رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حُب السوريين فرض علىّ


بعد ثمانية أعوام من الربيع العربى المشئوم الذى كان من أسوأ نتائجه تهجير أكثر من ثلث الشعب السورى الشقيق، وبعد أن أصبح مئات الآلاف من السوريين يعيشون بيننا فى مصر بكل حرية، وتحيطهم مشاعر المحبة من كل جانب.. بعد كل هذا تذكر البعض أن هناك جمعية إخوانية وراء الكثير من المشروعات التى يقيمها رجال أعمال سوريون فى مصر.
بدأنا نتابع حملة غير مفهومة ضد الإخوة السوريين فى مصر، وادعى بعض المشاركين فى الهجوم، أن كثيرًا من هذه النجاحات عبارة عن عمليات غسل أموال إخوانية، ولو أن الأمر وقف عند هذا الحد، لقلنا إنها مخاوف على أمن واستقرار مصر، ولكن البعض حاول إشعال الحملة أكثر وأكثر، بالهجوم على الجالية السورية، والتى يقدر عدد أفرادها بنصف مليون أو أكثر قليلًا.
الكل يعرف أن هذه الزوبعة انطلقت بعد تغريدة من الشيخ نبيل نعيم، ومن حق الشيخ نبيل أن يخاف على البلد كما يريد، لكن الأمر تطور بسرعة كبيرة، ووصل إلى حد تقديم بلاغ إلى النائب العام، ومحاولة تشويه كل النجاحات الحقيقية لإخوتنا السوريين، والتى كشفت أمام أعيننا وأمام أعين كثيرين من أبنائنا، عن أن مصر ما زالت بلد الفرص التى تذهب لمن يستحقها، ولمن يبذل الجهد والعرق للفوز بها.
إذا كانت هناك شبهات حول أموال إخوانية، فنحن نثق أن هناك أعينًا لا تنام من أجل أمن هذا البلد، وأن هذه العيون بدأت تحرًكا جديدًا لكشف حقيقة هذه الاتهامات، ولكن الخطورة فى التعميم، خاصة أن هذا التعميم يُسىء لإخوة لنا نفتح لهم أبواب قلوبنا كعادة المصريين، ويكفى أنه يعيش على أرض المحروسة نحو خمسة ملايين لاجئ أو مستجير بنا، يشكل الإخوة السوريون عُشرهم فقط.
نحن كمصريين نحب كل عربى، ونرحب بكل من يقصد بلدنا، وفى اعتقادى أن الإخوة فى سوريا، والقضية السورية، لها وضع خاص يدركه القاصى والدانى، فقد علّمتنا دروس التاريخ أن مصر وسوريا هما مفتاح السلم، ومفتاح الحرب فى منطقتنا العربية. وهما الشفرة السرية لاستقرار العرب والعروبة، ومن حروب رمسيس الثانى إلى حرب تحرير الكويت، كان النصر نتيجة حتمية إذا تلاقت أهداف البلدين، وتوحدت إرادة جيشيهما.
ولذلك فبعيدًا عن مهاترات السوشيال ميديا، وبعيدًا عن الهَرى والهَبد وخلافه، فإن كل العقلاء يدركون أن موقف مصر مع استقرار سوريا ووحدة أراضيها ليس موقفًا عاطفيًا بل عقلانيًا، مائة بالمائة، ونابعًا من الإيمان بوحدة مصير البلدين، وأن إسقاط سوريا هو الخطوة التى تلى الهجوم على مصر، ومحاولة إسقاطها لتفتيت المنطقة، وإغراقها فى نار الحروب الطائفية والعرقية، وتحويلها إلى ما يُشبه «صندوق باندورا»، الذى تنطلق منه كل الشرور البشرية من جشع وقتل وكراهية.
موقف مصر من محاولات تقسيم سوريا، لم يكن موقفًا مبدئيًا فقط، بل موقفًا سياسيًا يقدر حجم الكوارث التى كان من الممكن أن تترتب على التقسيم، ومدى انعكاس هذه الكوارث على أمن المنطقة بوجه عام، وعلى أمن مصر بوجه خاص. ولا بد أن موقف مصر الرسمى، وموقف أغلب المصريين من وحدة سوريا لم يكن يُسعد رعاة مؤامرة الربيع العربى، كما أن فتح أبواب مصر للإخوة السوريين ليعيشوا بين أشقائهم المصريين، وليس داخل معسكرات للاجئين، كما فعلت دول أخرى شقيقة، لم يُسعد المتربصين بمصر وبالمنطقة، وهؤلاء فى اعتقادى من يسعدهم استغلال هذه المواقف، لمحاولة إشعال الفتنة بين مصر وسوريا على المستويين الرسمى أو الشعبى، وهى محاولات مكتوب لها الفشل إن آجلًا أو عاجلًا، فالمحبة بين الشعبين قديمة والترابط متين، وهو قائم على قواعد الإخوة وقواعد المصلحة المشتركة والمصير الواحد. كل مصرى كان، وما زال، يحب شقيقه السورى، لكن هذه المحبة تعمقت أكثر وأكثر بعد ٢٠١١، وكيف لا تزيد محبتهم فى قلوبنا ونحن لم نرَ منهم إلا الخير؟.. كجيران وكأصحاب محال وكحرفيين وتجار أيضًا.
لقد حفر السوريون الذين يعيشون بيننا منذ بداية الأزمة، محبتهم فى قلوبنا جميعًا، وأعتقد أن كثيرين منهم رغم قسوة البُعد عن الوطن، أصبحوا لا يشعرون بالغربة وهم يعيشون على أرض مصر، وأكاد أجزم بأن بعضًا ممن يمتلكون المشروعات الناجحة فى مصر ربما يترددون فى العودة، بعد أن تنفرج الأزمة، خاصة أن كثيرين منهم حفروا قصص نجاحهم بأظافرهم.
أى شخص يتحرك على أرض مصر، بدعم إخوانى وبأموال إخوانية، يجب أن يحاسب ويتم ضبطه، سواء كان مصريًا أو سوريًا أو من أى جنسية، لكن هذا يجب ألا يسىء لأغلبية الإخوة السوريين، الذين هم محل ترحيب ومحبة من أشقائهم المصريين.
مناصرة وحدة سوريا وشعبها الشقيق واجب وطنى، على كل مصرى ومصرية يعرفان قيمة التقارب بين البلدين، وكيف يُزعج هذا التقارب أعداء المنطقة العربية بأسرها.. من هنا، فإننا يجب أن نقول جميعًا «هنا دمشق من القاهرة».. وإذا كنا نتغنى منذ عشرات السنين بأن «حب الوطن فرض علىّ»، فاليوم يجب أن نتغنى بأن «حب السوريين فرض علينا.. نفديهم بروحنا وعينينا».