رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إنصاف جديد لأشرف مروان


لم يكن أشرف مروان جاسوسًا للإسرائيليين أو عميلًا مزدوجًا، بل كان ضابطًا مصريًا وطنيًا، بشهادة اللواء محمد عبدالسلام المحجوب، ولأسباب كثيرة عرضنا بعضها فى سياقات مختلفة، رأينا أن بإمكانك ترجيح عمالة «الموساد» لحساب الرجل، والقطع بلا إمكانية، أو باستحالة، حدوث العكس، واليوم تم قطع أى شك، بشهادة رئيس مصر الأسبق، الذى ما عاد يفصله عن القبر إلا بضع خطوات، والأعمار طبعًا بيد الله.
المحجوب، وزير التنمية المحلية الأسبق، كان ضابطًا فى المخابرات العامة المصرية، وتولى تدريب وتشغيل مروان قبل دفعه لاختراق الموساد، وسبق أن أدلى بشهادته عدة مرات، نقل عادل حمودة إحداها منذ سنوات، كما نقلها أيضًا جمال طه فى سبتمبر الماضى، وقت عرض فيلم «الملاك»، أما شهادة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، فجاءت فى حوار نشرته جريدة الأنباء الكويتية، أمس الإثنين، وقال فيها بالنص: «أنا بالطبع لحد أبريل 1975 كنت فى القوات المسلحة، ويوم لما السادات تقابل معى فى استراحة القناطر علشان يبلغنى باختياره لى كنائب له دار بيننا حديث طويل، هو حدثنى عن تاريخ يوليو 1952، ثم تحدثنا عن حرب أكتوبر، وهنا قال لى السادات إنه كان بيرسل أشرف مروان للندن؛ عشان يقابل الإسرائيليين ويديهم معلومات مضللة، إذن يقينًا السادات كان يعلم بكل لقاءات أشرف مروان بهم فى لندن، هو كان مكلفًا من السادات نفسه، دى شهادة للتاريخ، أنا سمعتها من الرئيس السادات شخصيًا».
مبارك كان يجيب على سؤال بشأن ما ورد فى كتاب، لم يرد ذكره، فى السؤال أو الإجابة، لكن ما تلا تلك الفقرة، يؤكد أنه كتاب «الملاك- الجاسوس الذى أنقذ إسرائيل»، الذى سبق أن أوضحنا كيف أن الرتق فيه اتسع على الراتق، أى على المؤلف أورى بار جوزيف، وقلنا إنه مع فيلم «الملاك- The Angel»، عبارة عن حلقتين فى «خطة الانتقام» الإسرائيلية من حرب أكتوبر وأبطالها، بين حلقات أو محاولات كثيرة، شارك فيها طيبون وأوغاد، من هنا وهناك، للضغط على المخابرات المصرية حتى تكشف حقيقة الدور الذى قام به أشرف مروان، وتجيب عن السؤال الذى كان الإسرائيليون وما زالوا عاجزين- على الأرجح- عن الإجابة عنه، هل كان عميلًا لهم، أم عميلًا مزدوجًا قام بتضليلهم؟ قطعًا كانت صدمتهم مضاعفة حين خرج المحجوب عن صمته وأكد أنه كان ضابطًا وطنيًا أو عميلًا مصريًا خالصًا.
تقييمك للفيلم أو تقييم «أى حد بيفهم» لن يخرج عن «تافه»، «تافه جدًا» أو «عبيط». أما لو قرأت الكتاب الذى تقول «تيترات» الفيلم إنه مأخوذ عنه، فقد يكون التقييم بين «ردىء»، و«ردىء جدًا» أو «ساقط». وسبق أن أثبتنا أن هذا التقييم ينسحب على الصيغة التى تعامل بها «الموساد» أو الأجهزة المخابراتية والأمنية الإسرائيلية إجمالًا مع هذا الملف، وليس فقط على هذا الفيلم الهزلى، الضعيف فنيًا، أو الكتاب الملىء بالثغرات والثقوب، الذى أكد الرئيس الأسبق أنه يحتوى على معلومات غير منطقية بخصوص موعد حرب أكتوبر، وكان المثال الذى ضربه هو ما زعمه الكاتب أو من استعملوه، بأن موعد الحرب كان فى أوائل 1973 وأن السادات فى اجتماع مع قيادات الجيش فى نوفمبر 1972 اختلف مع وزير الحربية و«إن ده كان مؤشرًا ومعلومة وصلت لهم على أن الحرب ستكون فى أوائل 1973».
مبارك، الذى حضر هذا الاجتماع، قال إن الخلاف كان يتعلق بقدرتنا على شن حرب شاملة فى ظل محدودية التسليح المتوفر، وبالتالى لا يمكن القول أو الاستنتاج بأن نتائج هذا الاجتماع كانت تؤشر إلى قرب بداية الحرب: «إزاى ده واحنا كنا لسه ما وضعناش خطة الحرب ولا اتدربنا عليها، كان فيه تدريب وتجهيز للمعركة مستمر ولكن الخطة المحددة للحرب وُضعت وبدأ التدريب عليها فى مارس 1973، والموعد تحدد يوم 6 أغسطس 1973 فى اجتماع بيننا وبين السوريين فى الإسكندرية» و.... و.... و.... «اللى عايز أقوله إن أى حد يقول إنه كان عارف موعد الحرب غير عدد محدود من القيادات العليا يبقى كله تكهنات، السادات واحنا فى القوات المسلحة عملنا عملية تمويه وخداع شكلت مفاجأة للعدو وكانت أحد أسباب النصر».
.. ولا يبقى غير الإشارة إلى أننا نظلم أشرف مروان حين نحاول تلخيصه فى تلك المنطقة، ونقفز على مناطق شائكة كثيرة من حياته، ونتجاهل أدوارًا شديدة الأهمية، لعبها وأجاد خلالها الرقص على الحبال وفوق خيوط الخطر الرفيعة، وتمكن من اللعب مع «والتلاعب بـ» المخابرات البريطانية، الأمريكية، الإسرائيلية، وأجهزة مخابرات أخرى، نعرف بعضها، ولا يعرفها كلها غير الله، والمخابرات العامة المصرية.