رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«قنبلة موقوتة».. متى تنتهي مصر من كابوس السيارات المتهالكة؟

جريدة الدستور

المكان (القاهرة)
الزمان (11 يوليو 2015)
الحدث (انفجار القنصلية الإيطالية)

الهدوء يعم المكان، تحركات رتيبة محيطة بالقنصلية الإيطالية في قلب العاصمة، سيارة قديمة ومتهالكة تقبع بالقرب منها، ولا يوجد شيء يوحي بأن المكان سيتحول إلى كتل من اللهب، لحظات قليلة حتى ضج انفجار عنيف هز أركانها.

نصف طن من المتفجرات، خبأها إرهابيون في سيارة متهالكة ووضعوها بالقرب من القنصلية الإيطالية، واستخدموا أجهزة تحكم عن بعد، أدت إلى انفجار تلك المتفجرات، بهدف تفجير القنصلية، وأسفر الحادث عن سقوط قتيل و10جرحى كلهم مدنيون.

ربما كان الحدث الأول الذي استخدم فيه إرهابيون في مصر سيارة متهالكة، لتكون بمثابة قنبلة موقوتة، لا يشك أحد فيها بسبب تهالكها وعدم استخدامها، لتتتابع من بعدها العمليات الإرهابية التي تستخدم تلك السيارات المتهالكة.

واتقاءً لخطورة تلك السيارات المتهالكة، قدم وكيل لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب عبدالله زين، اقتراع بشأن إعدام السيارات المتهالكة التي انتهى عمرها الافتراضي؛ نظير حصول صاحبها على مقابل مادي.

وقال النائب في اقتراحه: "هل لدينا مقابر سيارات بمصر؟ وهي صناعة معروفة في كل دول العالم، ويلجأ إليها المواطن ويستغنى عن سيارته نظير مقابل مادي"، موضحًا أنه يجرى تسويق المعادن من داخلها، وحال عدم وجود هذه المقابر، إلى أين ستذهب السيارات؟.

وطالب النائب بوضع حلول عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتنفيذ مثل هذا القرار، وامتلاك رفاهية إعداد هذا الكم المهول من السيارات وتعويض أصحابها، مبينًا أن مصر واحدة من كبريات الدول التي تمتلك سيارات قديمة أو بمعنى أصح انتهى عمرها الافتراضي، تتسبب عوادمها في زيادة التلوث البيئي، وارتفاع مسببات التغير المناخي.

وأشار إلى أن المركبات القديمة والمتهالكة تعمل على إخراج كميات هائلة من العوادم في الغلاف الجوي، وهناك دراسات عالمية تشير لوجود علاقة بين ارتفاع ظاهرة الاحتباس الحراري وبين استخدام المركبات التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود.

حادث آخر وقع يوم 7 أكتوبر 2013، استهدف تفجير مديرية أمن جنوب سيناء باستخدام سيارة متهالكة تم تفخيخها، ما أسفر عن تدمير المبنى بالكامل ومقتل ثلاثة من ضباط الشرطة.

وفي 24 يناير 2014 استخدمت سيارة نصف نقل متهالكة في تفجير مديرية أمن القاهرة، بعد تفخيخها من قبل إرهابيين، راح ضحيتها مصرع 4 أشخاص وأصيب 76 آخرون.

وفي 29 يونيو 2015 تم استهداف موكب النائب العام السابق هشام بركات أفضى إلى وفاته، وفيها تم استخدام سيارة مفخخة مسروقة، وضعت بالقرب من منزله قبلها بأيام قلية، حتى لا يشك أحد فيها.

ومؤخرًا وتحديدًا في 14 أكتوبر الماضي، نجحت مباحث قسم شرطة أول طنطا بمحافظة الغربية، في ضبط تشكيل عصابي تخصص في ارتكاب جرائم سرقات السيارات المتهالكة لاستخدامها في أعمال مخالفة.

وبمواجهتهم اعترفوا بارتكابهم 5 جرائم سرقة بدائرة القسم، وبإرشادهم تم ضبط 5 مواتير، وأجزاء من شاسيهات وهياكل السيارات المستولى عليها، وباشرت النيابة التحقيق معهم.

محمد دياب، الخبير الاقتصادي، يقول أن تلك السيارات قادرة على أن تكون مصدرًا هامًا للدخل القومي، فهي تمثل حوالي 7 ملايين سيارة على مستوى الجمهورية، ويتم ذلك من خلال توقيع غرامات على أصحابها وهو من السهل تطبيقه خاصة بعد التطورات التي تم استحداثها في المنظومة المرورية، والتي يمكن تحصيلها بعد إبلاغهم بعدد من الإنذارات لا تتجاوز مدتها الشهر.

وأوضح "دياب"، في تصريحاته لـ "الدستور"، إلى أن يمكننا الاستفادة من المبلغ المُحصل من تلك السيارات في تطوير ورصف الطرق وإنشاء الكباري، كذلك المساهمة في تعديل منظومة المرور بأكملها بدلاً من الإنفاق من نخاع الموازنة العامة عند عمليات التطوير، وبذلك نخفف من عبء الإنفاق الحكومي.

واقترح الخبير الاقتصادي أنه في حالة عدم استجابة أصحاب تلك السيارات للإنذارات الموجهة إليهم من الدولة يتم مصادراتها وطرحها للبيع في مزاد علني، وذلك بعد استصدار قانون يتم طرحه في مجلس الشعب للموافقة على حق الدولة في التصرف في الممتلكات التي لم يظهر لها صاحب لفترات طويلة.

يشير إلى دور المواطنين أيضًا فى منع وجود تلك السيارات بالشوارع من خلال الإبلاغ عن أي سيارة مجهولة تتواجد بالشوارع لفترة طويلة دون ظهور صاحب له.

يجرم القانون رقم «140» لسنة 1956، ترك السيارات المتعطلة أو المتهالكة في الشوارع، معتبرًا إياها جريمة يعاقب عليها القانون، تقتصر على الغرامة المالية من 200 إلى 2000 جنيه.

وفي الخارج يتم التعامل مع هذه الظاهرة بأن السيارة التي ليس لها جراج لا ترخص، والسيارات التي تركن في الشارع أكثر من 3 أيام يتم تطبيق قانون المرور عليها فورًا، وهي دفع أجرة 3 شهور.

لا يوجد إحصاء رسمي دقيق بعدد السيارات المتهالكة في شوارع مصر، ولكن سبق وأعلن مجلس الوزراء أن عددها في محافظة القاهرة وحدها وصل إلى لـ150 ألف سيارة، تكلفتها الإجمالية تصل لـ 2 مليار جنيه.

يشدد اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، على ضرورة التخلص من السيارات المتهالكة المركونة بالشوارع، لاسيما في المناطق الحيوية وأماكن السفارات وتجمعات المواطنين.

ويصف وجودها في مصر بالقنبلة الموقوتة، التي يستغلها الإرهابيون بطرق غير شرعية، موضحًا أن الحل يكمن في تعاون المواطنين مع الدولة، سواء بإعدام تلك السيارات والتخلص منها أو تصليحها واستخدامها.

ويرى أنه لا بد من تطبيق عقوبة قانونية على كل من يترك سيارته المتهالكة في الشوارع لفترة طويلة، كي لا يتم استخدامها في حادث إرهابي، وتحويلها من متهالكة إلى مفخخة، لا يشك أحد فيها.