رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قوم يا مصرى ٧

ملحمة «دمياط للأثاث»: 130 ألف فرصة عمل وإنقاذ الصناعة من التدهور

جريدة الدستور

«يد تبنى.. ويد تحمل السلاح».. هذا ليس شعارًا بل حقيقة أكدتها «دولة ٣٠ يونيو» على مدار سنوات مضت، وستظل متمسكة بها فى سنوات طويلة مقبلة؛ حتى تقف مصر على قدميها. تتحرك الدولة المصرية على مختلف الاتجاهات تقريبًا، تبنى مدنًا جديدة، تقضى على العشوائيات، تحفر أنفاقًا هائلة، تشيد طرقًا جديدة، تعيد بناء البنية التحتية.. هذا وغيره الكثير والكثير. هنا نتوقف أمام «ملحمة البناء»، نعرض مجموعة من المشروعات القومية؛ حتى يعرف الجميع أين كنا، وإلى أين وصلنا، وما الذى ننوى فعله فى بلدنا.

لعقود طويلة تربّعت مدينة دمياط على عرش صناعة الأثاث فى مصر، وحققت بصناعتها مكانة متقدمة محليًا وعالميًا، لكنها تراجعت عنها مؤخرًا رغم وصول الاستثمارات بها إلى ما يزيد على 500 مليار جنيه.
ورغم زيادة الاستهلاك نجح الأثاث المستورد فى إزاحة «الدمياطى» عن عرشه، مع تزايد سوق السلع الرديئة الأرخص سعرًا، ما استدعى اتخاذ إجراءات حاسمة وفعّالة لمواجهة التدهور فى الصناعة، غابت عن متخذى القرار فى عهود سابقة، قبل تداركها فى السنوات الأخيرة بالإعلان عن تأسيس مدينة دمياط للأثاث، بحثًا عن إعادة هذه الصناعة العريقة إلى مكانتها مجددًا.

المشروع يقام على مساحة 331 فدانًا.. يضم 2400 ورشة.. مركز تكنولوجى لاختبار المنتجات.. وافتتاح المرحلة الأولى قريبًا
بدأت فكرة إنشاء مدينة الأثاث بدمياط عام 2015، عندما أصدر المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، حينها، قرارًا بإقامة مدينة صناعية متكاملة لتكون مركزًا لإعادة صناعة الأثاث المصرية إلى مكانتها العالمية، استجابة لتكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسى ببناء المدينة على الأرض، التى تتمتع بتاريخ طويل فى هذه الصناعة.
واختارت الدولة موقع مدينة الأثاث الجديدة بالقرب من موطن الصناعة فى دمياط للاستفادة من تاريخ المدينة وقربها النموذجى من ميناءى دمياط وبورسعيد، بالإضافة إلى إطلالها على الطريق الدولى الساحلى، ما يعظم من فرص الاستثمار ويسهم فى تحويلها إلى بوابة لتصدير الأثاث المصرى إلى الخارج.
كما وجّه الرئيس السيسى بإنشاء وإدارة واستثمار المدينة الجديدة بالصورة المُثلى لدعم صناعة الأثاث الوطنية، مع تحويل المدينة لواجهة تسويقية، والتركيز على الارتقاء بالتدريب المهنى والتكنولوجى للعاملين فى صناعة الأثاث.
وفى أبريل 2015، كلّف الدكتور إسماعيل عبدالحميد، المحافظ السابق لدمياط، الغرفة التجارية بالمحافظة بدراسة وإنشاء دليل شامل للورش والصناعات وخريطة للمعارض، والتنسيق مع وزارتى التجارة والصناعة والتنمية المحلية لإنشاء معرض كبير لعرض المنتجات المحلية لصغار الصناع حتى يجرى بيعها وتسويقها من خلاله.
وفى مطلع العام الجارى، أعلنت محافظة دمياط قرب افتتاح مدينة الأثاث، فى إطار تكليفات الرئيس بضرورة تشغيل المدينة فى أقرب وقت ممكن، وتذليل كل العقبات أمام ذلك؛ لتحقيق أقصى استفادة من المشروع.
وكشفت محافظة دمياط عن تسليم المرحلة الأولى من المشروع للصناع للبدء فى نقل معداتهم وتجهيز ورشهم لتحويل الحلم إلى حقيقة، مع اتجاه المحافظة لتذليل كل العقبات أمامهم، وتخصيص موقف للسيارات يسهل الوصول للمدينة.
وأقيمت مدينة الأثاث بدمياط على مساحة 331 فدانًا، وتضم 2400 ورشة صغيرة ومتوسطة، على مساحة تقدر بحوالى 70 فدانًا، تبلغ مساحة الورشة الصغيرة فيها ما بين 100 و150 مترًا، مع تخصيص مساحات بين ألف و10 آلاف متر لإنشاء المصانع.
وتضم المدينة كل ما يتعلق بصناعة الأثاث، من حرف وصناعات صغيرة ومتوسطة وصناعات مغذية ومكملة، إلى جانب إنشاء مركز خاص بتكنولوجيا الأثاث لإعداد الدراسات الفنية والتسويقية للمصنعين واختبار الأثاث قبل تصديره، فضلًا عن مساهمته فى فتح أسواق جديدة للأثاث المصرى فى مختلف دول العالم.
كما تضم عددًا من الخدمات الخاصة بالمستثمرين، مثل المراكز التجارية والترفيهية التى بُنيت على أرض تبلغ مساحتها نحو 70 ألف متر مربع، وتضم نحو 300 معرض تجارى للأثاث، فضلًا عن عدد من الخدمات الأخرى المخصصة لخدمة أهالى المحافظة، مثل الهايبر ماركت، وقاعات السينما، والمطاعم والكافيهات، وأماكن انتظار السيارات.
وتوفر المدينة نحو 100 ألف فرصة عمل مؤقتة، وحوالى 30 ألف فرصة عمل دائمة، وفقًا لدراسات الجدوى التى تم إعدادها من قبل شركات عالمية متخصصة، بالتنسيق مع محافظة دمياط ووزارة الصناعة.

أصحاب ورش: نطلب وسائل مواصلات ونتوقع العودة للريادة
قال محمد أشرف، صاحب ورشة ومعرض للأثاث بدمياط، إن سعر المتر فى المدينة الجديدة مرتفع نسبيًا نظرًا لكونه يبدأ من 6 آلاف جنيه، موضحًا أن معظم أصحاب الورش والحرفيين لا يملكون القدرة المادية على شراء أو تأجير ورشة ومعرض فى المدينة الجديدة.
وأضاف: «لدىّ الآن ورشة ومعرض لتسويق الشغل تبلغ مساحته 300 متر، ومن الصعب أن أحصل على نفس المساحة فى المدينة الجديدة فى ظل التكاليف الحالية، لذا أفكر فى الاقتراض لشراء معرض هناك، خاصة أن المدينة ستجذب الأنظار إليها، وسيتوجه إليها جميع الزبائن والراغبين فى الشراء فور افتتاحها».
وواصل: «المدينة الجديدة بعيدة عن منازلنا، لذا نحن بحاجة إلى توفير وسائل المواصلات لها، كما يجب أن تكون بأسعار رخيصة ومناسبة للعمالة التى نستأجرها للعمل فى الورش والمعارض، ونحتاج أيضًا معارض جديدة فى المحافظات وخارج مصر تساعدنا على تسويق منتجاتنا».
أما محمود زعتر، أحد صُناع الأثاث بدمياط، فأعرب عن أمله فى نجاح المدينة الجديدة فى إصلاح حال صناعة الأثاث وإنقاذها مما وصلت إليه مؤخرًا، حتى تعود حركة البيع والشراء إلى ما كانت عليه فى السابق.
وقال: «ورثت حرفة النجارة عن والدى وجدى، وكنت أعمل معهما منذ الصغر حتى كبرت وصارت لى ورشتى الخاصة، وكانت فى وسط المدينة، وعندما سمعت عن تأسيس مدينة دمياط للأثاث راودنى حلم أن أشترى فيها محلًا حتى لو كان صغير المساحة، لأنى أعتقد أنها ستعيد الريادة للمحافظة فى عالم الأثاث».
وأضاف: «بدأت رحلتى لفهم التفاصيل وسألت عن الشروط، ونجحت فى تحقيق الحلم وامتلاك ورشة فى المدينة الجديدة، وحين اشتريتها كانت الأسعار فى حدود 6 آلاف جنيه للمتر كاش، و8 آلاف للقسط على 10 سنوات، مع فترة سماح لمدة سنة، ومساحات تتراوح بين 50 و100 متر للمحل».
وتابع: «معظم ورش الأثاث فى وسط المدينة انتقلت إلى المدينة الجديدة، وكل الأنظار ستتوجه إليها لأنها ستساعد على تسويق منتجاتنا بكل سهولة».
أما عن المشكلات التى تواجهه فقال: «كل ما نأمل فيه حاليًا هو توفير المواد الخام بأسعار مناسبة، لضمان تحقيق ربح جيد يضمن للعاملين فى الصناعة حياة كريمة، وسبق أن قدمنا التماسًا للرئيس السيسى بشأن مساعدتنا على التصدير، وسمعنا عن التعاقد مع شركات تسويق كبرى لتصدير منتجات مدينة دمياط للأثاث إلى الخارج، وأعتقد أن ذلك جاء استجابة لنا».

المحافظة: قروض ميسرة للمنتقلين.. وإعفاءات من الضرائب والرسوم لمدة 5 سنوات
استجابةً لطلبات الصناع والحرفيين والعاملين فى صناعة الأثاث بخصوص مشكلتى المواصلات وأسعار الورش بالمدينة الجديدة، كشف ديوان عام المحافظة عن تكليفات واضحة من محافظة دمياط لحل الأزمة الأولى عبر إلزام سيارات السرفيس، العاملة بموقف مدينة الأثاث، بخط السير المحدد من أجل تسهيل الانتقال من وإلى مدينة الأثاث.
كما وجهت المحافظة بالمتابعة المستمرة للموقف، والتأكد من التزام سيارات الأجرة بخط السير، مع دعوة المواطنين للإبلاغ الفورى عن السيارات المخالفة على أرقام المحافظة وأرقام «الواتس آب» المعلن عنها على الصفحة الرسمية لمحافظة دمياط.
أما بخصوص أسعار الورش والمحلات داخل المدينة، فقد وجّه مجلس الوزراء بتسهيل إقراض صغار الصناع والتجار الراغبين فى الانتقال للمدينة من أجل كسر محاولات الاحتكار التى يمكن أن يقوم بها بعض كبار التجار.
وتضمنت التوجيهات فتح باب الإقراض لصغار الصناع والتجار عن طريق الغرفة التجارية أو البنوك، حتى يتمكن الجميع من شراء الخامات المطلوبة، خاصة فى ظل تزايد أسعارها فى السنوات الأخيرة.
كما تضمنت قيام جهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة بإقراض أصحاب الورش مبالغ تصل إلى نحو 5 ملايين جنيه، بفائدة لا تزيد على 5% فقط، مع الاتفاق على إقامة معرض كبير لتصدير الأثاث بالتعاون مع جمعية المصدرين المصريين.
ومن المقرر إسناد تنظيم المعرض إلى إحدى كبرى الشركات المتخصصة فى تسويق الأثاث بالعالم، مع إقامته 3 أو 4 مرات سنويًا، على أن تخصص واحدة منها على الأقل للتصدير للخارج، من أجل دعم الصناعة والوصول بها إلى العالمية، ومضاعفة أرقام التصدير الحالية.
وكشف المعتز بهاء الدين، المدير التنفيذى للمدينة، عن الانتهاء من جميع المرافق العامة مع اقتراب موعد افتتاحها وتسلمها حسب العقد المبرم بين شركة دمياط للأثاث والهيئة الهندسية للقوات المسلحة.
وقال إن الورش والهناجر والمرافق والطرق انتهت بالفعل، مع تسلم 53 هنجرًا و1400 ورشة، والتمهيد لتسليم باقى المتفق عليه، والانتهاء من بناء المعرض المؤقت بالمدينة لحين استكمال المركز التجارى الرئيسى.
وأضاف أن أقسام المدينة التى لم يتم تسلمها بعد هى: الفنادق والمستشفى وأرض المعارض، بالإضافة إلى المنطقة التجارية التسويقية التى تتضمن فندقًا من فئة 4 نجوم يضم 200 غرفة، ومركزًا لخدمات رجال الأعمال، ومركزًا دوليًا للمؤتمرات، وقاعات عرض واحتفالات بمساحة 20 ألف متر مربع.
وأشار إلى أن المشروع يتضمن عددًا من المميزات الهادفة لتشجيع الراغبين فى الحصول على ورشة بالمدينة، أولاها الإعفاء من ضريبة الدمغة ورسوم التوثيق لمدة 5 سنوات من تاريخ قيد المشروعات فى السجل التجارى، بالإضافة إلى الإعفاءات من رسوم عقود تسجيل الأراضى اللازمة لإقامة الشركات والمنشآت.
وقال: «المدينة تتوافر بها البنية الأساسية اللازمة من خدمات ومرافق، وتشتمل على مركز لتوريد الآلات والخامات اللازمة لصناعة الأثاث فى مصر، بهدف تقليل سعر الخامات وتكلفة الصيانة والتشغيل، ما يؤدى لخفض تكاليف الإنتاج بشكل عام».
ورأى أن توافر التسويق لمنتجات المدينة محليًا ودوليًا، من خلال إقامة المعارض الدائمة والدعم الذى تقدمه المدينة لأصحاب الورش الصغيرة والمتوسطة، سيسهمان فى فتح أسواق جديدة للتصدير أمام المصنعين والتجار، وخلق فرص تؤهل للمنافسة إقليميًا ودوليًا، ما يوفر المزيد من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.
وواصل: «إن إنشاء مركز تكنولوجى للتطوير سيحقق طفرة كبيرة فى صناعة الأثاث التى طالما اشتهرت بها دمياط، وسيسهم فى تحويلها إلى مدينة متكاملة ومتخصصة فى صناعة الأثاث، بما يوفره من مواكبة لأحدث التطورات العالمية فى المجال، خاصة فيما يتعلق بالتصميمات وتطوير خطوط الإنتاج».
وتوقع إيهاب درياس، رئيس المجلس التصديرى للأثاث، أن تضاعف المدينة من قيمة الصادرات المصرية فى ظل حجم الفرص المتاحة لهذه الصناعة، التى ظلت تحافظ على صادرات جيدة لبعض الدول حتى فى فترة تراجعها فى السنوات الماضية.
وقال: «تصدّر مصر أثاثًا إلى المملكة العربية السعودية بقيمة 925 مليون جنيه، وتصدر للإمارات بقيمة 402 مليون جنيه، كما تصدر للولايات المتحدة بقيمة 37 مليونًا، وإيطاليا بقيمة 35 مليونًا».
وأضاف: «نمتلك أيضًا سوقًا محلية ضخمة بلغ حجم استهلاكها من الأثاث نحو 2.9 مليار دولار، شاملة الإنتاج المحلى والمستورد، ومن المتوقع أن تصل هذه الأرقام إلى نحو 3.5 مليار دولار عام 2020، بنسبة نمو 20%، ما يكشف عن حجم الفرص المتاحة أمام هذه الصناعة، خاصة فى ظل تراجع الاستيراد».