رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الصين في مرمى العقوبات الأمريكية.. جوجل تحرم هواوي من تطبيقاتها

جريدة الدستور

يبدو أن شركة "هواوي" الصينية، التي تعد ثاني أكبر شركات صناعة الهواتف المحمولة في العالم، ستكون إحدى ضحايا الحرب التجارية الحالية بين الولايات المتحدة والصين، فقد أعلنت شركة جوجل الأمريكية العملاقة، عن حرمان شركة هواوي من الحصول على التحديثات الخاصة بنظام تشغيل أندوريد للهواتف الذكية، الأمر الذي سيمنع الهواتف الجديدة التي ستصنعها الشركة من الوصول إلى متجر تطبيقات جوجل (Google play)، وكذلك البريد الإلكتروني لجوجل (Gmail)، كما أن هذا القرار قد يعني أن هواتف هواوي ستفقد التحديثات الأمنية والدعم التقني وتطبيقات مثل يوتيوب وخرائط جوجل.

قرار "جوجل" بحق "هواوي" والذي جاء تنفيذا لقرارات الإدارة الأمريكية بفرض حظر على التعامل مع عدد من الشركات الصينية في إطار الصراع التجاري الدائر بين البلدين حاليا، يعيد تسليط الضوء مجددا على شركة هواوي، التي تعد أحد أنجح الشركات الصينية على النطاق العالمي، وهي في المصاف الأول من الشركات الرائدة في الجيل الجديد من الهواتف الذكية.

وتصنف هذه الشركة، التي تأسست عام 1987 على يد ضابط سابق في الجيش الصيني، كثاني أكبر شركات إنتاج أجهزة الهواتف المحمولة في العالم بعد شركة سامسونج الكورية، حيث بلغت مبيعاتها في العام الماضي أكثر من 200 مليون هاتف محمول في شتى أنحاء العالم، وقد بدأت الشركة في تصنيع أجهزة متعلقة بشبكات الهواتف المحمولة، وحققت نموا سريعا في هذا المجال لتتفوق على نظيرتيها نوكيا وإريكسون ما جعلها إحدى الشركات الرائدة عالميا.

وفي السنوات الأخيرة دخلت شركة هواوي، التي يبلغ عدد العاملين فيها 180 ألف موظف، مجال صناعة الهواتف الذكية، لتستحوذ على 15% من السوق العالمية في هذا المجال، لتحتل المرتبة الثانية بعد سامسونج، متفوقة على شركة (أبل) الأمريكية.

وكانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد أضافت يوم الأربعاء الماضي، شركة هواوي الصينية إلى قائمة الحظر الأمريكية، الأمر الذي يمنع هذه الشركة من الحصول على التكنولوجيا من أي شركة أمريكية بدون موافقة الحكومة.

ورغم أن قرار الإدارة الامريكية بشأن الحظر على شركة (هواوي) يأتي في خضم النزاع التجاري الراهن بين البلدين، إلا أن الموقف العدائي تجاه الشركة الصينية يتجاوز المسائل التجارية إلى المسائل الأمنية، حيث تعتبر الولايات المتحدة شركة (هواوي) تهديدا لأمنها الوطني، وترى أن الشركة قد تساعد الحكومة الصينية في التجسس على المؤسسات الأمريكية.

وتقول الولايات المتحدة إن شركة هواوي، قد تساعد بكين في سعيها لجمع المعلومات الخاصة بالمواطنين الغربيين والمنظمات والحكومات الغربي، لا سيما في ظل العلاقة الوطيدة التي تربط هواوي بالجيش الصيني.. فالمدير التنفيذي للشركة "رين زينغ في" ليس عضوا في الحزب الشيوعي الحاكم فحسب، لكنه مهندس يعمل في الجيش الصيني أيضا.

ويدعي الأمريكيون أنه لو طلبت السلطات الصينية من شركة صينية ما تسليمها معلومات جمعتها في دول أخرى، فإنه لا يسع هذه الشركة إلا الامتثال لهذا الطلب.

وكانت لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب الأمريكي قد أصدرت في عام 2012، تقريرا قالت فيه شركة هواوي يمكنها اعتراض الاتصالات في حال السماح لهما بالعمل في الولايات المتحدة، كما يمكنهما شن هجمات إلكترونية على البنية التحتية الأمريكية كشبكة الكهرباء، ولذلك فإن الحكومة الأمريكية قررت منع شركة هواوي من التنافس للفوز بأي عقود حكومية أمريكية، الأمر الذي دفع الشركة لإقامة دعوى قضائية ضد هذا القرار.

كما تضغط واشنطن على حلفائها لاستثناء الشركة الصينية من المشاركة في شبكات الجيل الخامس للاتصالات فيها، مهددة بخفض مستوى تبادل المعلومات مع الدول التي تستخدم "شركات غير معتمد عليها" في خططها لاعتماد التقنية الجديدة، في إشارة إلى هواوي.

وتمنع الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا الشركات المحلية لديها من استخدام هواوي في توفير تكنولوجيا الجيل الخامس لشبكات المحمول، في الوقت الذي تدرس فيه كندا إن كانت منتجات هواوي تشكل خطرًا أمنيًا.

لكن شركة هواوي تنفي بشدة الاتهامات الأمريكية والغربية، بأنها تتعرض لضغوط من جانب الحكومة الصينية لتزويد الأخيرة بالمعلومات، ويقول مؤسس الشركة "رين زينغ في" إن الحملة التي تشنها الحكومة الأمريكية ضد شركته "تفتقر للأدلة"، مضيفا "يتكلم الجميع في العالم عن الأمن الإلكتروني ويخصون بالذكر هواوي، ولكن ماذا عن أريكسون، وماذا عن سيسكو، أليست لهاتين الشركتين وغيرهما مشاكل أمنية أيضا".

ويؤكد مؤسس هواوي أن شركته لم تُسأل أبدا من قبل الحكومة الصينية للإدلاء بمعلومات للسلطات الرسمية، وأنها شركة خاصة يملكها موظفوها، وإن علاقتها الوحيدة بالحكومة الصينية هي دفعها للضرائب، ويعتقد الصينيون أن الإجراءات التجارية والحملة الأمريكية ضد هواوي تأتي كجزء من خطة واحدة تهدف إلى كبح الصين ومنعها من الهيمنة على اقتصاد العالم.

وعن تأثير الخطوة التي اتخذتها شركة جوجل ضد هواوي، يقول خبراء في تكنولوجيا الاتصالات والهواتف الذكية إن هذه الخطوة لن تؤثر على المستخدمين الحاليين لهواتف هواوي وعلى تحديث التطبيقات التي يستخدمونها، وعلاج الثغرات الأمنية، وتحديث خدمات متجر التطبيقات، لكنهم قد لا يتمكنون من الوصول إلى أي نسخة تحديث جديدة تصدرها جوجل لنظام أندرويد مستقبلا، أو وضعها على أجهزتهم، وقد لا تحمل أجهزة هواوي التي ستصدر في المستقبل تطبيقات مثل يوتيوب وخرائط جوجل، إلا أن شركة هواوي تستطيع استخدام أي نسخة لنظام أندرويد تكون متاحة، عبر استخدام تراخيص تبيح للمطورين ما يسمى "النظام مفتوح المصدر" في لغة الحاسوب التي كتب بها.

وفي أول تعليق له على الخطوة التي اتخذتها جوجل بحق شركته، قال "رين جينفاي" الرئيس التنفيذي لشركة هواوي "نحن بالفعل نستعد لهذا الوضع"، وأضاف أن الشركة، التي تشتري مكونات تبلغ قيمتها كل عام حوالي 67 مليار دولار، ستعمل على تطوير تلك المكونات بنفسها.

وفي مسعى لطمأنة عملائها قالت شركة هواوي اليوم، إن التحديثات لنظام أندرويد ستشمل الأجهزة التي بيعت بالفعل، وتلك التي لا تزال في منافذ البيع في العالم، مضيفة أنها ستواصل بناء برمجيات وأنظمة آمنة ومحافظة على البيئة.

وتعمل هواوي بجد على تطوير معرض التطبيقات الخاص بها، بطريقة مشابهة لعملها في مجال الرقائق الإلكترونية، وذلك في محاولة منها للتحكم في مصيرها بعيدا عن الضغوط التي تمارس عليها من الدول الغربية.

وفيما يتعلق بانعكاسات الخطوة التي اتخذتها إدارة جوجل على وضع شركة هواوي، يرى خبراء تكنولوجيا الاتصالات أن الشركة الصينية قد تضر بشدة على المدى القصير، حيث ستتأثر مبيعاتها بقوة حول العالم، إذ لن يرغب مستخدمو الهواتف الذكية في شراء هاتف يعمل بنظام أندرويد، ولا يمكنه الوصول إلى متجر تطبيقات جوجل، أو تحديثات الأمان، كما أن هذه الخطوة تهدد طموح شركة هواوي، في تجاوز شركة سامسونج الكورية الجنوبية، لكي تصبح صاحبة أكبر مبيعات للهواتف الذكية في العالم، في عام 2020.

لكن على المدى الطويل، كما يقول الخبراء، قد يؤدي ذلك لإلحاق الضرر بشركة جوجل نفسها، حيث سيدفع ذلك شركات الهواتف الذكية عموما وليس هواوي فقط، للبحث عن بديل عملي لنظام تشغيل جوجل، خاصة في وقت يحاول فيه عملاق البحث الدفع بمنتجاته التجارية على حسابهم، ومن ضمنها الهواتف الذكية المنافسة.