رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تقرير غير طبى

جريدة الدستور


- اماه.. أنا جعان يا اماه.
جذبها نداؤه من طابور النساء المتزاحم أمام البوستة، فالتفتت إليه، وأشارت إليه أن تعال، جاءها من مكانه فى الظل أسفل البناء المقابل، أخرجت من صدرها منديلًا فكت عقدتيه، وأخرجت خمسة جنيهات، وهى تشير إلى المطعم القريب. قالت: هات لك ساندويتشين.
فرد: وأنت يا ماه.. أجيب لك إيه؟
فقالت: أنا صايمة.. الحمد لله.
فهلل: الله عليكِ يا ماه.. ربنا بيحبك والله. وأكمل: هو مش رمضان خلص.. والعيد عدى.. وأنتِ لسه بتصومى تانى.
بعد أن أكل ناداها: يا اماه فيه باقى.. حاجيب عصير من الدكان.
فأشارت برأسها بالموافقة.
وقف أمام الدكان حائرًًا. قال: مش عاوز عصير.. مش حلو.. طعمه زى الدواء.. حاجيب كوكاكولا.
وهو يشرب باستمتاع. قال: حاسيب لك شوية يا اماه.
فتذكر أنها صائمة. فأكمل: أنا نسيت إنك صايمة.. أنا بأنسى كتير يا اماه.
عندما أعطاه البائع نصف الجنيه الباقى. قال مرتبكًا: فلوس.. مالى بيها الفلوس.. أعمل بيها إيه؟.. حاخد حاجة.
قال لها ضاحكًا: فيه باقى تانى يا اماه.. حاجيب بسكوتة.
كانت قد وصلت إلى الشباك. قال لها الموظف: اسمه مش موجود يا حاجة.
ضربت على صدرها فى فزع وصاحت: مش موجود إزاى.. كل شهر بيصرف المعاش.
ــ روحى اسالى فى الشئون.. يمكن عاوزين تقرير طبى.
قالت باستعطاف: التقرير الطبى عندهم.. اتاكد يا ولدى.
عندما خرجت من الطابور، وضعت كفيها على رأسها، الذى داهمه الدوار، وتذكرت معاناتها فى السعى بين مكاتب الموظفين، لتحصل له على معاش الضمان.
جاءها قائلًا: يالا نروح يا اماه.. الشمس سخنت.
رأى الحزن باديًا عليها، فوضع يده على كتفها، وأمال رأسها على صدره. وقال: مالك يا اماه.. والله ربنا بيحبك.. وأنا كمان بحبك.
تعجبت أن رأت طفلها قد صار أطول منها.