رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصير الحرب الأمريكية الإيرانية وتأثيرها على دول الجوار

جريدة الدستور

لا يعد الصراع الأمريكي الإيراني وليد الساعة، فالتاريخ يشهد على تدهور تلك العلاقات منذ قيام الثورة الإيرانية وسقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي عام 1979، لتبدأ موجة لا متناهية من الحروب التجارية والاقتصادية.
ويعود تاريخ اضطراب العلاقات بين البلدين إلى الأزمة الشهيرة، التي احتجز فيها موظفي ودبلوماسي السفارة الأمريكية بطهران وتم اتخاذهم كرهائن، لتكتب أولى خطوات التعثر في العلاقات بين البلدين والتي لم تخرج من نفق إلا لتذهب إلى آخر أكثر ظلمة.
حتى جاءت موافقة الولايات المتحدة على الاتفاق النووي المبرم مع إيران من قبل مجموعة (5+1) "أمريكا، بريطانيا، روسيا، فرنسا، ألمانيا، الصين" في 2 أبريل عام 2015 في عهد الولاية الثانية للرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" لتخفف من وتيرة الخلاف بين الدولتين.
إلا أن إيران لم تلتزم ببنود قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، حيث خاضت في برامج التجارب الصاروخية الباليستية، كما تورطت في علاقة غير شرعية مع الحوثيين من خلال تزويدهم بالصواريخ الباليستية، إلى جانب محاولاتها المستمرة في تمويل الإرهاب والتدخل في شؤون الدول العربية.
وبناء على ما سبق قررت الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخروج من الاتفاقية النووية وفرضها إجراءات اقتصادية أودت بالعملة الإيرانية "التومان" إلى الهاوية، إلى جانب حظر بيع النفط الإيراني و تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، ما شكل ضربة مؤلمة للنظام الإيراني، حيث يسيطر الحرس الثوري على مفاصل الدولة الايرانية، إضافة إلى حيازته ما يقارب ثلث الاقتصاد الإيراني.
وتطور الأمر ليصل إلى حشد قوة بحرية وجوية ضاربة، تنفيذا لاستراتيجية "الضغوط القصوى" التي أعلنتها إدارة ترامب لمواجهة الخطر الإيراني، عقب سلسلة من التهديدات أطلقتها إيران، ليبقى السؤال الدائم هل ستتحول الحرب التجارية إلى مواجهات عسكرية حقيقية أم سيكن هناك بدائل لتك الحرب.
وفي هذا الشأن، نفى البروفيسور الأمريكي جيسون براونلي، أن تتصاعد التوترات بين البلدين من ضغط اقتصادي إلى صراع مسلح، إلا أنه أشار إلى ضرورة أن يبقى احتمال وصول الأمور إلى تلك المرحلة أمرا ممكنا.
وأضاف الأستاذ بجامعة تكساس، لجريدة الدستور: "يبدو أن الرئيس ترامب أكثر ميلًا للتهديد ثم التفاوض (كما فعل مع كوريا الشمالية والحكومة السورية) من اختيار التدخل العسكري".
وعن توفير بدائل أخرى للحرب التي تلوح كلا البلدين بالاستعداد لخوضها، قال البروفيسور براونلي صاحب كتاب اتجاه الديمقراطية: " يوجد بالتأكيد بدائل للنزاع المسلح، ففي حال كان هدف الولايات المتحدة هو إبطاء أو وقف تطوير إيران للأسلحة النووية، فبإمكان إدارة ترامب إما الانضمام إلى الصفقة النووية الأصلية " خطة العمل الشاملة المشتركة" أو التفاوض على اتفاق جديد يحقق الشيء نفسه.
"وفي حال استمر الوضع بين البلدين في حالة الترهيب والتنديد والتلويح بالحرب ورفع العقوبات أو رفضها، فبالتأكيد المتضرر الأول والأخير هي الدول الواقعة في تلك المنطقة، خاصة العراق والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلا أن الخلافات التي أقحمت إيران تلك الدول بها قد لا تؤدي إلى سعيها للعمل كوسيط بين الدولتين، إلا إذا غيرت إيران سياستها، فيمكنهم أن يلعبوا دورا إيجابيا" وفقا للبروفيسور الأمريكي براونلي.
وتعد العراق أكثر الدول تضررا من تلك الأجواء المشحونة التي تشهدها كلا من الولايات المتحدة وإيران، فيستمر الموظفون الغير رئيسين بالسفارة الأمريكية في بغداد وحتى في قنصليتها بأربيل بمغادرة البلاد، إلى جانب مغادرة موظفو شركة أكسون موبيل الأمريكية العملاقة والعاملة في حقوق جنوبي العراق، أماكن عملهم عقب تهديدات وشيكة من قبل من تسميهم أمريكا "بميليشيا مدعومة إيرانيًا في العراق"، إلى جانب استغلال العراق لتصعيد عملياتها الإرهابية ضد أمريكا كاستهداف سفاراتها.
ويقول المحلل السياسي العراقي علي فضل الله، إن العراق سيختار دور الوسيط في تلك الحرب الاقتصادية القائمة بين الدولتين وإن كانت مصالحه مع إيران تجبره على الانحياز إلى طهران بسبب فتح الأخيرة سوقها التجارية والاقتصادية للعراق في الفترة الأخيرة.
ويعد قوة التواجد الإيراني في العراق أمر مقلق كثيرا للولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الحكومة العراقية تحاول التعايش مع هذا التوتر والثبات على موقف محايد، حيث تكتفي بدور الوسيط الذي يحاول أن يهدأ من وطأة الأزمة بين البلدين.
ويأكد فضل الله، أن مبدأ التعامل العسكري الأمريكي مع العراق بسبب التواجد الإيراني ليس من ضمن مخططات أمريكا، التي ربما تسعى فقط لضرب أذرع إيران المتنفذة في العراق وكبح الهلال الشيعي في كل من لبنان واليمن، ما يفقد إيران إمكانية الحرب بالإنابة".
والعراق الذي يتميز بالتعددية الطائفية وتعد غالبيته من الشيعة، إلى جانب حدوده مع طهران والتي تصل إلى 1300 كم فقط، بالإضافة إلى استغلال إيران للظروف الاقتصادية الصعبة التي عانتها الدولة العراقية عقب الاحتلال الأمريكي وبسطت نفوذها بسرعة وبعمق كبيرين، أصبح بلد الولاءات المتعددة، كما يصفه المحلل السياسي فضل الله.
ويوافق البروفيسور الأمريكي براونلي الرأي ذاته، مشيرا إلى أن العراق سيحتفظ بدور الوسيط في تلك الحرب الباردة، كما أكد أن دول الاتحاد الأوروبي أيضا سترغب في تجنب الحرب الإيرانية الأمريكية، وستُفضل أن تنضم الولايات المتحدة إلى خطة العمل المشتركة، والتي تسعى جاهدة لإقناعها بذلك.
وخطة العمل الشاملة المشتركة، هي مستند اتفاقية المراحل الأخيرة للنقاشات بين إيران حول برنامجها النووي ودول الـ5+1 "الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا"
وتبنى الاتفاقية على اتفاق جنيف الابتدائي الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، الذي كان اتفاقًا مؤقتًا أنشأ في 24 نوڤمبر 2013، وفيه وافقت إيران على التخلي عن أجزاء من خطتها النووية مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها.