رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جريمة رامز


لا يجادل اثنان فى أن لشهر رمضان المُعظّم، فى بلدنا تقاليد ومظاهر، قلَّ أن توجد فى شهرٍ آخر، أو فى بلدٍ غير مصر، وأعرف على المستوى الشخصى ويعرف الكثيرون أشقاء من شتى الأقطار العربية، اعتادوا القدوم إلى مصر طوال هذا الشهرالكريم، للاستمتاع بشتى تجلياته الروحية والحياتية؛ ولأنهم يجدون فيه ما لا يجدونه فى بلادهم من حيوية وبشر، وفرح وأشكال متعددة للترويح عن النفس.
ثم كان لهذا الشهر ميزة لا منافس له فيها، وهى جرعة مسلسلات الدراما وبرامج المعرفة الدينية والعامة، وبرامج التسلية والتى تُشيع الضحكة والحبور، التى تجتمع عليها الأسرة فى مواعيدها حول شاشة التليفزيون، لكى تأنس وتتعلم، وتزداد رُقيًا ومعرفة بالحياة والوجود، وبتاريخ الشعب ومسارات الأوطان.
وهذه المظاهر شكّلت جانبًا مما عُرف بـ«القوة الناعمة المصرية»، التى جمّعت حول مصر أصدقاء ومحبين، بل وعاشقين مُتيمين من شتى البلدان العربية والإفريقية والإسلامية، ومنحتها قدرة على التأثير المعنوى والمادى لا نظير لها.
وإذا كان للدراما المصرية نُقادها ومتخصصوها، فلا يمنع الأمر من الإشارة إلى غلبة تمثيليات «الأكشن»، التى تنقل صياغات وسياقات غريبة عن بلادنا وتقاليدها وقيمها ومفاهيمها الحياتية، إلى مشاهدين، الكثيرين منهم محدودى الثقافة، وأنصاف أميين أو حتى كاملى الأميّة، وتعج بأعمال العنف والجريمة، وأشكال القتل والاغتصاب والخيانة الزوجية، وصور تعاطى المخدرات والخروج على القانون، وتمتلئ بالصياح والصخب والشتائم والسخائم، مما لا يسهم بأى صورة من الصور فى ترقية الذوق العام، وتطوير الوعى الشعبى، وإنما يُشيع قيمًا ساقطة، ويؤثر بالسلب على تطور المجتمع.
ومما لا يقل سوءًا وخطرًا البرامج «الترفيهية»، ومسلسلات «المقالب» و«التهريج» التى وصلت فى الخروج عن الذوق والآداب العامة إلى درجة مُسفّة، وغير مقبولة!
والبرامج الترفيهية نوعية معروفة فى كل تليفزيونات العالم، وهى برامج لطيفة، خفيفة الظل والأثر، يبذل واضعوها جهدهم لكى تخرج إلى الجمهور فتُرَفِّه عنه، وتثير البسمة وتُفَجِّرُ الضحكات، دون أن تؤذى أو تضر، أو تُشيع الامتعاض وتخدش المشاعر.
لكن الحال فى الفضائيات المصرية على غير هذه الشاكلة، إذ يتصرف البعض، باعتبار جمهور المشاهدين رهينة لديه، يستبيح وقتهم وذوقهم ووعيهم وقيمهم، استباحةً كاملةً فى هذا الشهر بالذات، مُحتقرًا كل الأخلاقيات والمفاهيم والأسس التى يبذل المجتمع جُلَّ جهده من أجل إرسائها، وعليها تقوم نهضة الأمم وتبنى الحضارات، وهم فى سياق بحثهم عما يجمعونه من ملايين الإعلانات، يدوسون بأحذيتهم المُلوَّثة على كل الضوابط والأخلاقيات، التى تعارف عليها المجتمع المصرى، ويُحطمون كل الركائز التى حافظت على تماسكه وثبَّتت أركانه.
وأبرز الأمثلة على هذه النوعية الهابطة والمُسفّة والمسيئة من برامج «الترفيه» ما قدمه «رامز جلال»، فى السنوات الماضية، وما يقدمه هذا العام تحت اسم «رامز فى الشلّال». فهى تفتقد كل الملامح الواجبة فى هذه النوعية من البرامج «خفة الظل، ورُقى الفكرة، والبُعد عن الإسفاف أو تعريض الضيف للخطر، وعدم إيذاء مشاعر المشاركين والمشاهدين، والالتزام بالآداب، وتجنب اللجوء إلى فاحش القول والألفاظ الخادشة للحياء العام، أو الاصطدام بتقاليد المجتمع وقيمه وأخلاقياته».
ويكفى استعادة وقائع حلقتى الأستاذ «طارق الشناوى»، الكاتب والناقد السينمائى المعروف، والفنّانة «ندى بسيونى»، والمخاطر الجمّة التى تعرّض لها الضيفان، فضلًا عن التعليقات السمجة والبذيئة والمُبتذلة، التى لوّثت كل حلقات البرنامج، من نوع «صوتها بيفكرك بصوت القطة، وهى بتدافع عن عرضها تحت بير السلم».
هذا كلام ساقط يدخل كل المنازل، ويُسىء إلى مصر والفن المصرى، ويحمل من التلميحات ما يُشين جميع الفنانين المصريين وهى جريمة لا يتحمل «رامز» وحده مسئوليتها، وإنما يتحملها معه من قَبِلَ بالمشاركة فى هذه المهزلة ووافق على إذاعتها، ومن سمح له بعرضها ونشر سخائمها، لقاء حفنة دولارات!