رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الله.. قصة قصيدة مجهولة لـ«شوقي»

جريدة الدستور


ليلتها كان حفل زفاف ابن أمير الشعراء، وجاءت أم كلثوم وقدم لها شوقى كأسًا من الخمر، فردته أم كلثوم بحزم وانفعال، قال شوقى فى دهشة: هل هذا معقول.. هل توجد فنانة لا تشرب؟.. قالت أم كلثوم: أنا. وحمل شوقى رد أم كلثوم وترك حفل زفاف ابنه وخلا إلى نفسه وولدت قصيدة «سلوا كئوس الطلا» التى غنتها أم كلثوم بعد وفاة شوقى، كما غنت من روائعه الخالدة همزيته النبوية «ولد الهدى»، و«نهج البردة»، و«إلى عرفات الله»، و«سلوا قلبى»، وغيرها من القصائد التى خلدتها أم كلثوم بصوتها لأمير الشعراء، هذا فضلًا عن قصائد مجهولة لشوقى لم يضمها ديوانه كقصيدته عن «الله» وقصيدته «نجد وأيامنا هازلة» التى نعرضها بخطه منذ اكتشافها لأول مرة قبل «84» عامًا.. فهل هناك تناقض بين سلوك شوقى وموقفه من النظرة الدينية؟.. يجيبنا الباحث د.السيد فهمى الشناوى أن شوقى فى شبابه كان يتأسى بالشاعر أبونواس حتى إنه سمى داره «كرمة ابن هانئ»، وكان له فى ذلك عذر الشباب والفراغ ونشأته فى قصر العزيز-الخديو- وزواجه من ثرية، ومخالطته للأثرياء، وكل هذا يفسد الناس ويحولهم إلى سكارى ومنحلين، ولكن مع شوقى ماذا حدث؟ يقول شوقى نفسه معبرًا عن حاله شعرًا:
ومن يغتر بالدنيا فإنى.. لبست بها فأبليت الثيابا
إن جل ذنبى عن الغفران لى أمل.. فى الله يجعلنى فى خير معتصم
هذا التحول الواضح لم يتم على يد مرشد أو رائد، ولكنه المعدن النفيس الكامن فى شوقى نفسه ومقدرته النادرة جدًا التى تعود إلى ضمير حى لا يموت وإن غفا أحيانا، فهذا التغير من لهو الشباب إلى تصوف الشيوخ، ومن أبى نواس إلى البوصيرى، كان واضحًا فى مسائل أخرى كموقفه من تحرير المرأة، فكان يدعو إلى الحجاب فى أول حياته، وكذلك كان قاسم أمين فى أول أمره، يقول شوقى معبرًا عن موقفه الأول:
حرصى عليك هوى.. ومن يحرز ثمينا يبخل إن طرت عن كتفى.. وقعت على النسور الجهل
ثم عندما اقتنع بالعكس وبرفع الحجاب قال:
هذا رسول الله لم.. ينقص حقوق المؤمنات
العلم كان شريعة.. لنسائه المتفقهات
رضن التجارة والسياسة.. والشئون الأخريات
وقد صار شوقى، رغم نشأته الأرستقراطية، شاعر مصر والإسلام والعرب وحركة الشرق للتحرر من الاستعمار، وبناء الكيان السياسى والاجتماعى والاقتصادى الجديد، وإن رأى الأديب والمفكر أنور الجندى أن الجانب الخالد الذى يبقى على الزمن هو جانبه الإسلامى، وهو على ضآلة حجمه سار فى الناس مسار الأناشيد، وجرى على كل الألسنة وخاصة قصيدة «نهج البردة» التى عارض بها بردة البوصيرى وبردة البارودى وتفوق عليهما «ريم على القاع بين البان والعلم، أحل سفك دمى فى الأشهر الحرم»، وكانت كذلك قصيدته «إلى عرفات الله» من القصائد التى هزت النفوس، فإذا أضفنا إليها قصيدة «سلوا قلبى غداة سلا وتابا» لوجدنا أن شوقى قد كون جناحًا إسلاميًا عامرًا فى شعره جرى على ألسنة الناس وأشاع فيهم المفاهيم الإسلامية بأسلوب عربى بليغ.
ولقد هزت كلماته فى قصيدته: «الرحلة إلى الأندلس» النفوس: «اختلاف النهار والليل ينسى.. اذكرا لى الصبا وأيام أنسى». فإذا أضيف إليها قصيدته فى مسجد أيا صوفيا، تكشفت تلك العارضة القوية فى المضامين الإسلامية، وهناك قصيدته الرائعة فى رثاء عمر المختار: «ركزوا رفاتك فى الرمال لواء.. تستنهض الوادى صباح مساء»، وكذلك قصيدته التى سجلت سقوط الخلافة والتى تهز النفس، ولطالما استشهد بها الخطباء والكتاب فى هذه الفترة، وما زال شوقى حاضرًا فى قضايا كثيرة كقصيدته عن الإسراء: «يتساءلون وأنت أكرم مرسل، بالروح أم بالهيكل الإسراء»، ثم يجيب قائلا: «بهما سريت» ردًا على الذين قالوا إن الإسراء بالروح فحسب.

لكن أين شوقى الإنسان من شعره الذى يعلى من قيمة القيم والأخلاق التى هى من تعاليم الإسلام وقيمه التى تغنى بها فى شعره؟، وهل كان من الذين يقولون مالا يفعلون؟.
قدم لنا سكرتيره الخاص أحمد عبدالوهاب أبوالعز صورة إنسانية من قريب، من خلال ملازمته له فى بيته وخارجه، فى كتابه الوثيقة «اثنا عشر عامًا فى صحبة أمير الشعراء أحمد شوقى»، حيث يذكر أنه عقب وفاة والده قال له شوقى: اعتن بوالدتك، ولا تهمل لها شأنا، وسلها دائمًا عن طلباتها، لأنه ليس للإنسان فى الدنيا أخلص من والديه، وأكثرهما حنانا الوالدة- ثم قال- إنى شعرت بصدمة عنيفة أثرت فى أعصابى للآن عند مفارقتى الوطن سنة 1915 وبعدى عن والدتى، فقد تركتها هنا فى مصر لرغبتها، ولكنى لم أنسها يومًا واحدًا.
وحينما نعيت إليه أمه وهو لا يزال فى غربته وصف ما حدث له «فوقعت على المقعد هامدًا محبوس الريق، ممسوك الدمع، ولم أبك إلا بعد ساعات»، ويحكى سكرتيره موقفًا عجيبًا عندما مرض أبوه وكان نفسه يأكل برتقال بلدى، فصمم أحمد شوقى أن يخرج معه بحجة التريض للحصول على طلب والده، وظل يبحث معه فى شوارع القاهرة حتى الواحدة صباحا، حتى وجدا البرتقال.
وكانت لشوقى أخت واحدة تنازل لها عن حقه فيما تركه والده من ميراث، ولم يكن يغضب أحدًا من أهله، وكان دائما يحضهم على البشاشة ومقابلة الناس بالابتسام، وكان يقول: الابتسامة نصف الكرم، وفى أواخر أيامه كان يقول: إن أكثر ما يخيفنى الآن من الموت انزعاج أولادى. كما كان يحسن معاملة خدمه، فيعالجهم إذا مرضوا، ويزيد مكافأتهم إذا قاموا بإجازاتهم، وينتحل الأسباب ليعطيهم نقودا، وما قام خادم بواجبه إلا قال له: متشكر، ومَن عجز منهم عن الخدمة لكبر سنهم خصص لهم رواتب شهرية، وكان محبًا لأصدقائه إلى درجة أنه كان يمر على بعضهم ظهرًا وهو فى طريقه للمنزل عله يتمكن من أخذ من يأكل معه، وإذا جلس فى محل جروبى أو ليبتون وجاء أحد أصدقائه كان يجعله يطلب ما يريد.
ورغم العيشة الرغدة التى كان يعيشها شوقى، فلم يكن أبدًا ينسى يوم النهاية، حتى إن سكرتيره فوجئ به ذات يوم يسأله فى حضور الموسيقار عبدالوهاب: إلى كم قبر ينقسم منزلنا هذا؟ - ولم يدع لسكرتيره فرصة ليبعد عن هذا الحديث، حتى وجد أن مساحة قصره تكفى لبناء خمسمائة قبر، وقال: «انظر إلى الإنسان ما أكثر طمعه فى الحياة».
وكان شوقى حريصًا فى أيامه الأخيرة أن يقرأ له سكرتيره القرآن الكريم بصوت مرتفع، وأن يقرأ له بعض كتب التفسير وبعض كتب الإمام الغزالى وسيرة النبى محمد صلى الله عليه وسلم، وحينما وصل إلى قصة وفاته بكى، ومن بكائه بكى سكرتيره أيضًا، وكان شوقى حريصًا على أن يؤكد لسكرتيره: «لقد حاسبت نفسى، وأحمد الله على أن جعلنى ذاكرًا دينى ووطنى».
ولم يكن ما تركه شوقى من تراث مجرد شعر قام بتنسيق جمله تنسيقًا موسيقيًا، ولكن كان له إلهام- كما يصفه كامل الشناوى معللًا ذلك قائلا: «الشاعر الملهم يعتقد أن انفعالاته الذهنية والنفسية إنما هى وحى من قوة ذات قداسة، وليس من حقه أن يتصرف فى التعبير عن هذا الوحى، فيضع كلمة غير الكلمة ولو كانت الكلمتان متشابهتين، بل يجب عليه أن يقول الكلمة نفسها، ولو كلفه ذلك أن يعانى من الألم والإرهاق والعذاب، ما يفوق طاقته.
ويضيف الشناوى- كشاهد عيان على حالة شوقى وهو يبدع أشعاره- كان يخيل لى أنه مجنون أصيب بغتة «بنوبة صرع».. كان يجلس بيننا، ثم يقفز من مكانه إلى مكان آخر، ويخرج من جيب سترته علبة السجائر ويكتب فيها كلمات، ويعود إلينا أو نلحق به، والعرق يتصبب من جبهته، وعيناه مغرورقتان فى لمعان أشبه بالدموع، وأنفاسه لاهثة، وكانت هذه الحالة تنتاب شوقى طيلة معاناته فى نظم إحدى قصائده، فإذا فرغ من تسجيل خواطره ساعة فساعة، ويومًا بعد يوم، وضع رأسه بين كفيه، وأملى القصيدة كاملة على أحد المقربين إليه، ثم يعود إلى مراجعة الأوراق والقصاصات التى سبق أن سجل فيها خواطر القصيدة، فإذا ما أملاه عن ذاكرته لا يكاد يختلف عما سجله فى بضعة أيام متفرقة إلا فى كلمة أو كلمتين.
وليس أعجب من أنه كان يؤلف مسرحياته الشعرية فى وقت واحد، كما يحكى سكرتيره الخاص أحمد عبدالوهاب أبوالعز: «كان يملى علىّ ما ينظمه فى رواياته الأربع: قمبيز، على بك، البخيلة، هدى. وقد كان يشتغل فى الأربعة معًا، فيملينى قائلًا: اكتب فى رواية قمبيز، ثم إذا انتهى يقول: اكتب فى على بك.. إلخ، وربما انتهى من الإملاء وقال: انتظر قليلا فربما يأتى شىء. وقد كان يحدث كثيرًا أن يدخل زائر أو زائرون فيحدثهم ويحدثونه حتى إذا انتهت الزيارة التفت إلىّ وقال: اكتب. فيسرع فى الإملاء كأنه لم ينقطع، وكان إذا شغلته أشياء عن قصيدة طلبت منه ولم يتذكرها إلا قبل ميعادها بساعات، ابتسم وطلب أن يتناول صفار ثلاث بيضات يشربها نيئة ثم يبدأ فى النظم، فلا تمضى ساعة حتى تكون القصيدة فى يد طالبها، وكنا إذا حضرنا تمثيل إحدى رواياته يطلب منى متابعة أخطائهم لألفتهم إليها، وكثيرًا ما كانت تفوتنى فيلفتنى هو إليها، ثم تزداد دهشتى حينما ترخى الستارة فيملينى أكثر من عشرين بيتا لإحدى رواياته الأخرى، أو فى قصيدة طلبت منه. كنت أدهش لحرصه على سماع إلقاء الممثلين، فى الوقت الذى هو ينظم الشعر، وسألته مرة فى ذلك، فقال: الخطأ ينبهنى لأنه كالمسمار فى الأذن».
وعلى كثرة ما ترك شوقى من إنتاج ضمنه ديوان «الشوقيات»، إلا أن كثيرًا من إبداعاته ظلت بعيدة عن التناول حتى جمعها من بطون الصحف د. محمد صبرى السربونى فى كتابه «الشوقيات المجهولة» التى تجاوزت الثلاثة آلاف بيت من الشعر، ومع ذلك ظلت قصائد أخرى مجهولة كقصيدة شوقى التى جعل عنوانها «الله» ونشرها فى مجلة «الهلال» عدد مايو 1924، وقصيدته «نجد والدنيا هازلة» والتى نشرت بخط يده بعد وفاته بمجلة «مجلتى» عدد 1 مارس 1935.

القصيدة الأولى: الله
الحق حجته هى الغراء.. هيهات فى فلق الصباح مراء
لا يطلبن الغاية الشعراء.. لو نال كنه جلالك الكبراء
آبت به «سيناء» و«الإسراء»
الوهم يبعد فى الظنون ويقرب.. والعقل فيك مسافر متغرب
والفكر يهرب حيث أنت المهرب.. والنفس غايتها إليك تقرب
وقصارها فى عفوك استذراء
العقل أنت عقلته وسرحته.. وأحرت فيك دليله وأرحته
آتيته الحجر الأصم ونحته.. والنجم يعبد فوقه أو تحته
ماتوهم الغبراء والخضراء
«بالهند» هلكى فى الهياكل سبح.. و«بمنف» كهان لكنهك سبحوا
والروم غرقى فى المحبة سبح.. «سقراط» مغدو عليه مصبح
فيك الزعاف ومنه الاستمراء
حيران يذهب فى السماء ويبحث.. ويثير وجه الأرض عنك ويبحث
ويلوذ بالأنواء حين تحثحث.. ويحس ما هالوا التراب وما حثوا
بيد تميت العالمين وراء
سلك السماء إلى سنائك معرجا.. والأرض نحو كريم سرك مدرجا
والوهم فيك إلى الحقيقة مخرجا.. علمته أخذ الأمور تدرجا
أصل الحقائق كلها استقراء
فى الدهر إذ هو ناهض لم يشرخ.. وإذ القدامى فى حلوم الأفرخ
لمح الشقى يد العناية والرخى.. خفضا الجناح لمستغاث مصرخ
يشكى البلاء إليه والضراء
موسى على «سينين» أعشى أرمد.. هو والجبال وأرض «مدين» همد
ودنا فخر إلى الجبين محمد.. ومضى سليمان ووجهك سرمد
يعنو له الأملاك والأمراء
بجلاله أضحى الجمال تعوذا.. وغدا الجمال على الجلال استحوذا
يأوى إلى سبحاته هذا وذا.. وتطيف أصناف المحامد لوذا
ماذا ينال المدح والاطراء
بيمينك الملك الذى لا يحصر.. خلت الممالك دونه والأعصر
وصحا الملوك من الغرور وأقصروا.. كسرى وهارون الرشيد وقيصر
تحت التراب أذلة فقراء
ولك القضاء غراره ومحزه.. لا شىء فى هذا الوجود يعزه
ترمى به ركن الثرى فتفزه.. تتناثر التيجان حين تهزه
وتمزق الشهباء والخضراء
أما الملائكة الكرام فقبس.. لبسوا الحلى الحسنى وأنت الملبس
وعلى التحية والثناء تحبسوا.. خشعوا فلم يجزوهما أو ينبسوا
إلا كما يتخافت القراء
ينزون بين مجنح ومريش.. نزو الفراش وما هم بالطيش
حول الضياء الحاشد المتجيش.. ويجررون من الغلائل ما يشى
سر النعيم وتنسج السراء
عرش على إم العلى منصوصه.. من جوهر الحق المبين فصوصه
جبريل وهوبه القديم خصوصه.. ملقى الجناح إزاءه مقصوصه
والرسل من أن يدعوه براء
فى منزل فوق الحساب وفرضه.. عال على مسرى الخيال وقرضه
فى طوله يفنى المكان وعرضه.. ما فى سماء الكون أو فى أرضه
مرداء تشبهه ولا شجراء
وكأنه نون يراعك خطها.. قد وفيت من حسن صوغك قسطها
لما أراد لك ابتداعك نقطها.. أعلاك فى السمت الأتم وحطها
قم فأنت النقطة الزهراء
العلم ثم ضنائنا وحفائظا.. والعز ثم حقائقا وحفائظا
مجد أمات بك المكابر غائظا.. فأتاك مبذول المقادة فائظا
حيران ليس لدائه إبراء
عن هذه الأنوار يعشى يوشع.. فمن الرئيس وعلمه المتشعشع
أو من أرسطو والمشاة الخشع.. عصفت بهم ريح البلى فتقشعوا
ورحت رحاها فيهم الغبراء
لبسوا النبوغ من العناية مسبغا.. فتخيلوا وزها الذكاء النبغا
ما من أدل بما وهبت كمن بغى.. والناس ذو رأى وآخر ببغا
تحكى وتنقل عندها الآراء
يارب مدنى من حماك مشنف.. ورهين دون بابك مدنف
حارا من السر الخفى بنفنف.. سر جلالك صانه فالسين فى
يمنى يديه وفى الشمال الراء
بحر المحبة فوق باع الزورق.. والفلك إن تذهب ذراعا تخرق
فاجعل شراعك فيه عينك وافرق.. كم فى تراقى الموج من يد مغرق
قبلت وأخرى حظها الاعراء
كم آية لك لم يجدها المشرك.. غراء بالبصر المجرد تدرك
فلك منوط فى الفضاء محرك.. هل ثار فيه من الثوابت مبرك
أم عى سيار به سراء
ذو الرمح فيه على وداد الأعزل.. والفرقدان عن اللداد بمعزل
ويد الغزالة فوق أشرف مغزل.. والبدر كل ملاوة فى منزل
حتى تحل شراكه العفراء
النمل ينجد فى المعاش ويتهم.. عن أى رأى أو فؤاد يفهم
لب يضل مكانه المتوهم.. لولا يد تحدو وهاد ملهم
لم يبد منه الحزم والنكراء
والرزق سر لم ينل مكنونه.. ضفنت به كاف السماح ونونه
كذب الحريص وحرصه وفنونه.. ستعوده سوداؤه وجنونه
مادامت البيضاء والصفراء
فرعون لم يخلد ولا أشباهه.. لم يغن عنه من البناء نباهه
ملأ أتاك عتيه وسباهه.. نزلت على حكم التراب جباهه
وكذا يكون الحكم والاجراء
بالموت أذللت النفوس وبالهوى.. وقهرت من وطئ التراب ومن هوى
والنجم لو سرت الحياة به هوى.. وانحط عن أوج الهواء إلى الهوى
يبكى عليه الأهل والعشراء
لم يأل داود الصلاة مثانيا.. ويسوع دمعا والبشير مثانيا
وتنور الوادى ربى ومثانيا.. فسما الكليم فما توسم ثانيا
أنى لك الشركاء والنظراء

القصيدة الثانية بخط يده: نجد وأيامنا هازلة
نجد وأيامنا هازلة.. ونهلك حرصا على الزائلة
ونذهب فى الحقد أو فى الهوى.. مذاهب بعد غد باطلة
يغيرها دوران الزمان.. ونقلة حالاته الحائلة
وكم فى هوى النفس من آفة.. وفى غضب النفس من غائله
ولولا النظام وسلطانه.. لقطعنا الطريق على السابله
ولم ينفع الخلق عند الزحام.. ولم تدفع الشيمة الفاضلة
وما أحوج الركب ركب الحياة.. إلى ما تلهى به القافلة
فراح تقل عليه الهموم.. وتقصر ساعاتها القاتلة
ونغنمه راحة فى الفراغ.. على تعب العيشة الشاغلة.