رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانتخابات الأوروبية.. تشكيك استباقى!


أكثر من 400 مليون ناخب، فى الدول الـ«28» الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، بدأوا التصويت لاختيار 751 نائبًا أوروبيًا فى الانتخابات التى بدأت الجمعة وتستمر حتى الأحد. ومهما كانت نتائجها، سيتم غالبًا التشكيك فيها، وسنقرأ ونسمع ونرى، خلال الأسابيع أو الشهور المقبلة، كلامًا كثيرًا عن تدخلات خارجية، روسية أو صينية، أثرت على اتجاهات التصويت، أو تلاعبت بعقول الناخبين، عبر نشر أخبار كاذبة أو معلومات مضللة على شبكات التواصل الاجتماعى.
لا تزال روسيا تواجه اتهامات، تنفيها دائمًا، بالتأثير فى انتخابات الرئاسة الأمريكية الماضية، وفى استفتاء بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبى، وكذا فى الانتخابات الألمانية، وغيرها من الانتخابات التى تم التشكيك فى نتائجها. وعلى الأرجح، سيطال الصين جانبًا من تلك الاتهامات، بعد التحذيرات التى سبق أن أطلقتها مؤسسات الاتحاد الأوروبى من وجود أنشطة استثمارية صينية لها طابع سياسى ومخابراتى. وكذا، تحذيرها من وجود مئات العملاء للمخابرات الروسية والصينية فى بروكسل، تم تقدير عددهم بـ200 عميل روسى و250 عميلًا صينيًا، نقلت جريدة «دى فيلت» الألمانية، فى فبراير الماضى، عن «وحدة العمل الخارجى الأوروبى» أن معظمهم يعملون فى سفارات البلدين، أو فى سفارات دول الاتحاد السوفيتى السابق!.
بشكل استباقى، لم تتوقف التحذيرات طوال الشهور الماضية، من حدوث تدخلات خارجية، كما لم تتوقف المفوضية الأوروبية عن مطالبة شركات «جوجل وفيسبوك وتويتر» بالتصدى للأخبار الكاذبة. ودعت المفوضية «فيسبوك» إلى توفير قدر أكبر من الوضوح بشأن كيفية استخدام أدواتها لمكافحة الأخبار الكاذبة، وطلبت من جوجل توسيع إجراءاتها لتشمل عددًا أكبر من الدول الأوروبية. وقالت إنه يجب على تويتر تقديم مزيد من التفاصيل بشأن إجراءاتها، بينما قالت إنه يجب إعطاء متصفحى «موزيلا» على الإنترنت معلومات أكثر بشأن كيفية حجب التفاصيل الخاصة بأنشطة التصفح. وقال أندروس أنسيب، مفوض الاتحاد الأوروبى للسوق الرقمية الموحدة: «عليهم الآن التأكد من توافر هذه الأدوات للجميع فى كل الاتحاد الأوروبى، ومراقبة كفاءتها والتكيف بشكل مستمر مع الوسائل الجديدة التى يستخدمها المسئولون عن نشر المعلومات الكاذبة».
فى المقابل، تعددت تعهدات تلك الشركات والشبكات بحماية سلامة الانتخابات داخل الاتحاد الأوروبى وفى العالم بأسره». وفى سبتمبر الماضى، مثلًا، أعلنت شركة «فيسبوك» أن شركاءها فى جهود التحقق من صدق المحتوى، وعددهم 27 شريكًا فى 17 دولة، سيوسعون نطاق عملهم ليشمل الصور والفيديوهات إلى جانب المحتوى النصى. وقالت أنطونيا وودفورد، مديرة الإنتاج فى الشركة، إن الموقع يعمل على تطوير برنامج لاكتشاف المحتوى المزيف على الموقع وتمييزه.
بعد شهور من تلك التعهدات، تمخضت شركة «فيسبوك» وأعلنت أنها حذفت عددًا من الحسابات الإيطالية لـ«كونها إما زائفة أو تنشر أخبارًا كاذبة». وفى بيان، قال متحدث باسم فيسبوك فى إيطاليا: «حذفنا سلسلة من الحسابات الكاذبة والمتكررة التى خرقت سياساتنا المتعلقة بالمصداقية، بالإضافة إلى عدة صفحات، وذلك بسبب انتهاك اللوائح الخاصة بتغيير الأسماء». وأضاف: «اتخذنا أيضًا إجراءً ضد بعض الصفحات التى دأبت على نشر معلومات غير صحيحة»، مضيفًا أن تحقيقًا أجرته مجموعة «آفاز» النشطة على الإنترنت كان الدافع وراء اتخاذ القرار. وكانت «آفاز» قد ذكرت أن «فيسبوك» حذفت 23 حسابًا إيطاليا يتابعها نحو 2.5 مليون شخص، وأن أكثر من 20% من تلك الحساب كانت تدعم حركة «5- نجوم» أو حزب الرابطة، المشاركين فى الائتلاف الحاكم.
مجرد الإعلان عن حذف هذا العدد من الحسابات الإيطالية معناه أن هذه الشركة، كما كل الشركات، لم تبذل جهودًا كافية، وما أكد ذلك هو أن متحدثًا باسم المفوضية الأوروبية، منذ ساعات، أن «هناك موجة من المعلومات المضللة وخطاب الكراهية تستهدف أوروبا». وأوضح أن الأخبار الكاذبة الأخيرة تطعن فى شرعية انتخابات الاتحاد الأوروبى، وتشكك فى سلطة البرلمان، وتستغل قضايا الهجرة واللجوء السياسى. ولا مانع هنا من الإشارة، مجددًا، إلى الدراسة الصادرة عن معهد «ماساشوستس» الأمريكى، التى أكدت أن الأخبار الكاذبة تزداد نسبة إعادة نشرها على شبكات التواصل الاجتماعى بنحو٧٠٪ مقارنة بالأخبار الصحيحة.
بعد انتخابات البرلمان الأوروبى، ستشهد الأشهر المقبلة انتخابات فى بلجيكا، الدنمارك، استونيا، فنلندا، اليونان، بولندا، و.... و.... وسيتكرر غالبًا توجيه الاتهامات لروسيا والصين، أو الصين وروسيا، باستخدام شبكات التواصل الاجتماعى، حساباتها، صفحاتها، ومجموعاتها، المزيفة أو الوهمية، للتأثير فى سياسات وانتخابات تلك الدول عبر نشر محتوى مزيف، مضلل، أو كاذب. مع أنه ثبت بشكل قاطع، وبأدلة ثابتة، وباعتراف شبكات التواصل الاجتماعى ذاتها، أن الشركات والمؤسسات، التى تلهو وتلعب، غالبيتها أمريكية، بريطانية، و... و... إسرائيلية!.