رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«صفقة القرن» والفرص الضائعة (1)


اشتد اللغط وعم وسائل الإعلام فى الفترة الأخيرة بشأن ما يُطلق عليه «صفقة القرن»، التى أعلن عنها «ترامب» دون أن يبين شيئًا من تفاصيلها، وإن كان يمكن أن يُستدل من مقدماتها أهم أهدافها: إنهاء صراع الوجود، «أو ما يسمونه تدليلًا النزاع» على الأرض الفلسطينية التاريخية، بـ«صفقة اقتصادية» يمكن تلخيص غايتها فى: السلام والأمن النهائيين لإسرائيل، واعتراف الطرف الفلسطينى الكامل بأنه لا حقوق له فى أرضه التاريخية، مقابل حفنة من الدولارات وعدد من المشروعات تعالج بعض مظاهر عملية الإجحاف المستمر للفلسطينيين والتدهور المريع فى أوضاعهم الحياتية، وتُهدئ، ولو مؤقتًا، من الاحتقان المُتفجِّر، وخاصة فى غزة، التى تُعتبر أكبر سجن فى العالم يحيا فيه ملايين من الناس محرومين من كل الحقوق الإنسانية التى يتمتع بها بنى البشر قاطبة.
تزايد الجدل بخصوص هذه «الصفقة»، بمناسبة قُرب انعقاد ما سُمى «مؤتمر السلام من أجل الازدهار»، فى «المنامة» عاصمة البحرين، خلال يومى 25 و26 يونيو القادمين. وهو المؤتمر الذى رفضته وأعلنت مقاطعته كل القوى الفلسطينية، وعلى رأسها «فتح» و«حماس»، الأمر الذى يفقد جدواه ابتداءً، إذ لا يمكن، بالمنطق والبديهة، مهما استخدمت الولايات المتحدة ثقلها وضغوطها، تمرير قرارات مصيرية تخص شعبًا بأكمله، كالشعب الفلسطينى فى غياب كلى لممثليه السياسيين، أيًا كان الرأى فى أدائهم وأوضاعهم. إنه فى الواقع أمر هزلى أقرب ما يكون إلى عقد زفاف «فى غياب العروس»، كما شبهه البعض، لا قيمة له ولا مشروعية أو مستقبل.
عاد الحديث الممجوج مرة أخرى عما يسمونه «الفرص الضائعة»، التى أهدرها الطرف الفلسطينى والعربى.
وكُتبت مقالات عديدة فى صحف خليجية ومصرية «منها مقالات (نيوتن) على سبيل المثال»، وقُدّمت برامج كثيرة، تُردد هذه المقولات التى تمت «فبركتها» فى معامل الدعاية الأمريكية والإسرائيلية، لـ«لوم الضحية»، وتحميل المسروق الذنب، لأنه رفض الاعتراف بحق سارقه فيما سرق، وإدانة المقتول الغارق فى دمه، لأنه جأر بالصراخ من الألم، والسكين تحز رقبته.
وكنموذج لمن يتبنون هذا الرأى الرئيس المصرى الأسبق «حسنى مبارك»، الذى يتولى البعض محاولة تلميع صورته مجددًا وتبرئة ساحته مما لحقته من اتهامات، تأكد بعضها بأحكام قضائية باتة، طالت سمعته وسمعة أبنائه وأسرته ونظامه.
وكان آخر ما جرى فى هذا السياق الحوار الذى أجرته معه «فجر السعيد» فى صحيفة «الأنباء» الكويتية، وفيه يقول: «القضية الفلسطينية أُسميها (الفرص الضائعة) من أيام (السادات) لما تقدم بمبادرته للتفاوض حول الحقوق العربية الضائعة، مرورًا بكل الفرص التى أُتيحت لحلها، وانتهاءً بالانقسام الفلسطينى الحالى».
والمدهش أن «مبارك» يعود فى نفس الحديث، الذى يلوم فيه العرب والفلسطينيين، «وكأننا لا ننتمى لهذه المنطقة، وننظر إلى قضاياها من علٍ»، لتقرير أن «نتنياهو لا يرغب فى حل الدولتين، وهو لا يؤمن بمبدأ الأرض مقابل السلام، ويريد فصل غزة عن الضفة»، بل يضيف: «إن المشهد العام فى خصوص هذا الموضوع لا يدعو إلى التفاؤل»، فعن أى «فرص ضائعة» فوَّتها، ويُفوتها الفلسطينيون، إذن يتحدثون؟!.
وقد أكد عقم هذه الدعاوى، مَن لا يشك فى ولائه لأمريكا وإسرائيل، المنسق السابق لـ«عملية السلام»، الأمريكى «دينيس روس»، فى حديثه لصحيفة «المصرى اليوم»، «2652019»، فماذا قال؟.