رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعليم وقيم وآليات التقدم


لقد بات من المؤكد أن التعليم هو الأداة الأهم والسبيل الضرورى ونحن نحلم ونأمل فى صناعة التقدم، ولكنه ليس التعليم النمطى التقليدى الذى انصرفت عن تطبيقاته وآليات وجوده أنظمة الدول المتقدمة، والذى يكرّس جل اهتمامه لحفظ التراث التليد من أزمنة الماضى العتيد، والإخلاص العجيب فى رعاية نقله من جيل إلى آخر، وكأنّ ذلك هو المطلوب فقط لإحداث حالة الاطمئنان وراحة البال، خشية الخوف من الانحراف والوقوع فى دوائر التخلف.
نعم، لا يمكن الحديث عن تقدم وتحقيق طفرات تنموية وثقافية وفكرية فى بلد ما دون إصلاح شامل لأنظمة التعليم والتدريب، ولا بد أن يتضمن هذا الإصلاح كل مقومات وأسس بناء المنظومة التعليمية، وفى صدارتها تحديد الأهداف المأمولة لمصالح المجتمع بعد التعرف على كل العلل التى يعانى منها الناس، والتشارك فى وضع البرامج والمناهج والمواد التعليمية وطرائق التدريس وتقنياته وأساليب التقديم التى تتوافق وتتسق مع أحلام الشعب وإرادة وإدارة الدولة لصناعة التقدم المنشود.
فى زمن وزير التربية والتعليم التاريخى الدكتور حسين كامل بهاء الدين، وجد أن الحل يكمن فقط فى توسيع فرص الإتاحة بزيادة عدد المدارس، وكتابة لافتات كبيرة وبشكل واضح على بابها «مدرستى جميلة نظيفة منتجة ومتطورة ومعاصرة»، وكما تحب الست الناظرة أن تقول على مدرستها، دعمًا للفلسفة العصرية لوزارة الزمن المباركى المستقر العتيد.
وعليه لا تسألنى، عزيزى القارئ، أو ولى الأمر، ماذا فعلت تلك الوزارة عبر وجودها خلال ما يقارب الربع قرن تقريبًا فى الزمن المباركى لكى لا نصل إلى الحال الذى باتت عليه مدارسنا كمؤسسات طاردة خاوية إلا من لافتات الوزير الوصفية على أبوابها، تنعى زمن كانت فيه مدارسنا منارات علم وثقافة وفنون ورياضة، والأهم مؤسسات جاذبة تربوية.
■ بدأنا بالفعل فى تغيير المناهج، فلنكمل على وجه السرعة تنفيذ خطط التغيير، لتتناسب وتتماهى مع روح ومتطلبات عصر المعرفة وأزمنة الحداثة وما بعدها.
■ تعالوا نطور وسائلنا وآلياتنا فى التعليم بنماذج غير مباشرة تقدر وتعى ذكاء المتعلم المعاصر.. فلتتشارك كل الجهات المعنية لتعظيم قدرة أولادنا على الابتكار والإبداع.
■ فليحفز المعلم طلابه على البحث والاستكشاف، وليس على الحفظ والاستظهار.
■ فلننتقل على الفور من بؤرة الارتكاز من تطبيق آليات التعليم التقليدية إلى التعلم، ومن المعلم إلى المتعلم.
■ فلنذهب مباشرة لتحقيق أن تكون نتائج التحصيل مقيسة بمعايير عالمية لتحديد قدرة المتعلم على التنافس دوليًا.
■ فلندعم كل متطلبات بناء القدرات والمهارات والطاقات البشرية، تحقيقًا لهدف أن تكون تلك المتطلبات هى محور اهتمام المؤسسة التعليمية.
■ لا بد من إدراك أن التعليم المتميز هو سبيلنا لبناء وتنمية قدرات وطاقات ومهارات المورد البشرى، وأن الجودة النوعية لمؤسسات التعليم أصبحت متطلبات أساسية فى بناء البشر، بل بات من المعلوم أن تحقيق الجودة النوعية لمحتوى التعليم هو مفتاح جودة الحياة ذاتها، لأن التعليم وثيق الصلة بجميع مراتب الحياة، وكلما تحسن مستوى التعليم تحسن مستوى معيشة الأفراد، وتحسنت خيارات الحياة بين الناس، وهذا هو لب التنمية البشرية المستدامة، فهناك علاقة وثيقة بين جودة التعليم وتوفير فرص العمل وبين جودة التعليم وتحسين مستوى صحة الفرد والأسرة، وبين جودة التعليم وتوفير البيئة النظيفة وبين جودة التعليم وانتشار الديمقراطية والحرية السياسية وتحقيق السلام الاجتماعى.
■ مراعاة إحداث التطوير من القاعدة إلى القمة، لتشع أمارات التقدم من عيون فلذات الأكباد عبر مشاركاتهم، لتحقيق قاعدة المشاركة الجماهيرية.
■ ينبغى أن يدرك من بيدهم قرار وتفعيل قرارات التطوير والإصلاح ضرورة العمل على أكثر من محور وهدف.. تغيير للتحديث.. تغيير للبناء الهيكلى والتنظيمى لتحديد المسئوليات.
لا شك أن التعليم الملتزم بمؤشرات جودة أعلى يمكن قياسها عبر عدد من القياسات يمكن بالفعل أن يؤهلها للتغيير من شأنه أن يسهم فى صناعة التقدم واستمراريته..
ويبقى السؤال: هل تحقق منظومة وزير التربية والتعليم د. طارق شوقى للتعليم النتائج التى تتماهى وتتسق مع ما سبق من قياسات، وقادرة على تحقيق الأهداف الأسمى من عمليات التطوير؟.
أرى أن هناك خطوات جادة وجريئة وصامدة لمقاومة التغيير بشجاعة قد تم اتخاذها وينبغى دعمها، ودعم المشاركة المجتمعية الوطنية لإنجاحها، ولا نتعجل عمليات الحصاد.
لقد سبق أن تم إعلان خطة للدكتور محمود أبوالنصر، وزير التربية والتعليم الأسبق، بعد ثورة 30 يونيو، وحملت عناوين «الخطة الاستراتيجية للتعليم قبل الجامعى 2014- 2030»، «التعليم المشروع القومى لمصر»، «معًا نستطيع»، «تقديم تعليم جيد لكل طفل».
وجاء فى تقديم د. أبوالنصر للخطة: توفير موارد بشرية متنامية القدرة والكفاءة، وعلى أعلى درجة من الجودة والأخلاقيات المهنية، من أجل بناء مجتمع يقوم على التعلم واقتصاد يقوم على المعرفة. كما تضطلع الوزارة برسالة قيادة وإدارة وتنمية قطاع التعليم قبل الجامعى، ليستجيب للاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بهوية وطنية لا تنفصل عن الاتجاهات العالمية».. وكان الاختفاء التقليدى والتوقف عن المتابعة، وكلنا أمل أن يواصل د. شوقى كفاحه لمقاومة حالة الاختفاء!.