رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاقتصاد المتدهور يهدد برامج التسلح التركية ويدمر مصداقيتها دوليا

جريدة الدستور

يلقى الوضع المالي والاقتصادي المتأزم في تركيا بظلال سوداء من التشكك في قدرة هذا البلد على الوفاء بسداد فواتير مشرياته الدفاعية ومصداقيته فى أسواق السلاح الدولية.

ووفقا للبيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة التركية بلغت البطالة ذروة ارتفاعها في يناير الماضي مسجلة 14.7 %، وإلى طوابير العاطلين عن العمل ينضم ما متوسطة 366 ألف تركي شهريا منذ بداية العام الماضي حتى بلغ عدد من فقدوا وظائفهم في تركيا بنهاية الربع الأول من العام الجاري 4.7 مليون تركى يمثل الشباب فيهم نسبة 26.7% وهي أعلى نسبة للبطالة والتردي الاقتصادي لتركيا منذ عام 1988.

ومع ارتفاع معدل التضخم في تركيا لمستويات غير مسبوقة بلغت 20 %، وارتفاع معدلات الفائدة إلى ما بين 15 و16 % دون مستوى التضخم، دفعت حالة الكساد التى يشهدها اقتصاد تركيا حاليا إلى تبنى حكومتها سياسات تقشفية بالغة الحدة مع تقليص كافة أوجه الإنفاق والاستيراد، بما في ذلك الاستيراد الدفاعي.

ويرى الخبراء أن مصداقية تركيا على الوفاء بسداد فواتير مشترياتها الدفاعية قد باتت مشكوكا فيها في ظل هذا التردي لأوضاعها الاقتصادية واتجاه التعاملات المالية إلى الدولرة على حساب الليرة التركية التي انتكست أسعار صرفها إلى أدنى مستوى، واستنادا إلى تقارير البنك المركزي التركي فقدت الليرة التركية نسبة 40 في المائة من قيمتها خلال الربع الأول من العام الجاري، لكنها عاودت الارتفاع بنسبة 28 فى المائة من هذا التراجع بسبب عمليات الحقن النقدي التى قامت بها الحكومة وهي العمليات التي تستنزف احتياطيها من النقد الأجنبي وتنذر بحالة من التذبذب السلبي اللامتناهي للعملة التركية.

وبحسب المراقبين.. كان لكل تلك الاعتبارات الاقتصادية والمالية الصعبة التي تعيشها تركيا أثرها السلبي على رؤية مخططيها الدفاعيين حول صفقات شراء الأسلحة المخطط لإبرامها وقدرة الاقتصاد التركي على تحمل فواتيرها، وبعيدا عن الأخبار الدعائية حول القدرات التصنيعية الدفاعية لتركيا ومناوراتها تقف مؤسسات الإنتاج الدفاعي التركية على شفا حالة من الإفلاس والشلل التام بسبب عجزها عن توفير موارد مالية تغطى فواتير استيرادها لمدخلات الإنتاج من الخارج.

ويعني هذا من الناحية العملية لمسئولي الدفاع الأتراك تأخر استلام صفقات التسلح من مورديه الخارجيين أو إلغاء صفقات بعينها مع تصاعد الضغط على الليرة التركية وتدهور الحالة الاقتصادية، وهو ما يؤكده الخبير الاقتصادي التركي احمد دوجان الباحث في مركز سيجما للدراسات الاقتصادية في أنقرة.

ويضيف دوجان أن أزمة الاقتصاد التركي الراهنة قد ألقت بظلال من الشكوك في قدرة الاقتصاد التركي على الوفاء بمتطلبات الإنفاق الدفاعي من الآن فصاعدا، وأشار إلى أن أزمة الانتخابات المحلية الأخيرة في تركيا والعبث بنتائجها وبخاصة في دائرة اسطنبول قد أفقدت الأتراك ذلك القدر الضئيل الذى كانوا يباهون به من المصداقية السياسية أمام الغرب، وزادت من رهان المراهنين على بدء انهيار نظام أردوغان فى الداخل وهو النظام الذي تعد اسطنبول أحد معاقله تاريخيا بعد انكشاف زيف الغطاء الديمقراطى الذي كان يشهره فى وجه منتقديه.

وبحسب البيانات الرسمية.. انخفض الناتج المحلى التركي في الربع الأخير من العام 2018 بنسبة 3 في المائة، ولا يزال هذا الاتجاه الانخفاضي سائدا إلى الآن في ظل تنامى معدلات الاستدانة للحكومة التركية بأسعار فائدة مرتفعة بلغت 17 في المائة لأذون الخزانة العامة التركية لأجل عشرة أعوام، وتشكل تلك الاعتبارات السياسية والمالية والاستدانية في مجملها عبئا طويل الأجل على الاقتصاد التركى تجعل من الصعب على هذا البلد فى نظر الخبراء الاحتفاظ بمصداقيته فى أسواق شراء السلاح.

ويقول خبراء اقتصاديات التسلح أن الحكومة التركية وشركات إنتاج السلاح التركية بات عليها فى العام 2019 سداد اثمان مشرياتها ومدخلاتها الإنتاجية بما يفوق 30 % ارتفاعا عما كانت تسدده في العام الماضى وذلك بسبب تدهور العملة التركية وهو ما يؤثر على خطط التطوير والتوسع الإنتاجي الدفاعى.

فعلى سبيل المثال.. أعلنت تركيا فى العام الماضى عن قرب انتهائها من إنتاج أول مقاتلة نفاثة محلية الصنع "تى اف – اكس" وإطلاقها فى الربع الأول من العام الجارى، لكن بسبب تردي أوضاع الاقتصاد بات هذا الأمل بعيدا وعجزت المصانع التركية عن استيراد محركات تلك الطائرات من الخارج.

كذلك أعلنت تركيا فى العام الماضى عن انتهائها من بناء أول دبابة قتال رئيسية أطلقت عليها مسمى "اليتاى" وروجت لها كثيرا معلنة نية طرحها فى الأسواق العالمية مطلع العام 2019، لكن هذا الحلم قد تبخر بسبب تردى حالة الاقتصاد التركى وأزمته المالية التي أعجزت الحكومة التركية عن توفير اعتمادات شراء محركات تلك الدبابات من الخارج.

وفى العام الماضى كذلك وعدت تركيا بإطلاق أول مروحية قتالية من إنتاجها المحلى وأطلقت عليها اسم "تى 129" وذلك مع بداية العام 2019 لكن واقع الاقتصاد التركى المتأزم حاليا أبقى تلك المروحيات في حظائرها هياكل بلا محركات وكثير من المكونات الأخرى حيث عجزت تركيا عن الوفاء بالتزاماتها المالية لشركائها في إنتاج تلك المروحية وهو تحالف اوجوستا ويست لاند الإيطالي والبريطانى المشترك الذي يدرس حاليا إلغاء تصريح الإنتاج الذى حصلت عليه تركيا لإنتاج تلك المروحيات وهى من نوعية مروحيات المعاونة البحرية.

كما تعجز الخزانة التركية حاليا عن توفير الذخائر الذكية التي اعتاد الأتراك على استخدامها فى معاركهم ضد الأكراد وشن الهجمات على معاقل الأكراد فى سوريا وشمال العراق وجنوب تركيا.

وبعد أن كانت تركيا شريكا للولايات المتحدة في برنامج تطوير المقاتلة "اف – 35" مقابل أحقية شرائها بأسعار تفضيلية، بات الاقتصاد التركى عاجزا حتى عن الوفاء بتلك الأسعار التفضيلية، وعندما حاول النظام التركى استخدام آليات الضغط السياسي والمناكفة الإقليمية لتعويض العجز المالى اللازم للحصول على تلك المقاتلات قاومت الإدارة الأمريكية بشدة بيع المقاتلات "اف – 35" للأتراك مما دفعهم الى المناورة باللجوء الى مقاتلات روسية كبديل عن المقاتلات الأمريكية، لكن واقع الحال الاقتصادى لتركيا يؤكد عجزها عن شراء اية مقاتلات سواء من واشنطن أو من الإنتاج الروسى أو من أي بلد آخر بسبب التشكك فى ملاءة تركيا المالية وقدرتها على الالتزام بسداد فواتير الشراء وأقساطه للبائعين والموردين.

كما كشف فشل محاولات الحكومة التركية للقفز على أزمتها الدولارية بإصدار ضمانات شراء للموردين العسكريين الخارجيين بالعمل التركية عن أزمة انعدام الثقة العالمية فى مستقبل الاقتصاد التركى والليرة التركية فى المنظور القريب حيث يرفض الموردين الخارجيين التعامل بضمانات سداد مقومة بالعملة التركية الوطنية واعتبارهم أن ذلك مخاطرة كبرى غير محمودة العواقب، وكذلك باتت البنوك التركية ترفض تماما منح اية اعتمادات دولارية لتغطية صفقات مصنعى السلاح الأتراك أو مستورديه من الخارج بسبب تدهور الاحتياطي النقدي التركي وتعرض كثير من المصارف التركية لحالات إفلاس بسبب عجز المقترضين من منتجي الأسلحة المحليين عن سداد مديونياتهم.