رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تخليدًا لشهدائنا الأبطال


كشفت لنا الحادثة الإرهابية التى تمت فجر اليوم الأول لعيد الفطر المبارك عن نوعية فريدة ومتفردة فى تفاصيلها من البطولة لجنودنا الشباب فى العريش.. إننى أنحنى إجلالًا وتقديرًا أمام شجاعة نادرة وفائقة لا تحدث إلا من جنود مصر الأُسود الذين يقدمون لنا يوميًا قصص فداء لمصر، حتى تعيش الأسر المصرية فى أمان وسلام.
إننى أتحدث عن الشاب المصرى اليافع «عمر القاضى» الذى وقف يدافع عن «نقطته» رافضًا المغادرة إلى أن نفدت ذخيرته.. ومن ثم استشهد هذا البطل إثر هجوم إرهابى غادر وخسيس.. بينما هو يقاوم ويرفض ترك زملائه فى نقطة كمين بالعريش.
وعندما علمت باستشهاده.. وبما كتبه قبل أن تصعد روحه الطاهرة إلى بارئها.. دارت فى رأسى عشرات الأسئلة.. فما الذى يجعل شابًا مصريًا يافعًا يدافع عن نقطته ببسالة حتى الرمق الأخير دون أن يخشى الموت؟.. من أين تأتيه كل هذه الشجاعة الفائقة التى لا تجدها فى أى مكان فى العالم إلا عند الجندى المصرى.. ما هذا الإيمان العميق الذى يتحلى به فيجعله مُقبلًا على الموت وكأنه يُزفّ فى ليلة عرسه؟.. ولماذا وهو ذاهب يترك دائمًا رسالة لأمه حتى لا تبكيه لأنه يستشهد فى سبيل وطنه الحبيب؟.. ووجدت نفسى أجد الإجابة بنفسى.. إنها هنا فقط فى مصر، إنها تركيبة الجندى المصرى.. إنها تركيبة فريدة يتسم بها، بحيث تجعله صامدًا كالجبل فى مواجهة الموت، شامخًا فى عزة وكبرياء يستقبله، وكأنها مهمة عادية كغيرها من المهن التى يمارسها المصريون كل يوم.
حدث ذلك وكأن الخطر الذى يتربص بهذا البطل أمر عادى يواجه أى مهنة أخرى.. إن الجندى المصرى الشاب يذهب إلى مهمته وهو ينتظر الشهادة ويتوقعها ويتقبلها بل ويرحب بها.. وكثير من أبطالنا قد كتبوا خطابات لأمهاتهم حتى لا يتملكهن الحزن والألم لغياب الابن.. فى مصر فقط نجد هذه النوعية من الأبطال الذين نفقدهم كل يوم فى ساحة معركتنا مع الإرهاب الأَسود، بينما هم يذهبون لأداء مهامهم الصعبة والخطر بقلوب راضية مستقبلة الاستشهاد بقلب راض فى سبيل الدفاع عن الوطن.
وبينما كانت الأسر تمضى اليوم الأول فى المتنزهات والحدائق والسواحل والسينما، والأطفال يملأون الحدائق العامة بهجة وسرورًا بالعيد.. كانت هناك أمهات وزوجات يفقدن أبطالًا شبابًا أُسودًا فى نقطة كمين العريش.. وجدت دموعى تسيل على وجهى ولم أتمكن من إيقافها عندما قرأت كلمات البطل الشاب «عمر القاضى» الذى استشهد أثناء حمايته كمين العريش.. كتب عمر إلى والدته كلامًا يجعل كل مصرى يفخر به ويفخر بأن لدينا أبطالًا من طراز رفيع، من طراز ليس موجودًا مثله فى أى دولة فى العالم.. إنهم أُسود يحمون الديار والأسر لكى تعيش مصر فى أمان واستقرار.. قلبى على أم البطل التى لن يعود إليها، لكن من المؤكد أنه فى مكان أفضل منا.. وأنه وزملاءه من جنود مصر الأبطال هم خير من فينا.
الأبطال لا يرحلون.. وأعتقد أنه من واجبنا أن نكتب أسماءهم فى لوحة شرف فى ميدان التحرير.. إننى أتمنى أن نُشيّد نُصبًا تذكاريًا فى ميدان التحرير ونحفر عليه أسماء شهدائنا وصورهم من الجيش والشرطة. وذلك حتى تظل أسماؤهم شموعًا مضيئة نحفظها ونعرفها ونقتدى بها، وخاصة الشباب والمراهقين الذين لا بد أن تكون لديهم قدوة وأن يكون لديهم انتماء وولاء لوطنهم.
إن وضع نصب تذكارى فى ميدان التحرير سيحوّله إلى رمز لبطولات رجال الجيش والشرطة بدلًا مما هو موجود هناك الآن.. وبهذا سنتمكن من أن نضع أكاليل الزهور هناك كل يوم.. نريد أن يتحول ميدان التحرير فى وسط القاهرة إلى مزار نفتخر به لأن عليه صور وأسماء الأبطال فردًا فردًا.
إنه اقتراح أتمنى أن يصل إلى المسئولين لكى يكون شهداؤنا معنا وأمامنا قدوة ورموزًا للبطولة والبسالة.. ولكى نحس أنهم معنا نرى صورهم ولا تغيب عنا.. ونقرأ أسماءهم ويراها الشباب فى أهم وأشهر ميدان فى مصر.. إن هذا المطلب ممكن وليس مستحيلًا.. إنه أقل ما يمكن أن نقدمه لأبطالنا ولأسرهم وخاصة أمهاتهم..لقد وضعت إنجلترا نصبًا للأميرة الراحلة «ديانا» يذهب إليه الشباب والكبار ويضعون الزهور عليه.. ويُعد مزارًا سياحيًا موجودًا بالقرب من موقع وفاتها فى حادثة مميتة بوسط باريس.
إن الشباب سيجدون فى هذا النصب معنى كبيرًا يجعلهم يشعرون بمشاعر الفداء والبطولة، وبأن فى مصر رجالًا كل منهم بطل لقصة تستحق أن تُروى، وكل منهم تصلح تفاصيل حياته واستشهاده لفيلم يبعث برسالة ولاء وانتماء وفداء لعقل الشباب.
لقد استطاع فيلم «الممر» أن ينجح فى المنافسة أمام أفلام كثيرة بها مغامرات وكوميديا وضحك وتسلية.. وذهب الشباب بالآلاف لمشاهدة الفيلم الذى يقدم صورًا من بطولة الجنود المصريين بعد نكسة ١٩٦٧.. إننا فى حاجة إلى عشرات الأفلام التى تروى للشباب والأطفال والكبار قصص البطولة الفائقة التى يقوم بها جنودنا كل يوم.. وكانت لفتة إنسانية رائعة من الرئيس عبدالفتاح السيسى أن شارك أسر شهدائنا أول يوم فى عيد الفطر المبارك وكرم شهداءنا وحمل وداعب أبناءهم بكل الحب والأُبوة.
وإذا كنا فى كل يوم نفقد شهداء أبطالًا ورجالًا لديهم من الشجاعة ما يفوق شجاعة أى جندى فى العالم.. إلا أننى أستعيد آية جاءت فى قوله تعالى فى سورة يوسف.. «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين».. ففيها خير أجناد الأرض.. فيا أم الشهيد لا تبكى لأننا كلنا نفخر به وندعو الله أن يثبت إيمانك، وأن تظل مصر على وعدها برعاية أسر الشهداء لأنهم أنبل من فينا.
اللهم ارحم شهداءنا الباقين بسيرتهم العطرة وأدخلهم فسيح جناتك.. فهم فخر لنا وهم الذين قال القرآن الكريم عنهم: «ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتًا، بل أحياء عند ربهم يرزقون».. صدق الله العظيم.. كل عام ومصر فى أمان وخير برجالها الأشجع من الأُسود.