رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أن تأتى متأخرًا


أن تأتى متأخرًا خير من ألا تأتى أبدًا.. هكذا نُعزى النفس بكل خطوة نخطوها متأخرة عن غيرنا الذى سبقنا إليها، وحقق سبقًا من الشهرة والذيوع، بل والاستحواذ على جمهور مُستهدف من هذه الخدمة أو تلك.. كلام ينطبق على حالات كثيرة فى حياتنا المصرية، آخرها، ما أعلنته «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية»، المالكة لأكبر أربع شبكات تليفزيونية فى مصر عن إطلاق منصة رقمية، لتعرض عبرها، بشكل حصرى المسلسلات التى عُرضت خلال شهر رمضان، وما قد تليها من أعمال أخرى، مقابل اشتراك مدفوع، إما شهريًا أو كل عام أو نصف عام.
معروف أن المنصات الرقمية نوعان، الأول يعرض محتواه مجانًا مثل «يوتيوب»، والثانى يقدم الخدمة للمشتركين فقط مقابل مبلغ شهرى، والناس تشاهد «يوتيوب» لسببين، الأول هروبًا من الفواصل الإعلانية الطويلة أثناء عرض المسلسلات على الشاشة، والثانى أنه يتيح للجمهور مشاهدة الحلقات التى تفوته، فى أى وقت يريد. ولأن المنصات الرقمية تحتاج إلى محتوى خاص جدًا، فالمسلسلات التى تعرض عبرها تخاطب مستهلكًا مختلفًا عن مشاهد التليفزيون التقليدى، وأبرز من يمثله هم الشباب.. أما كبار السن، فقد اعتادوا متابعة التليفزيون التقليدى، وربما بدأ البعض منهم يعرف «يوتيوب»، لكن هذه الفئة من المشاهدين فى كل الأحوال ستجد صعوبة فى الوصول إلى المنصات الجديدة، وهذا ما حدث قبل سنوات مع تجربة mago التى دشنتها شبكة تليفزيون النهار، واضطرت بعد أيام من البداية إلى طرح مسلسلاتها على «يوتيوب».. ولكى تنجح هذه المنصات الرقمية، يجب أن يكون لديها محتوى حصرى خاص بها مناسب للفئة المستهدفة، وهذا لا يتحقق مع المنصات الرقمية الموجودة، فالجيل الجديد تغيرت عادات المشاهدة لديه، فهو يريد أن يدخل إلى المنصة ليشاهد ما يريد من حلقات المسلسل، وليس ليشاهد كل يوم حلقة مثل التليفزيون التقليدى.. وإذا نظرنا إلى الإيجابيات المحتملة للمشروع، فطبقًا لما أعلنته الشركة، التى يُقال إنها أول وأكبر منصة ديجيتال مملوكة للدولة المصرية، جاءت لتتصدى لمهمة إحياء وعرض المحتوى الإبداعى المصرى وفق أحدث الطرق، فى إطار جهودها لحماية حقوق المبدعين والمنتجين، والتراث الفنى المصرى ومستقبل صناعة الدراما والسينما، بعد أن تسبب الإهدار والسطو والقرصنة التى تعرض لها هذا المحتوى العام لسنوات طويلة، من خلال تطبيقات وبرامج وقنوات أجنبية، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعى، فى ضياع الحقوق، وتحولت إلى ساحة للقرصنة، هددت الإبداع وشركات الإنتاج فى مختلف المجالات. لقد تعرض أرشيف ماسبيرو، لسنوات، للإهدار والسطو والقرصنة على المواد الفنية والمحتوى الإبداعى الذى يملكه التليفزيون المصرى، وطبقًا لما تم من اتفاق سابق على تطوير قنوات ماسبيرو، فإن الكيان الجديد تعهد بحماية وعرض المحتوى الإبداعى بماسبيرو، بل قال مسئولوه إن لديهم مفاجآت كبيرة فى عمليات الإنتاج مستقبلًا، تنافس بها عمالقة منصات الديجتال لعرض المحتوى الدرامى والسينمائى المصرى فى العالم، بتعاون المنتجين وصناع الدراما والسينما وسائر المبدعين، لتحقيق عوائد عادلة تخدم صناعة الدراما والسينما، كما توفر شروط إنتاج ملائمة لإثراء الصناعة الفنية فى مصر، وتتضمن الخطط المستقبلية لمنصة العرض إنتاجًا كبيرًا ومتنوعًا، يحفظ لمصر موقعها الثابت، وريادتها فى صناعة السينما والتليفزيون، والإنتاج الفنى عمومًا، بما يحمى القوى الناعمة المصرية الآن، وفى المستقبل، وقد انضمت إلى القافلة، مدينة الإنتاج الإعلامى، التى وقعت مؤخرًا اتفاقية لتسخير جميع الأعمال الإنتاجية الكبيرة داخلها، للعرض على المنصة، أولًا بأول. لقد اتجهت معظم شركات إنتاج المحتوى العالمية، أو القنوات المتخصصة فى مختلف الأنواع، إلى المحتوى المميز، سواء دراميًا أو رياضيًا أو ترفيهيًا، ومنذ فترة، فلا تجده متاحًا على منصات مجانية، بالجودة الفائقة المطلوبة للمشاهد، بعدما تقدمت طرق المشاهدة من خلال التليفزيونات الذكية أو الهواتف الذكية، وتجده متاحًا على منصات رقمية متخصصة.. وكان الاتجاه إلى حماية حقوق المحتوى الدرامى المصرى بإنشاء تلك المنصة الرقمية الجديدة، لتقوم بجزء من دورها فى تحديث طرق تقديم المحتوى للمشاهد، كما أن تلك المنصة ستطلب إنتاجًا غزيرًا من المنتجين المختلفين، لضمان التجديد الدائم، وهو ما سيقوم بتنشيط سوق الإنتاج ويخلق فرصًا جديدة للمنتجين المحليين والعالميين، لوضع المحتوى الخاص بهم على المنصة، من خلال اتفاقيات تجارية ويشجع الأجيال الجديدة من المنتجين للأعمال الرقمية أو الديجيتال لتقديم إنتاجهم.. الفارق بين تلك المنصات والقنوات التليفزيونية، أن المنصات الإلكترونية تسمح باستيعاب محتوى أكبر بآلاف المرات، وذلك يساعد فى زيادة فرص العمل الجاد وفتح نوافذ جديدة لكل العاملين فى الوسط الإعلامى.
إذن.. نحن بإزاء خطوة جديدة فى صناعة الدراما المصرية والبرامج النوعية، تجذب موارد مالية من نوافذ إعلانية، كان المستفيد منها، فيما سبق، هو «يوتيوب»، الذى كان يجنى المليارات، ويلقى للعارضين على منصته، من المنتجين وأصحاب الأعمال بفتات المال، فى مرحلة كان بعض المنتجين فى مصر، على شفا إغلاق أبواب شركاتهم، وكان الإبداع على شفير الخطر، ونحن أصحاب الريادة، وسنستمر إن شاء الله.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.