رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نجاح وهمي.. "الدستور" تتتبع تجار أدوات الغش المتطورة (تحقيق)

جريدة الدستور


قبيل بدء امتحانات الثانوية العامة بأيام، كان أحمد محمود يحاول جاهدًا إلمام مواد العام، يذهب إلى ما استطاع إليه سبيلا من الأساتذة ليحاول مراجعة ما فاته من المواد حتى يلحق بركب الثانوية العامة.

بدأت الأيام تضيق، والامتحانات أصبحت على الأبواب، ولا يجد الطالب إلا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تُغري الجميع بالتألق والنجاح، ولكن بوسيلة سهلة وهي شراء أحدث وسائل الغش التي لن يستطيع أي شخص رؤيتها أو اكتشافها.

دبّر "محمود" تكاليف السماعة من الدروس الخصوصية التي أوهم والديه بأنه يحصل عليها سعيًا وراء التميز، لتكون تلك السماعة الصغيرة بمثابة ضياع حلم الأهل في حصول نجلهم على درجات مرتفعة، بها يستطيع الحصول على فرصة الانضمام لإحدى كليات القمة، وبها ينقذ نفسه من براثن الضياع.

انطلق الشاب نحو لجنته لأداء الامتحان واعتمد على التواصل مع إحدى الجالسين في الخارج لإخباره بالإجبابات، ولكن صوت السماعة كان مرتفعًا ومعه تم ضبطه متلبسًا بتهمة الغش، ليضيع حلمه وحلم الأسرة هباءً.

محمود واحد من الشباب الذين أغرتهم إعلانات صفحات التواصل الاجتماعي بوسائل الغش الالكترونية، والتي تبيع منتجاتها متوهمة بأنها بعيدة عن أعين الجهات الرقابية التي تتصدى لها بكل قوة للسيطرة على العملية التعليمية وسريانها بالشكل الأمثل.

مليوني ونصف طالب وطالبة لا يجيدون القراءة والكتابة



وفقًا للتصنيف العالمي لجودة التعليم لمؤشر التنافسية السنوى للعام الماضي، وصل عدد الطلاب الذين لا يجيدون القراءة والكتابة نحو مليوني ونصف طالبًا وطالبة، في الوقت الذي وضع التصنيف مصر في المرتبة قبل الأخيرة على مستوى ١٤٠ دولة في العالم.

في الوقت نفسه طالبت الدكتورة ماجدة نصر عضو مجلس النواب وعضو لجنة التعليم بالبرلمان، وزارة التربية والتعليم ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية والتنفيذية اللازمة بشأن مواجهة ظاهرة الغش الإلكتروني في امتحانات الثانوية العامة.

العام الماضي وقبل الدخول في معمعة الامتحانات، كان السيد أحمد -اسم مستعار- يعد العدة لشراء إحدى الساعات الإلكترونية المجهّزة بنفس إمكانيات الهاتف المحمول، تواصل مع عدد من الصفحات عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، والتي أكدت الدفع قبل الاستلام.

وفّر محمد ثمن الساعة التي وصلت إلى ١٨٠٠ جنيه، لتحضر إليه في الميعاد المتفق عليه قبيل الامتحان الأول للثانوية العامة بيومين، ليقرر دخول الامتحانات دون خوف بعد أن وصل "الفرج".

في الامتحان الأول للطالب الثانوي، تم ضبطه ومعه الآداة التي يحاول الغش من خلالها في لجنته بمدرسة ناصر الثانوية التابعة لمديرية التربية والتعليم بمحافظة البحيرة، ويتم فتح تحقيق معه من قبل الشؤون القانونية.

سرطان التميز.. أشكال كثيرة للغش المتطور



وقد رصدت " الدستور" أشكال السماعات التي يتم تداولها على وسائل التواصل المختلفة وأنواعها وكذلك أسعارها للتعرف على مدى تنوّع أساليب الخداع والغش التي وصل إليها العلم الحديث، ففي إحدى الصفحات يتم تداول سماعه بلوتوث لا ترى بالعين المجردة، والتي تستخدم دون تواجد أى أجهزة للموبايل على الإطلاق، بجانب السماعة الأشهر التي يتم تداولها تتكون من قطعتين الأولى عبارة عن السماعة الصغيرة والثانية عبارة عن فيزا كارت بها مايك من الممكن أن يوضع بها Sim يفتح تلقائيًا وتعمل السماعة الصغيرة بحجر سعره لا يتعدى ال25 جنيه فقط.

لم تقتصر وسائل الغش الحديث على السماعات فقط، بل تنوعت لتشمل التيشرتات أيضًا، والتي يطلق عليها تيشرتات النجاح والذي يحتوى على خط تليفون داخل جهاز مثبّت في الـ"تى شيرت" وبداخله توجد سماعة صغيرة توضع داخل الأذن بدون أي أسلاك "Wireless"، كما أن الرد يتم بشكل تلقائي وبها يستطيع الطالب سماع الإجابات بشكل كامل على الأسئلة، ويصل سعر الـ"تي شيرت" مع السماعة حوالي 2600 جنيه.

من الوسائل الأخرى التي ذاع صيتها أيضًا والمستخدمة بغش الطلبة هي الساعات الذكية التي تباع بكثرة على مواقع الإنترنت والتي يصل سعرها إلى 66 دولارًا وذاكرتها تصل إلى 4 جيجا، وتعتمد ببرمجتها على إدخال البيانات وكافة المعلومات المطلوبة بها واسترجاعها بساعة بدء الإمتحان تحديدًا.

أمّا النظارة الالكترونية فتُعد من أكثر الوسائل المستحدثة للغش وهي تعتمد على تواجد شخص آخر يقوم بمساعدة الطالب الغشاش ،وتتكون هذه النظارة من عدسات عادية وفى منتصفها كاميرا فيديو صغيرة ويوجد بنهايتها سماعة لاسلكية عند الأذن، ويتم الغش بهذه النظارة، بتصوير ورقة الامتحان ثم تنقل إلى هذا الشخص الثاني المتواجد خارج الامتحان لتنتقل الصورة لديه ومن ثم يقوم بتلقينه الإجابة.

تباع على السوشيال ميديا.. "الدستور" تتتبع تجّار أدوات الغش


قامت "الدستور" بالتواصل مع عدد من الصفحات التي تعرض تلك الأدوات للبيع سواء جديدة أو تم استخدامها من قبل، وتم الاتفاق مع ثلاث جهات مختلفة لشراءها بمبالغ تتفاوت بين ١٨٠٠ جنيه و٣٠٠٠ جنيه غير مصاريف الشحن التي تتفاوت من منطقة للآخرى.

سماعات الغش المعروفة في الوسط الشعبي وبين الطلاب بـ"السماعات النملة" تتكون من قطعتين، سماعة صغيرة للغاية مرفق معها مايك صغير منفصل عنها للتحدث فيه، يسهل إخفاؤة، يستحيل ملاحظتها داخل الأذن حتى مع لو قام أي شخص بالتدقيق أو النظر داخل الأذن، وبإمكان أي شخص الاتصال بصاحبها من أي مكان وبدون الضغط على أي شئ يتم فتح المكالمة تلقائيًا.

تختلف أنواعها وأسعارها، فبحسب الصفحات المنتشرة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" والاتصال ببعض مندوبي تلك الشركات فإن النوع الأعلى هو النانو ميكرو الذي يباع بـ٢٨٠٠ جنيه بهذا النوع مميزات مثل أنها أصغر في الحجم عن السماعات الآخرى، وضد التشويش ومعها ضمان لمدة عامين وقوة إرسال تصل إلى ١٨ وات.

والنوع الآخر من السماعات التي تلقى قبول الطلاب، "السماعات الأمريكية" التي يصل سعرها إلى ١٩٥٠ جنيهًا والتي بها أيضا ضمان لمدة عامين، وقوة إرسال ١٢ وات وسرعة استقبال وإرسال المكالمات، وأطول مدة تشغيل تصل إلى ٨ ساعات وبها رد تلقائي وإعادة الاتصال في حال فصل المكالمة.

وقبل نهاية الاتفاق طلبنا معرفة بعض التفاصيل حول ماهية تلك السماعات وبعض الساعات المعروضة، أكد أنهم يتواصلون مع أحد المواقع الذي يدعى "٢٤ كيوبي" والذي يقوم بإرسال الأدوات التي يريدونها عن طريق إحدى شركات الشحن السريع، منوهًا أنه لابد وأن يكون المتواصل مع الموقع قد وقع اتفاقيات سابقة ومعلوم لديهم حتى يقوموا بالتواصل معه.


أخصائي أنف وأذن: آثارها تبدأ من الصداع إلى الصمم

يقول الدكتور أسامة حسان أخصائي الأنف والأذن، إن دخول أجسام صغيرة إلى داخل الأذن كالسماعات من شأنها التسبب في حدوث ثقب داخل الأذن، وقد يصل الأمر إلى الإصابة بالصمم الكامل، حيث أنها تعمل على إصدار موجات كهرومغناطيسية تؤثر على الأذن الداخلية.

ويؤكد أخصائي الأنف والأذن في حديثه مع "الدستور" أنّ كثرة أستخدام السماعات بشكل عام يؤدي إلى الصداع والدوخة والغثيان، بجانب أنّ استخدام السماعات بشكل عام وخاصة "الصغيرة منها" تُسبب آلام شديدة للغاية قد تصل إلى حد الصمم، أو حدوث خدوش وجروح في طبلة الأذن.


الأميّة تنخفض


انخفض معدل الأمية من 39.4% عام 1996 إلى 29.7% عام 2006، ثم إلى 25.8% عام 2017، وبلغ معدل الأمية للذكور 21.1% مقابل 30.8% للإناث عام 2017، وبلغ معدل الأمية بالريف 32.2%، مقابل 17.7% بالحضر عام 2017، وفي 2018 بلغت 45%.


تبلغ الأمية 37.2% في المنيا، و35.9% في محافـظة بني سويف، و34.6% في أسيوط، و34% في الفيوم، و33.6% في سوهاج، وقد حققت محافظة أســوان أقل معدل للأمية بين محافظات الوجه القبلي، حيث بلغ 19.1%، وأعلى معدلات للأمية بالوجه البحرى كانت 32.9% في محافظة البـحـيرة، يليها 28.5% في محافظة كفر الشيخ.

متحدث التربية والتعليم: عثرنا على 60 سماعة بلوتوث ونطارد تجار تلك الوسائل

أكد بشير حسن، المتحدث الرسمي لوزارة التربية والتعليم، أن الوزارة تبذل قصارى جهدها للتغلب على طرق الغش الحديثة، مضيفًا أنه تم العثور على 60 سماعة بلوتوث مع أحد المشرفين على صفحات الفيس بوك لبيعها، وتم تحرير محضر بها، وكذلك تم القبض على 27 أدمن لصفحات تبيع هذه السماعات.

وتابع حسن أنّ غرفة العمليات بوزارة التربية والتعليم تحاول ضبط كل من يبيع هذه الوسائل التكنولوجية للغش بالتعاون مع وزارتي الاتصالات والداخلية، بالإضافة إلى تحرير محاضر للطلبة الذين يقومون بالغش.

في الوقت الذي أكد فيه مصدر مسؤول بوزارة التربية والتعليم أنّ الوزراة تدرس تثبيت بعض الأجهزة الخاصة بالتشويش بلجان الامتحانات، في إطار التعاون مع وزارة الاتصالات، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يشوبه بعض الصعوبة في التطبيق نظرًا لأن هذه الأجهزة من شأنها التشويش أيضًا على باقي الأجهزة الأخرى الكائنة بالمنازل حول اللجنة وهو ما يتعار ض مع القانون.

لا يمكن السيطرة عليها

في الوقت نفسه يشير المهندس هشام العلايلي الرئيس التنفيذي السابق للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، إلى أنّ هذه السماعات أغلبها يعمل بالبلوتوث والواي فاي، فلا يمكن السيطرة على الاتصالات التي تقوم منها، مؤكدًا أن أي شئ يكون فيه اتصال لابد وأن يكون قد أخذ موافقة من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، ولكن هذه السماعات تأتي عن طريق التهريب لذلك تخرج من اختصاصاتنا

وتابع العلايلي لـ"الدستور"، أنه لابد وأن يتم وضع لوائح وقواعد للطلاب ويلتزموا بها مع التفتيش الذاتي، وسيكون هناك رادع لكل من يقوم باستخدامها، بجانب أنه لابد وأن نتطور مع التطور التكنولوجي الشديد ونواكبه، لأنه في السابق كان الطالب يتحايل دائمًا ويستخدم طرقًا للغش ولكنها تُكشف عن طريق المراقبين الذين يقومون بعملهم بشكل مميز، لذلك علينا أن نطور من أداءهم بالشكل الذي يتناسب مع طبيعة العصر

وشدّد الرئيس التنفيذي السابق للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، على أنّ أجهزة التشويش لا نستطيع استخدامها إلا في نطاق محدد للغاية طبقا للقانون، لأنها تقوم بتشويش المنطقة المحيطة بشكل كامل، وهو ما يجعل هناك مشكلات عدة، مؤكدًا أن القواعد والالتزام بها هي الحل، مع تجريم عقوبة الطالب الذي يثبت قيامه بالغش.

شعبة الاتصالات: التشويش وقطع الاتصالات الحل الوحيد

من جانبة أكد إيهاب سعيد رئيس شعبة مراكز الاتصالات بالغرفة التجارية بالقاهرة، أن الأزمة في مصر وبعض الدول الآخرى أن التكنولوجيا التي تتطور في العالم الخارجي، نستخدمها الاستخدام الخاطئ، ولكن هناك طرق عدة للسيطرة على أي استخدام خاطئ للتكنولوجيا، فعملية التشويش وقطع الاتصالات هي الحل للخروج من أزمة الغش عن طريق السماعات صغيرة الحجم التي لا ترى للمراقبين في اللجان

وأوضح سعيد أن هذا الأمر مكلف للغاية والدولة إمكانياتها محدودة، فلو تحدثت في هذا الأمر لوزارة التربية والتعليم أو التعليم العالي سيكون هناك حالة من الرفض التام، مشيرًا أن هذا حدث في بعض المساجد الكبيرة لتشويش عملية الاتصالات أثناء الصلاة

ونوّه رئيس شعبة مراكز الاتصالات، على أنه من الممكن أن يكون هناك أجهزة آخرى للكشف عن أي شئ به بلوتوث أو يقوم بإرسال أي موجات، بنفس طريقة جهاز الكشف عن المعادن وعندما يقوم أي شخص بتلقي أي شئ عن طريق أي جهاز يصدر صوت ذبذبات ومن ثم يقبض عليه المراقبين متلبسًا بعملية الغش

وتابع إيهاب، بأن البشر هم الذين يضعون القوانين، لكي يتم معالجة بها جميع المتجاوزين، ولكن المشكلة حاليًا في تنفيذها، فكلما جعلنا القوانين والأسس مميكنة يقل الخطأ، لأن العامل البشري يظهر فيه المحسوبية وخلافه، متمنيًا أن تتغير المناهة الدراسية ويكون هناك امتحانات عملية وشفوية أمام لجان محددة من الوزارة ومن مسؤولي التعليم، حتى يكشف المتجاوزين والغشاشين.