رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجرأة بعظمة.. شجاعة الضعف


فى خطابه الشهير بالمواطنة، قال الرئيس السابق للولايات المتحدة تيودور روزفلت «ليس الاعتبار لمن ينتقد، ولا لمن يتشدق عن الرجل الشديد كيف تعثر، أو عن صاحب الأفعال ليته أحسن فيها. إنما التقدير كل التقدير لذلك الرجل فى الميدان حقًا وصدقًا، ذاك الذى خالط جبينه الغبار والعرق والدم، ذاك الذى يكافح ببسالة، من يخطئ ويجانب الصواب، من يكبو مرارًا وتكرارًا، لأنه لا جهد بلا خطأ أو تعثر، ولكنه وبكل تأكيد يناضل لأداء الأعمال، هو ذاك الذى اصطبغ بالحماس الكبير والإخلاص العظيم. من يهب نفسه لقضية نبيلة، فهو فى أحسن الأحوال يعلم أن النصر فى نهاية المطاف للإنجاز العظيم، وفى أتعس الأحوال إذا ما فشل فقد فشل على الأقل مع الجرأة بعظمة، ولذا فإن مقامه لن يكون أبدًا مع أصحاب النفوس الباردة المرتعدة التى لا تعرف نصرًا ولا هزيمة».
هذه العبارات اشتهرت فيما بعد باسم «الرجل فى الحلبة» حيث تثمن كلمات روزفلت الخوض فى غمار الحياة بجرأة وإقدام وترك الخوف والتردد، فالقيمة ليست لمن يقف على الشاطيء بل لمن يسبح فى عباب البحر أو يصارع فى حلبة الوجود.
وقد تأثرت الباحثة الاجتماعية الأمريكية دكتور برينيه براون بهذه العبارات، وأكدت أن دراساتها وبحوثها حول الضعف والخزى تسير فى طريقها الصحيح، فأصدرت كتابها «الجرأة بعظمة، شجاعة الضعف»، وتوضح براون كيف أن الضعف هو جوهر المشاعر الصعبة مثل الخوف والحزن والإحباط، فكلنا يعترينا الضعف من حين لآخر، وتكمن الجرأة فى تقبل ضعفنا هذا، وتقبل حقيقة أن نكون منكشفين تمامًا، وأن نقبع فى غرفة التعذيب التى يطلق عليها عدم اليقين.
وتسلط «براون» الضوء على الكثير من المشاعر المشتركة بين البشر جميعًا بما فى ذلك الخوف من الفشل والشعور بعدم الكفاية، وتوضح لنا كيف يمكن أن تندثر هذه المشاعر عند تحقيق إنجاز فى التعليم، وفى العمل، وفى المنزل، إنها توضح أيضًا كيف يمكن تحويل هذه المشاعر السلبية لمساعدتنا على عيش حياة أكثر إخلاصًا، تملؤها الشجاعة والالتزام والغاية..
وتدعونا الكاتبة إلى أن نكون أكبر من القلق، والخوف، والخجل إذا أردنا التحدث، والعمل، والظهور، وتشير إلى أننا نصبح أقوياء عندما نتبنى الضعف، وتزداد جرأتنا عندما نعترف بخوفنا.. فالخوف يستمد قوته من عدم الحديث عنه، وهذا يفسر حبه لمنشدى الكمال، حيث يسهل جدًا إبقاؤنا صامتين، وتفكك الكاتبة الاشتباك بين الخزى والشعور بالذنب والإهانة والحرج، فالشعور بالذنب أى أننى فعلت شيئًا سيئًا، أما الخزى فأنا سيئ، ولكى تتعافى وتتعاطف من الخزى عليك بالخطوات الأربع التالية وهى التعرف على الخزى وفهم مثيراته، وممارسة الوعى النقدى، والتواصل مع من حولك، والتحدث عنه.
فمن الأساطير أن تعتقد أنك لا تقبل الضعف، وأنه يمكننا الاستمرار دون المساعدة من أحد. كل ما علينا أن نعرض مخاوفنا وهواجسنا للضوء كى نميت كل الأشباح.
إن كتاب «الجرأة بعظمة، شجاعة الضعف» هو دليل للتعامل مع هناتنا ونقاط ضعفنا دون أن نضخمها فتبلعنا أو نتجاهلها فتطعننا من خلف ظهرنا فى مقتل.