رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كلبش 3 والإرهاب الدولي


للعام الثالث على التوالى أتابع حلقات مسلسل «كلبش»، بطولة الفنان الشاب أمير كرارة.. وقد يكون الدافع لذلك طبيعة عملى وانتمائى للمؤسسة الأمنية.. وقد لاحظت أن هناك تطورًا زمنيًا ونوعيًا فى أسلوب ونوعية الجرائم التى يتصدى لها الضابط سليم الأنصارى «كرارة»، يتواكب مع ذلك التطور الحقيقى لما تشهده جهود مواجهة الجريمة فى مصر بصفة خاصة.. فقد كان الجزء الأول من المسلسل يتناول مجهود الأنصارى ومعه زملاؤه فى التعامل مع الجرائم الجنائية تحديدًا، وهى سمة كانت بالفعل هى الغالبة على معظم الجرائم التى كانت تحدث فى مصر خلال فترة زمنية معينة، إلى أن ظهر الإرهاب والتطرف الدينى البغيض، وكذلك استغلال نفوذ بعض ذوى السلطة ورجال الأعمال فى التغطية على أنشطتهم غير المشروعة، ومن بينها تهريب الأسلحة وتمويل العمليات الإرهابية.. إلى أن جاء الجزء الثالث هذا العام من المسلسل، الذى أرى أنه يحارب الإرهاب الدولى العالمى الذى تسيطر عليه وتحركه دول وحكومات وأجهزة استخبارات دولية، بهدف تقسيم الدول العربية، والسيطرة على الموارد الطبيعية الموجودة فى أراضيها.
من أهم ملامح هذا المسلسل أنه ضم الفنان القدير هشام سليم فى دور المناضل الثورى والسفير السابق والمعارض الوطنى الشريف «أكرم صفوان»، وهذا هو الشكل المعلن للرأى العام عن نشاطه، فى حين أنه مجرد أداة لتنظيمات سرية وأجهزة استخباراتية خارجية تسعى إلى نشر الفوضى فى البلاد، بل والسيطرة على مناطق سيناء للاستفادة من الثروات الطبيعية الموجودة بها، حتى ولو كان ذلك من خلال العمليات الإرهابية والتخريبية التى سوف تستلزم تدخلًا دوليًا لحماية أهالى تلك المنطقة من منطلق عجز الأمن المصرى عن حمايتها وحماية المستثمرين والمترددين عليها.
فى حين يقوم بدور قائد المنظومة الأمنية التى تقوم بمواجهة تلك المخططات وإحباط هذه الأهداف الفنان الكبير أحمد عبدالعزيز، فى دور اللواء جلال خطاب، الذى يضم سليم الأنصارى داخل تلك المنظومة لقناعته بإمكاناته ووطنيته ورغبته فى القضاء على كل ما يمس أمن الوطن.. وهنا نجد أن مؤلف العمل «باهر دويدار» يتماشى بالفعل مع تطور المخططات التى تستهدف أمن وسلامة البلاد، والتى تنامت إبان ما سمى «الربيع العربى» أو «الثورة الخلاقة»، مستخدمين فى ذلك شخصيات سياسية وإعلامية، ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه الخيانة والخديعة والسعى لتنفيذ تلك المخططات الشيطانية.
وقد أدار المخرج الشاب «بيتر ميمى» تلك المواجهة، التى أعتبرها من أفضل المواجهات الفكرية بين طرفى الصراع، بامتياز، فالأول يجتهد لتنفيذ المطلوب منه لإرضاء أعداء الوطن، والثانى يجتهد لمواجهة وإجهاض هذا المطلوب من شرفاء الوطن.. وعليه، فإننى أرى أن الإبداع فى الجزء الثالث من «كلبش» جاء فى تلك الحوارات التى تتم بين أكرم صفوان والجهات التى تقوم بتكليفه بهذه المهمة مقابل دعمه ماليًا وسياسيًا، وكيف استطاع استخدام منظمات المجتمع المدنى المشبوهة والمستترة تحت ستار الجمعيات الخيرية فى التسلل إلى داخل أراضى سيناء لتمويل العناصر الإرهابية بها، للقيام بعمليات تخريبية حتى ولو تم ذلك على حساب حياة أعضاء تلك المنظمات الذين قام بإرسالهم إلى سيناء تحت ستار الوقوف على احتياجات أهلها من خلال تلك الجمعيات الخيرية التى يتسترون بها.. كذلك كيف نجح فى استخدام السوشيال ميديا ووسائل التواصل الاجتماعى لتأليب الرأى العام حيال كل عملية إرهابية تحدث فى مصر، حتى ولو كان هو أو أعوانه الذين قاموا بها..
من ناحية أخرى، ما دار بين اللواء جلال خطاب ورجاله وتلاميذه، سواء من الضباط أو المدنيين، وهنا يجب أن أحيى المخرج والمؤلف على إبراز دور المدنيين فى مواجهة الإرهاب، فالأمر ليس مقتصرًا فقط على الأجهزة الأمنية فقط، بل إن هناك فئات مختلفة من المجتمع داخل تلك الأجهزة، وتحقق نتائج لا تقل أهميتها عن تلك التى تحققها الأجهزة الأمنية، بل إنها قد تكون المفتاح الذى يساعد تلك الأجهزة على نجاح عملياتها من خلال تلك المعلومات التى يمدونها بها أولًا بأول وقبل القيام بأى من هذه العمليات.
وقد أدى جلال خطاب دوره فى منتهى الإبداع والثبات فى أشد الأوقات إيلامًا، خاصة بعد علمه بخيانة «عونى»، مدير مكتبه، الذى اعتبره يومًا ما ابنه.. وهو الذى وهب حياته لخدمة وطنه ونسى أن يتزوج.. كذلك كانت حواراته مع مجموعة عمله تمثل كشفًا لخارطة الطريق التى يسعى أعداء الوطن إلى تحقيقها بكل وضوح وجراءة يحسد عليها المؤلف والمخرج، خاصة عندما ذكر اسم دولة إسرائيل فى أكثر من موقف، والدولة التى كانت تحتل مصر- فى إشارة الى إنجلترا- ورغبتها فى إعادة سيطرتها على المنطقة، ناهيك عن المنظمات الصهيونية التى تدير منظومة الإرهاب فى العالم بمعاونة أعتى أجهزة المخابرات فى العالم بهدف السيطرة على مقدرات تلك الدول وتقسيمها وتشتيت أهلها.
أعتقد أن القضية المحورية فى هذا الجزء الثالث هى «سيناء»، التى جاء فى أحد حوارات جلال خطاب عنها أن الدولة تتحمل مسئولية تجاهلها طوال الفترة السابقة، وما ترتب على ذلك من أعمال التهريب بكل أشكاله، وتجارة المخدرات والسلاح بها، إلى أن أصبحت مصدرًا للإرهاب وعنوانًا للتخريب.
أما عن أداء «سليم الأنصارى» فى هذا الجزء، فإننى أرى أن شخصيته نفسها قد تغيرت فيه.. ففى الجزءين الأول والثانى كان يظهر مندفعًا منفعلًا، تحركه مشاعره الغاضبة قبل إحكام العقل، أما هنا فإننا رأينا حالة من النضوج والثبات الانفعالى فى مواجهة معظم المواقف الصعبة التى مر بها، خاصة مشهد سقوط ابنه أمامه وهو عاجز عن إيجاد العلاج له إلا عن طريق أكرم صفوان، وكذلك مشهد استشهاد النقيب حسام، زوج شقيقته التى قتلتها يد الإرهاب فى الجزء الثانى. وهو ما يشير إلى حسن التدريب الذى تلقاه، وكذلك تأثير الفترة الزمنية الطويلة التى خدم خلالها فى الأجهزة الأمنية.
وقد نجح المخرج، أيضًا، فى أن يجعل المشاهد يربط بين بعض الشخصيات التى جاءت فى المسلسل، خاصة «أكرم صفوان» السفير السابق والدبلوماسى المحنك والمعارض الشريف، وبين هؤلاء الثوار الوهميين المأجورين الذين كانوا يسارعون فى الوقوف على منصات ميدان التحرير صباحًا، ثم على شاشات البرامج الحوارية مساءً، يبثون سموم كراهيتهم للوطن فى نفوس المواطن البسيط، فكان منهم السفير السابق، ومنهم الأستاذ الجامعى، والطبيب الفاشل، ومنهم أيضًا مدعى الثورية والاشتراكية.
قد أكون تحدثت عن «كلبش 3» من منظور أمنى دون التعرض لفنيات العمل، إلا أننى أراه من أبرز المسلسلات التى شدت انتباه غالبية الشباب، الذين وجدوا فى سليم الأنصارى قدوة وهدفًا يسعى معظمهم لتحقيقه.
وهو أحد أهداف دور الفن فى التوعية وإذكاء روح الولاء والانتماء للوطن.