رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إخوان بلا وطن.. إخوان بلا إسلام


كان حسن البنا فى خطبه ينشد شعرًا يقول فيه: «أبى الإسلام لا أب لى سواه وإن افتخروا بقيسٍ أو تميمِ»، وحين أنشأ البنا جماعته لم يكن هدفه الإصلاح الاجتماعى للبلاد، أو حتى الإصلاح السياسى أو محاربة الإنجليز وإرغامهم على الجلاء، ولكنه أنشأ الجماعة، كما يقول، لاستعادة الخلافة مرة أخرى، تلك الخلافة التى كانت بمثابة المخدر لأجيال عديدة توهموا أنها من الإسلام أو من أعلى فرائضه، وهى لا علاقة لها بالفرائض أو المقاصد أبدًا، لذلك كانت الفكرة التى وضعت لحسن البنا هى أن يُنشئ وطنًا للدين، وقد كانت إسرائيل وقتئذٍ تُعد العدة لتنشأ هى الأخرى وطنًا للدين، أما الحقيقة التى يخفيها قادة الإخوان عن الجميع هى أن جماعتهم نشأت لتكون يدًا للإنجليز فى مصر، ثم فى المنطقة، ثم فى العالم! ومن بعد ستصبح يدًا لمن يدفع.

وإذا كان حسن البنا يشكل الرافد الأول من روافد عقيدة الإخوان، فإن سيد قطب شكّل بأفكاره الرافد الثانى للإخوان، ولم يختلف سيد قطب فى كثير أو قليل عن حسن البنا، بل وضع سيد قطب دائرة أخرى للوطن، هى دائرة «المؤمنين» وهم ينتسبون مع بعضهم البعض فى وطن «الإيمان» الذى يشاقق ويخالف وطن «أهل الجاهلية» ولو كانوا من المسلمين، وفى هذا يقول سيد قطب: «إن المجتمع الإسلامى وحده هو المجتمع الذى تمثل فيه العقيدة رابطة التجمع الأساسية، والذى تعتبر فيه العقيدة هى الجنسية بين الأسود والأبيض والأصفر والأحمر والعربى والرومى والفارسى والحبشى وسائر الأرض فى أمة واحدة ربها الله»، ولم يهتم سيد قطب بإقامة دولة الخلافة، وفى ذلك كان يختلف عن حسن البنا، إذ كانت تصوراته تقوم على إعادة الإسلام الذى يضع هو صياغته للحياة أولًا ليكون هو قائد وزعيم هذا الإسلام، أو قل ليكون هو نبى هذه الأمة فى عصرها الحديث!، وتكون فيه كلمة الإخوان هى العليا، وبعد ذلك ستنشأ دولة الخلافة وحدها، وتكون رابطتها بين من يؤمنون بتصورات الإخوان العقائدية، بمعنى أنها ستكون خلافة ليست على نهج النبوة الأولى ولكن خلافة على نهج الإخوان، وطريقة سيد قطب، وفكرة حسن البنا، فهى إذن خلافة إخوانية، وسيكون وطنهم حينئذٍ ليس هو الإسلام، كما قال البنا، ولكن وطنهم هو الإخوان.
وعبر تاريخهم فى زمن سيد قطب، وجدنا أن مرشدهم حسن الهضيبى يقف بكل قوة جماعته ضد مفاوضات جمال عبدالناصر مع الإنجليز من أجل الجلاء، وكان الهضيبى يأمر قيادات الجماعة بتسيير وتنظيم المظاهرات الإخوانية التى تناهض اتفاقية الجلاء، ومن أجل إفشال هذه المفاوضات سعى الإخوان لاغتيال جمال عبدالناصر فى ميدان المنشية، وكان الهدف الحقيقى من محاولة اغتيال عبدالناصر هو إفشال المفاوضات التى يقودها لإجلاء الإنجليز، وساعتئذٍ كان لبريطانيا المحتلة أن تتحجج باضطراب أحوال البلاد مما يهدد مصالحها ويلزمها باستمرار وجودها العسكرى بمصر، ولكن الله سلَّم، وفشل الإخوان كعادتهم فى الفشل.
ولك أن تتعجب!! فهل هذه تصرفات من ينتمى فعلًا للوطن؟! هل يسعى مواطن بكل قوته لإبقاء احتلال أجنبى لبلاده؟ ولكن قد يتبدد عجبك عندما تعلم أن جماعة الإخوان نشأت بقرار من المخابرات البريطانية، ودعم من شركة قناة السويس التى كانت تحت الإدارة الفرنسية والإنجليزية، وظلت صلة الإخوان بالإنجليز إلى الآن، وظلت علاقتهم بالمخابرات البريطانية قائمة كعلاقة المتبوع بتابعه، لا يفارقه ويظل لصيقًا به كظله، لذلك أثناء العدوان الثلاثى على مصر، وكان بعض الإخوان قد هربوا إلى لندن، إذا بالحكومة الإنجليزية تنشئ لهم إذاعة موجهة إلى مصر، وفيها قام الإخوان بواجب التابع الذليل لسادتهم الإنجليز، وشنوا هجومًا ضاريًا على مصر وقائدها جمال عبدالناصر، ولكن الله نصرنا وهزمهم وباءوا بغضب من الشعب.
وعندما أنشأ الإخوان تنظيمهم الدولى، عام 1983، كان ذلك من أجل أن يكون هناك وطن حقيقى للإخوان فى كل العالم، هو الوطن البديل، أو قل الوطن الحقيقى لهم ولكل إخوان العالم، وفى ذلك يقول أحد قادة التنظيم الدولى: «إن التنظيم نشأ كفكرة وكمشروع مستقبلى فى أدبيات وتراث الإمام حسن البنا، الذى اعتبر هذا المشروع خطوة وهدفًا من الأهداف نحو وحدة الأمة الإسلامية»، هم يعرفون إذن أن وطنهم ليس مصر ولا سوريا ولا السودان ولا فلسطين، وطنهم هو «الإخوان».
ولكن ما معنى أن يتجاوز الإخوان فى مفهومهم للوطن الحدود والأرض والتاريخ والمواطنة؟ معناه أن فكرة الإخوان فكرة أممية، ومن ثم يكون ولاء المنتسب للإخوان ليس لوطنه، بل لتنظيمه، فله أعطى بيعة لا يستطيع الفكاك منها وإلا مات ميتة جاهلية، كما يعتقدون، وينسحب ولاؤهم لرئيس بلدهم إلى مرشدهم، فهو صاحب البيعة، وهو رئيس التنظيم الذى حل محل الدولة، وبالتالى يثور التساؤل حول التعارض بين الانتماء للوطن والانتماء للتنظيم العالمى، إذ يُفترض فى المواطن أن يكون ولاؤه فقط لوطنه، فإذا ما تعارض ذلك مع ولاء آخر فإن هذا يعد من قبيل الخيانة العظمى، وهذا الأمر كان محل محاكمة جنائية لإخوان الإمارات، منذ عامين، حيث تمت محاكمتهم بتهمة الخيانة العظمى لقيامهم بأداء بيعة لمرشد تنظيم الإخوان.
كل هذه الأمور داخل دولة الإخوان تمت ترجمتها بشكل علنى أمام الرأى العام من خلال فلتات لسان قادة ذلك التنظيم، فمهدى عاكف، الشهير بفلتات اللسان المتكررة، سبق له أن قال عبارة شهيرة هى: «طظ فى مصر»، وكانت تلك العبارة القبيحة تترجم رأى أعضاء هذا التنظيم فى الوطن الذى من المفترض أنهم ينتسبون له، وبعد ذلك قال مهدى عاكف فى موقف آخر: «نحن نقبل أن يحكم مصر مسلم ماليزى»، وتلك العبارة هى ترجمة حقيقية لأفكارهم، فليست العبرة بالمواطن المصرى الذى لا يجوز لسواه أن يحكم مصر، ولكن العبرة عنده بالعقيدة، وقد ظن البعض أن مهدى عاكف كان يقصد أنه يقبل أن يحكم مصر أى مسلم ماليزى، ولكن الحقيقة أنه يقبل هو والإخوان أن يحكم مصر مسلم إخوانى ماليزى، فالإخوانية عندهم هى الإسلام، ولذلك لا يهم عند الإخوان أن يهدموا مصر كلها، فهدمها عندهم سيترتب عليه بناء وطنهم الآخر، ولكنهم من فرط غبائهم لم يفهموا ما مر بهم من فشل، ولم يدركوا إلى الآن أنهم جماعة من المفسدين، والله قال فى كتابه: «إن الله لا يصلح عمل المفسدين».