رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حوادث ناقلات النفط البحرية تثير حتمية تحقيق أمن الطاقة والأمن الملاحي

جريدة الدستور

أثار استهدف ناقلتي نفط نرويجية ويابانية كانتا تبحران قرب مضيق هرمز في الثالث عشر من يونيو الجاري، ثم إرسال واشنطن مدمرة صواريخ إلى خليج عُمان، قضايا متشابكة حول تأمين الممرات البحرية وتأمين الطاقة، والتداعيات السلبية على إمدادات النفط العالمية جراء هذه الأعمال العدوانية وهو ما أكد عليه فاتح بيرول المدير التنفيذى لوكالة الطاقة الدولية، حينما قال "إن الهجمات التي تعرضت لها ناقلتان فى خليج عُمان، مبعث قلق كبير لأمن الطاقة العالمية، ولأمن النفط العالمي ولأسواق الطاقة العالمية".

وكانت معلومات مركز الأمن البحري في سلطنة عُمان قد أفادت "بتعرض ناقلتين إحداهما تحمل علم بنما، والأخرى تحمل علم جزر مارشال إلى حادثين بحريين، حيث وقع الحادثان خارج المياه الإقليمية العُمانية؛ فالأول وقع على بعد 82 ميلا بحريا، أما الثاني فوقع على بعد 8ر66 ميل بحري".
جاءت تلك الهجمات بعد مرور شهر على تعرض أربع سفن بينها ثلاث ناقلات نفط في 12 مايو لعمليات "تخريبية" لم يكشف عمن يقف خلفها، ووجهت واشنطن في حينها أصابع الاتهام إلى طهران التي نفت أي مسؤولية، الأمر الذي يستدعى ضرورة تحرك المجتمع الدولي لضمان صون الأمن والاستقرار الإقليميين للحيلولة دون المزيد من التوتر فى المنطقة.

ورغم أن القانون الدولي كفل حرية الملاحة وانسياب الحركة البحرية والتجارية بين الدول، من خلال قواعد صارمة، وبين القانون البحري الدولي بشكل واضح، حدود المياه الإقليمية لكل دولة، والحقوق والالتزامات المترتبة عليها، إلا أن مشهد التوتر الحالي بين أمريكا وإيران بات يلقي بظلاله على الأمن الإقليمي الخليجي ومن ثم الأمن العالمي برمته، خاصة أنه يتعلق هذه المرة بتأمين الإمدادات النفطية من الدول المنتجة إلى نظيرتها المستهلكة للنفط.


سوابق إيران في الاستهداف

تشير إحدى الدراسات المتخصصة في أمن الطاقة للدكتور أشرف كشك مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، إلى السوابق الإيرانية في استهداف ناقلات النفط في واقعتين، الأولى خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، عندما قامت إيران باستهداف ناقلات النفط الخليجية، الأمر الذي حدا بتلك الناقلات إلى رفع علم الولايات المتحدة من أجل حمايتها حيث تمكنت إدارة الرئيس ريجان من تأسيس ائتلاف لذلك الهدف وتمكنت الدول الحليفة من أسر بعض السفن الإيرانية التي كانت تقوم بزرع ألغام مضادة في مياه الخليج العربي، والثانية: في عام 1991 عندما قادت الولايات المتحدة تحالفا دوليا لتحرير دولة الكويت وإجهاض مساعي النظام العراقي للسيطرة على نفط الكويت وتهديد الدول الخليجية الأخرى.

وقد كشفت الحوادث المتكررة في الخليج لناقلات النفط والتهديد الإيراني المستمر بإغلاق مضيق هرمز، أن التهديدات الراهنة لأمن الطاقة تعد غير مسبوقة سواء بالنسبة لمنابع النفط أو طرق المرور على حد سواء، من جانب الميلشيات الإرهابية المسلحة ليس أقلها إعلان الميلشيات الحوثية نيتها استهداف شركات النفط في بعض دول الخليج، الأمر الذي يرفع درجة المخاطر بشكل كبير وخاصة أن تلك الجماعة لديها سابقة اعتداء بحري عندما قامت بإطلاق صاروخ في 9 أكتوبر 2016 استهدف مدمرة أمريكية قبالة السواحل اليمنية، الأمر الذي حدا بالمدمرة الأمريكية للرد بإطلاق صواريخ توما هوك استهدفت مواقع لرادارات تابعة للحوثيين، بما يعني أن تلك الجماعة ربما تقوم مستقبلًا باستهداف ناقلات النفط عبر باب المندب.

وفي الوقت نفسه فإن الأمن الملاحي أو أمن الممرات البحرية لم يعد ببعيد عن التهديدات سواء من جانب الدول حيث هددت إيران أكثر من مرة بإغلاق مضيق هرمز كورقة ضغط تمارسها ضد واشنطن، وهو ممر استراتيجي يعبره يوميا نحو ثلث إمدادات النفط العالمية المنقولة بحرًا، أو من خلال المليشيات الحوثية المدعومة من إيران حيث سعت تلك الجماعات للسيطرة على باب المندب، إلا أن قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن قد أجهضت تلك المحاولات، وعلى الرغم من الإجراءات الاحترازية التي تتخذها العديد من الدول فإن الممرات الحيوية لنقل الطاقة باتت مستهدفة من قبل الجماعات الإرهابية وذلك لفداحة خسائرها وسهولة استهدافها.


الأمن الملاحي في خطر

أكد خبراء أوروبيون، أن الملاحة العالمية باتت في خطر غير مسبوق في التاريخ، منذ الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، مشيرين إلى أن النظام الإيراني نشر خلال السنوات العشر الأخيرة تحديدًا، ميليشيات إرهابية تخريبية، على مساحة شاسعة من الممر الملاحي الدولي، بدءًا من أول نقطة في الخليج العربي، حتى منتصف الطريق في البحر الأحمر، على مسافة أكثر من خمسة آلاف ميل طولًا، ومدى غير محدود في عمق المياه الدولية، استعدادًا لحرب مفتوحة مع العالم في أي وقت.
ويعني ذلك أن حادث استهداف ناقلتي النفط في خليج عُمان يوم 13 يونيو الجاري، لن يكون الأخير، بل ربما يكون بداية حرب إرهابية ضد المجتمع الدولي، أطلقت طهران رصاصتها الأولى باستهداف السفن التجارية وناقلات النفط منذ يوليو 2018، وما زالت الحوادث مستمرة.

وحذر مستشارون وخبراء في مجال الطاقة من خطورة اللعب بورقة "الاستهداف التخريبي" لناقلات النفط في المياه الدولية، سواء على حركة الاقتصاد العالمي، أو مؤشرات التنمية المستدامة في العالم، وحتى بالنسبة للمخاطر البيئية التي قد تنجم عنها كوارث بيئية يصعب مواجهتها، إضافة إلى الهزات العنيفة للأسواق خاصة في الدول الصناعية والدول ذات الاستهلاك العالي للنفط والتي تعتمد بنسبة كبيرة على مصادر النفط من الخليج العربي.

وقد أوصت دراسات بحثية في الشؤون الأمنية والدولية باتخاذ تدابير ناجعة لحماية الملاحة البحرية بعد حوادث متكررة في الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر، هددت سلامة الملاحة الدولية ومصالح الدول الأوروبية والاقتصاد العالمي.

وأكدت الدراسات في توصياتها المتكررة للأمم المتحدة ولحلف شمال الأطلسي "الناتو" منذ يوليو ا2018 بالتدخل "الأوروأمريكي" لتأمين الممرات البحرية الدولية وخاصة ممر "الخليج العربي- مضيق هرمز- بحر العرب- باب المندب- البحر الأحمر" وهو الممر البحري الحيوي والأهم لنقل الإمدادات النفطية من الخليج العربي إلى أوروبا والبضائع الأوروبية إلى الخليج.

وبالنسبة لمضيق هرمز فهو يُعد أحد أهم الممرات المائية في العالم، ومما زاد من أهميته في العصر الحديث هو اكتشاف النفط في الدول المحيطة به، كما اكتسب أهميته من كونه عنق الزجاجة في مدخل الخليج العربي، وبحكم أنه يربط بين الخليج العربي وخليج عُمان.

ويُعد مضيق هرمز من الناحية القانونية من المضايق الدولية، فهو يربط بين خليج عمان والخليج العربي. الذي تسكن شواطئه من الشرق: إيران، ومن الغرب: السعودية، والإمارات، وقطر، والبحرين، والكويت، ومن الشمال العراق، ومن الجنوب عُمان.

ومن ناحية المركز القانوني يعد مضيق هرمز ممرًا طبيعيًا وحيويًا للتجارة الدولية، يصل بين بحرين كما تعد مياهه إقليمية للدول المطلة عليه، وهى إيران وسلطنة عمان، حيث تمتلك كل منهما بحرًا إقليميًا محددًا باثني عشر ميلًا، وبما أن مياهه تعتبر مياهًا إقليمية؛ فإنها تخضع لمبدأ المرور البري، بمعنى أن كل السفن الأجنبية، بدون استثناء، تتمتع بحق المرور والملاحة فيه.

بالإضافة إلى أن مياه الخليج العربي تُعد بحرًا شبه مغلقًا، لذلك يشكل مضيق هرمز المنفذ الوحيد لعدد من دول الخليج العربية (العراق، الكويت، قطر، البحرين ) التي تُعد أكثر ارتباطًا بالمضيق مقارنة بغيرها مثل إيران،وعُمان، والسعودية، والإمارات التي لها منافذ بحرية خارج مياه الخليج، ومن ثم فإن صلتها البحرية بالعالم الخارجي لا يمكن أن تقوم إلا عبر مياه مضيق هرمز، لذلك خُصِّص ممران ( ذهابًا وإيابًا ) للملاحة في المضيق وفقًا للخصائص الهيدروغرافية المحددة من قِبل "المنظمة الدولية للملاحة البحرية".


مسئولية مشتركة

لا شك أن ثمة مصلحة أكيدة لكل من المنتجين والمستهلكين للحفاظ على أمن الطاقة وأمن الممرات البحرية، إذ تتنوع سبل تأمين الممرات البحرية وحرية التجارة وكذلك تأمين مصادر الطاقة، أو ما يعرف بـ "أمن الطاقة"، ما بين مسئولية دولية مشتركة وهي مسئولية المجتمع الدولي والمنظمات والهيئات الدولية، ومسئولية وطنية إقليمية خاصة بمناطق الطاقة في العالم.

.. أولًا بالنسبة للمسئولية الدولية، أكدت إحدى الدراسات المتخصصة في أمن الطاقة أن الاستراتيجيات والمبادئ التي أعلنتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة بشأن أمن الطاقة، أن الأخير يعد مرادفا لأمن الممرات الحيوية التي تمر عبرها إمدادات النفط للدول الغربية، كما أن المفهوم الاستراتيجي لحلف الناتو عام 2010 والذي يعد مراجعة أمنية لسياسات الحلف ويصدر كل عشر سنوات جاء فيه «أن الجانب الأكبر من الطاقة المستهلكة عالميا يتم نقله عبر مختلف أنحاء العالم، ومن ثم فإن إمدادات الطاقة ستظل عرضة بصورة متزايدة لخطر التعطيل، ولمواجهة تلك المخاطر يجب تطوير القدرة على الإسهام في ضمان أمن الطاقة بما في ذلك حماية البنى التحتية الحيوية للطاقة ومناطق عبورها وخطوط إمداداتها، بالإضافة إلى التعاون مع الشركاء وعقد مشاورات بين دول الحلف على أساس التقييمات الاستراتيجية والتخطيط للحالات الطارئة»، ويعني ذلك أن لدى كل من الولايات المتحدة وحلف الناتو خططًا لمواجهة أي تهديدات لأمن الطاقة في الخليج العربي ومن ثم فإن محاولة إيران توظيف ورقة الطاقة ضمن الأزمة الراهنة مع الولايات المتحدة سيكون خيارًا ذا عواقب وخيمة.

.. ثانيًا بالنسبة للمسئولية الوطنية الخليجية الإقليمية، فتتنوع إلى ثلاثة متطلبات أولها: وضع سيناريوهات للتعامل مع الأحداث الطارئة ذات الصلة بالمنشآت النفطية من خلال نماذج محاكاة للتدخل من خلال قوات مسلحة عالية التدريب حال تعرض منشأة نفطية لهجوم إرهابي، وثانيها: مراجعة خطط الأمن البحري عموما وخطط السيطرة على أي تلوث بحري محتمل جراء تسرب نفطي من إحدى السفن جراء عمل تخريبي.

.. ثالثا: مراجعة الإجراءات الأمنية الخاصة بتأمين خطوط نقل النفط.
يبقى التأكيد على أن التنسيق المشترك والتكامل بين الإجراءات الدولية والوطنية الخليجية الإقليمية لتأمين الطاقة وممراتها البحرية، بات أمرًا ضروريًا في ظل التهديدات المشتركة لمصالح المنتجيين والمستهلكين للطاقة، كما أصبح من الضرورة بمكان وعلى المستوى الاستراتيجي إيلاء الأمن البحري أهمية خاصة ضمن الجهود الخليجية لبناء قوة ذاتية خاصة بها وتعكس المناورات البحرية المكثفة سواء داخل كل دولة خليجية أو فيما بين الدول الخليجية وشركائها على المستويين الإقليمي والعالمي هذا الأمر، بل إن الخبرة التراكمية لدول الخليج من خلال العمل مع القوات الدولية المعنية بأمن الخليج العربي ومكافحة القرصنة ومكافحة الإرهاب والأمن الملاحي تمثل أساسا مهما لقدرات دول الخليج البحرية بما يمكنها من التعامل مع سيناريو لمواجهات بحرية محتملة، وعلى المستوى التكتيكي إيلاء دول الخليج المزيد من الاهتمام لقضية أمن الطاقة من خلال شراكتها مع الدول والمنظمات الدفاعية الكبرى من خلال التدريب والاستشارات.