رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مشهد التسامح المحذوف


مسلسل «هوجان» أحد المسلسلات الكوميدية التى أثارت بعض الجدل خلال شهر رمضان، والمسلسل عُرض على عدة قنوات فضائية، منها قناة الحياة المصرية، وأثناء عرض المسلسل استنكر بطل المسلسل الفنان محمد عادل إمام، حذف مشهد لم يُعرض على شاشة قناة «الحياة» من الحلقة 16، مغردًا عبر حسابه الشخصى على «تويتر» قائلًا: «مش عارف ليه قناة الحياة شالت الحتة دى من الحلقة».
فى المشهد المحذوف دخل «هوجان» بيت داليدا ووالدها، فقام «هوجان» بمسك الإنجيل وقبّله، ظنًا منه أنه القرآن الكريم، فقال له والد داليدا: «نحن مسيحيون» فرد عليه هوجان: «وكتاب ربنا أجدع ناس، وكلام ربنا كله على دماغنا»، ثم قام ثانية بتقبيل الكتاب المقدس بعد أن أعلمه والد داليدا أنه الإنجيل، ووضعه فى مكانه.
إن ما فعلته قناة الحياة من حذف لمشهد يؤكد أن الكتاب المقدس كلام الله، هو أمر يتعارض مع نص القرآن الكريم الوارد فى سورة المائدة الآيتين 46 و47 «وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ».
والسؤال الذى سأله الفنان محمد إمام على «تويتر»: «مش عارف ليه قناة الحياة شالت الحتة دى من الحلقة؟»، سؤال كاشف يحتاج لإجابة لن تجرؤ قناة الحياة على التصريح بها، لأن الإجابة ستكون سلبية، تنم عن تعصب أعمى، وعنصرية بغيضة لن يجرؤ أصحاب القناة على كشفها علانية.
ومما لا يحتمل أى لبس أن التعصب القمىء، ورفض الآخر الدينى المغاير، هما السببان الرئيسيان وراء حذف مشهد التسامح، فالتسامح نقيضه التعصب الذى ينفى الاختلاف، ويسعى للبحث عن التماثل وإنكار أى شكل من أشكال التنوع والاستقلال، والتعصب هو اتجاه نفسى لدى الفرد يجعله يدرك فردًا معينًا أو جماعة معينة أو موضوعًا معينًا إدراكًا سلبيًا كارهًا، دون أن يكون لذلك ما يبرره من المنطق أو الشواهد التجريبية، فالتعصب هو اتخاذ موقف متشدد فى الرأى تجاه فكرة يعتبرها المتعصب الأساس والحقيقة المطلقة الوحيدة، والتعصب يبدأ بالكلام وينتهى بالإرهاب، مرورًا بالتجنب والاضطهاد والاعتداء البدنى، والتعصب هو تقديس للأنا وإلغاء للآخر، فكل ما تقوله «الأنا» يدخل فى حكم الصحيح المطلق، وكل ما يقوله الآخر يدخل فى حكم الخطأ الفادح، ويقود هذا إلى موت لغة التواصل والحوار، وحين يموت منطق الحوار تنطق الحراب والبنادق، وتُحفر الخنادق، وتستباح الدماء.
إن الإعلام الوطنى من واجباته أن ينبذ الأحادية ويدعو للتعددية، وأن ينشر قيم الحب لا الحرب، وأن يذيع مبادئ السلام لا الخصام، وأن يبث التسامح لا التعصب، لأن الأحادية فقر، والتعددية ثراء، والتعصب موت، والتسامح حياة، فهل نطمح أن يأتى اليوم الذى تتحول فيه قناة الحياة لتكون اسمًا على مسمى؟!.