظر: أحذر الشباب من استخدام الزيوت الوهمية المكونة من البردقوش

يؤكد الدكتور هاني الناظر، الرئيس السابق للمركز القومي للبحوث واستشاري الأمراض الجلدية، الذي حذّر الشباب من شراء واستخدام الزيوت المركبة التي يتم ترويجها على مواقع السوشيال ميديا، مشيرًا أنّ تجار تلك المنتجات يستغلون رغبة الشباب في إنبات ذقنهم ليبيعوا لهم الوهم على هيئة عبوات مكونة من زيوت طبيعية ليس لها علاقة بإنبات الشعر، بالإضافة للآثار السلبية الناتجة عن استخدام تلك الزيوت علي البشرة مثل حرق الشعر الموجود بالجبهة، واذا تعمقت الزيوت داخل الجذور قد تتسب في انتشار الهالات السوداء بالبشرة خاصة البشرة الحساسة.

ويوضح الناظر في حديثه مع "الدستور"، أن تجار زيوت إنبات الذقن يجمعون زيت البردقوش والبرهان وغيرهم من الزيوت الطبيعية التي تعتبر علميًا خطر كبير على البشرة، وتساعد في تكوين البثور الدهنية بالجبهة، ناصحًا الشباب أن يتركوا البشرة كما هي لأن عامل الوراثة هو المحرك الأساسي لتكوينها سواء في إنبات شعر الذقن أو عدمه، والمحاولات العديدة من قبل الشباب لتغيير العامل الوراثي لن ينتج عنها أي نفع بل الإفراط في استخدام الزيوت سينتج عنه مرض جلدي مزمن لا يمكن علاجه.


بلغت واردات مصر من مستحضرات تجميل عام 2019 في شهر يناير بلغت 18 مليون دولار، وهكذا كان الحال أيضًا في شهر فبراير، بينما في شهر مارس وصلت 22 مليون دولار، وانخفضت مرة أخرى إلى 16 مليون دولار في شهر أبريل.


البرلمان: نحارب المستحضرات المغشوشة من خلال قانون الغش التجاري

في الوقت نفسه يقول الدكتور سامي المشد عضو لجنة الصحة بالبرلمان، إنّ تلك المركبات المزيفة من الزيوت تندرج تحت قانون الغش التجاري والإعلان عن سلع غير مرخصة، ويواجه البرلمان هذه المنتجات من خلال تشريعات القانون وتطبيق عقوباته على بائعي الزيوت، مؤكدًا أن هناك دور كبير على مفتشي الصحة والتموين في ملاحقة أي شخص يبيع منتجات وهمية ومكونة من خلطات تسبب الأذى للمواطن.

ويضيف "المشد"، أن "البرلمان يواجه جميع مستحضرات التجميل المغشوشة من خلال قانون رادع لمنع تداولها في الأسواق بمساندة الهيئة الوطنية للإعلام في ملاحقة هؤلاء التجار على مواقع السوشيال ميديا".

حماية المستهلك: نعمل على ملاحقة مروجي المنتجات الوهمية

الدكتورة سعاد الديب، رئيس الاتحاد النوعي لجهاز حماية المستهلك، تؤكد على ضرورة اتخاذ اجراءات ضرورية في مواجهة تلك الظاهرة، وفي حالة ظبط من يروّج منتجات وهمية خاصة مستحضرات التجميل المغشوشة بقصد غش المستهلكين، يحال إلى التحقيق على الفوري، وينفذ عليه عقوبات رادعة لكي يتم نتغ ترويج أي منتجات وهمية، بالإضافة لمتابعة الإعلانات الوهمية لهذه المنتجات على الإنترنت.

"الجهاز يحذر المواطنين من شراء الزيوت الوهمية لإنبات الذقن مجهولة المصدر"، تقولها "الديب" موضحة أنها تسبب خطورة صحية على البشرة وعدم جدواها من الأساس، كما يعمل جهاز حماية المستهلك على مخاطبة وزارة الصحة باستمرار لإحالة أصحاب تلك المنتجات إلى النيابة العامة وظبط مقرات بيع وتصنيع الزيوت.

رئيس الاتحاد النوعي، تشير إلى أن المادة الثانية من القانون سبعة حقوق للمستهلك أولها الحق في الصحة والسلامة عند استخدام المنتج، ونصت المادة الثالثة على التزام المورد بقواعد الصحة والسلامة، ومعايير الجودة طبقا للمواصفات المصرية والدولية، كما حدد الباب الخامس من القانون «المواد 63 إلى 76» أنواع العقوبات المختلفة للمخالفات.

قانون حماية المستهلك: إلزام المخالف بتوفيق أوضاعه

تنص المواد (63 إلى 76) من قانون حماية المستهلك على إلزام المُخالف بتوفيق أوضاعه وإزالة المُخالفة فورًا خلال فترة زمنية يُحدّدها مجلس إدارته عند ثبوت مُخالفة أى من أحكام هذا القانون، والتحفظ على السلع المخالفة التي يترتب عليها وقوع ضرر للمستهلك، كما أن القرارات التي يصدرها الجهاز تطبيقا لأحكام هذا القانون نهائية ويكون الطعن عليها مباشرة أمام محكمة القضاء الإدارى.