رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النساء.. القطط.. الأرانب



جزء لا يتجزأ من أزمتنا الحضارية هو تلك التعريفات المغروزة فى وجداننا، وعقولنا، ولا نريد تغييرها، أو حتى إعادة طرحها للنقاش، والحوار.. نحن لا نستطيع التحليق إلى سماوات جديدة، بالأجنحة نفسها التى كسرتها متغيرات الحياة، وضرورات التقدم الحضارى، ومقاييس النهضة الثقافية.
إننى مقتنعة جدًا بأن «اللغة» التى يستخدمها أى شعب ليست مجرد أداة للكلام، والتواصل، والحوار، إنها تحمل أساسًا نوع الثقافة التى يؤمن بها الشعب، وماهية القيم والمفاهيم التى تحدد أفكاره، ومعتقداته، وسلوكياته، والأخطر، وكتحصيل حاصل، ترسم خطوط التغير فى المستقبل.
وفى لغتنا العربية، توجد الكثير من التعريفات، والمصطلحات، التى تحتاج إلى عملية نقل دم سريعة، حتى يشفى جسد المجتمع، ويستطيع مواجهة التحديات المحلية، والعالمية.. من هذه التعريفات، والمصطلحات، والتى تمس النظرة إلى نصف المجتمع، «النساء»، نجد تعبير «سن اليأس».. يا له من تعبير «معيب»، غارق فى التخلف، وعدم الإنسانية.. تعبير «سن اليأس»، يفضح كيف يتحدد مصير النساء، باستمرار تدفق الحيض، والقدرة على الإنجاب، وحمل الأجنة.. إن تحديد «جمال»، و«جاذبية»، المرأة، بالخصوبة البيولوجية، لهو منطق شديد الظُلم، وشديد التخلف، وشديد الجهل، وشديد الضحالة.
أولًا، لأن الخصوبة البيولوجية زمنها قصير جدًا، مقارنة بحياة المرأة.
ثانيًا، إن «الجمال» لا علاقة له بمدى قدرة المرأة على الإنجاب، أو بمدى اتباعها نصائح التجميل الساذجة. وهو ليس « الفاترينة» الخارجية، التى تستنزف وقت، وجهد، وفلوس المرأة. و«الجمال» ليس خلو البشرة من الكرمشة، والخطوط، والتجاعيد. وليس رسم الحواجب، ودق الوشم، وإزالة الشعر الزائد، وتكبير الشفاه، والأثداء. وهو ليس مقاييس الذكور، المكبوتين، جنسيًا. وليس مقاييس خبراء التخسيس، أو تشبهًا بنجمات السينما، وفتيات الإعلانات، وملكات الجمال، والجوارى المملوكات.
إن «الجمال» ليست له سن، لأنه قيمة «داخلية»، نابعة من عقل، وقلب المرأة، وبالتالى هو «غير مشروط»، بالحمل والإنجاب، أو بالعناصر الخارجية، الزائلة. ولأنه قيمة «داخلية»، فهو موجود دائمًا، ويعكس كيف تنظر المرأة، إلى نفسها، وإلى دورها فى الحياة.. «الجمال» هو ثقة المرأة بنفسها، واعتزازها بشخصيتها، المتفردة المستقلة، التى لا تشبه أحدًا، إلا ذاتها. «الجمال» هو شجاعة المرأة، فى مواجهه العالم بوجه مغسول، وأن تحب تقدمها فى العمر، بكل بصماته، على الملامح والجسد. بل تعتبر التقدم فى العمر، محطة النضج، والحكمة، والسخرية من عالم مقلوب، معتل الأولويات.
«جمال» المرأة فى قدرتها على العمل، والإبداع. وهو خطواتها الشجاعة على درب الحرية، لا أحد، ولا شىء، يستعبدها. «الجمال» للمرأة هو تلك الحيوية المتدفقة، من قلب امرأة، والطاقة الإيجابية المشعة من عينيها.. المرأة الجميلة هى التى لا تخاف كلمة الحق، ولا تخاف كلام الناس، ولا تخاف الوحدة، ولا تخاف الموت، ولا تخاف تقدم العمر، ولا تخاف أى سلطة، ولا تخاف العنوسة، أو الطلاق.. أغلب المجلات النسائية تصور فتيات صغيرات، مثل الدمى، ملونات بكل أنواع المساحيق، وفى ميوعة، تنم عن الخواء الداخلى، يبتسمن. أهذا جمال؟!.
لماذا لا يضعون على الغلاف امرأة تعدت الستين، أو السبعين، أو الثمانين، أو التسعين، بلا ماكياج، وبكل خطوط الزمن، لتكون نموذجًا للجمال الحقيقى الداخلى، ورمزًا للجاذبية، التى تنبع من رجاحة العقل، ونبل الطباع، وسمو الأخلاق؟!.. إن نجمات السينما بعد أن قمن بإسعادنا طويلًا، بالفن الراقى، تنحسر عنهن الأضواء. هذه إحدى الخطايا الذكورية، والفنية، والثقافية، الكبرى. إن عطاء «الموهبة» مثل «الجمال»، ليس له عمر. بل إنه ينضج، ويتعمق، بمرور الزمن.. لا يخفى الرجل سنه الحقيقية. بينما المرأة تخفيها، كأنها تهمة، أو وصمة عار، أو بلاء يجب التستر عليه، أو جريمة لا بد من إخفاء معالمها، وبصماتها.
«البيولوجيا» ليست المصير.. واحدة من صيحات النساء الثائرات، الأحرار فى كل مكان.. فى فيلم «معبودى الخائن» لمحات من حياة الأديب الأمريكى، «فرانسيس سكوت فيتزجيرالد»، بطولة نجمى المفضل، جريجورى بيك، مع ديبورا كير، وأخرجه هنرى كينج، عام ١٩٥٩، هناك جملة لا أنساها.
كان «سكوت فيتزجيرالد» على علاقة بالصحفية الشابة شيلا جراهام. واعترفت «شيلا» لحبيبها بأنها تخاف كثيرًا من الزمن، وفقد جمالها. رد برقة: «الجمال فى الشباب هبة الطبيعة، أما فى العمر المتقدم، فنحن الذين نصنعه، إن أجمل امرأة رأيتها فى حياتى، كانت فى الثمانين من العمر».. إن تعبير «سن اليأس» هو الذى يجعل المرأة «تيأس» فعلًا، وليس انتهاء عمرها البيولوجى.. النساء بشر، ولسن كائنات مثل القطط، أو الأرانب، تتحدد هويتها بالإنجاب.
من بستان قصائدى
يقتحمون بيتى.. يحتلون خصوصيتى.
يعكرون مزاجى.. يسرقون أثوابى.
كيف يتمكنون من الدخول.. وكل النوافذ والأبواب «مغلقة».