رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«يوروفيجن» وصهاينة الـ«بوندستاج»


بأغنية «أركاد»، حصل دانكن لورانس على 492 نقطة، وانتزع لبلده هولندا المركز الأول فى مسابقة مهرجان الأغنية الأوروبية «يوروفيجن» لسنة 2019، التى استضافتها «تل أبيب». وبينما احتلت إيطاليا المركز الثانى بـ465 نقطة، كان المركز الثالث و369 نقطة من نصيب روسيا. وفى ذيل القائمة، أو فى المركز الأخير، جاءت بريطانيا التى لم تحصل إلا على 16 نقطة فقط لا غير!.
كان متوقعًا ألا يقوم الإسرائيليون «إلى الأبد»، بتنظيم المسابقة أو باستضافة المهرجان، بعد أن هدّدت ميرى ريجيف، وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية، فى يونيو الماضى، بأن المهرجان «سيقام فى القدس.. أو لن يقام فى إسرائيل أبدًا». وبينما كان منطقيًا وطبيعيًا أن تطالب حركة مقاطعة إسرائيل «بى دى إس» بمقاطعته، قبيل إقامته، كان مثيرًا للدهشة والسخرية أن يقر البرلمان الألمانى (البوندستاج) قانونًا ضد الحركة، مع أن البرلمانات «الديمقراطية» من المفترض أن تنحاز إلى القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية. كما أن واجبها الأخلاقى، يفرض عليها أن تناصر العدل والحق، وتحارب الاحتلال والتمييز العنصرى.
الـ«يوروفيجن» مسابقة غنائية ينظمها الاتحاد الإذاعى الأوروبى منذ سنة ١٩٥٦. وتعد الحدث، غير الرياضى، الأكثر مشاهدة فى العالم، إذ يصل عدد مشاهديه إلى ٦٠٠ مليون. ومعروف أن الدولة ‏التى تفوز أغنيتها فى المسابقة هى التى تستضيف المهرجان فى السنة التى تليها. وعليه، صار من حق الإسرائيليين استضافة دورة ٢٠١٩، بعد أن فازوا فى دورة العام الماضى، ‏بالجائزة عن أغنية «لعبة»، ‏Toy، للمطربة نيتاع برزيلى. لكن بسبب تهديد ميرى ريجيف، كاد الإسرائيليون يفقدون هذا الحق.
وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية أعلنت وقتها أن «استضافة المهرجان ستكلف إسرائيل ٥٠ مليون ‏شيكل (١٤ مليون دولار)، والهدف منها هو تسويق الدولة. لذلك لن يكون من الصواب إنفاق كل هذه الأموال إذا لم ينعقد فى القدس». وطبقًا لما ذكرته جريدة «يديعوت أحرونوت»، فإن المنظمين الأوروبيين أكدوا لنظرائهم الإسرائيليين أنه إذا تحولت المنافسة إلى مصدر ‏صراع سياسى، فسيكون هناك احتمال كبير لإقامة المهرجان فى بلد آخر. ‏وعليه، تم إبعاد «ريجيف» عن الموضوع وإسناده إلى مسئولين فنيين أداروا المناقشات مع إدارة المهرجان.
المهم، هو أن المسابقة أقيمت فى الأرض المحتلة، وقبيل إعلان النتائج، قدمت مادونا مجموعة من أغانيها، مع فقرة استعراضية، ظهر فيها اثنان من الراقصين يرتدون ملابس تحمل أعلام إسرائيلية وفلسطينية. وبعد أن قال منظمو الحفل إن تلك الفقرة لم يتم التخطيط لها مسبقًا، أكدوا أن المسابقة ليست حدثًا سياسيًا، وأنهم أخطروا مادونا بهذا الأمر. بينما قد تواجه أيسلندا عقوبة بعد رفعها الأعلام الفلسطينية خلال البث المباشر للحفل. وقالت «يوروفيجن» فى بيان إن «عواقب هذا الإجراء» سيبحثها المجلس التنفيذى للمسابقة.
قراصنة اخترقوا البث المباشر للمسابقة، على شبكة الإنترنت، ووضعوا مشاهد مفبركة لانفجارات فى تل أبيب، تلتها صافرات إنذار مصحوبة برسالة عليها شعار جيش الاحتلال الإسرائيلى تقول «تحذير.. خطر هجوم صاروخى، من فضلكم اختبئوا». ثم لقطات جوية لتفجيرات قرب موقع الحفل مع تحذير يقول «إسرائيل ليست آمنة وسترون». وعلى الرغم من أن تلك المقاطع استمر بثها، بشكل متواصل، لأكثر من 10 دقائق، إلا أن شبكة التليفزيون الإسرائيلية الرسمية، قللت من أهمية الاختراق، واكتفت باتهام حركة «حماس»، بالمسئولية عنه، دون أن يصدر إلى الآن أى تعليق من الحركة!.
الأكثر غرابة من ذلك، هو أن المسابقة تم إقحامها، فى نقاشات البرلمان الألمانى (البوندستاج)، لمشروع قانون، أو قرار، يدين حركة مقاطعة إسرائيل «بى دى إس»، وهو المشروع أو القرار الذى تمت الموافقة عليه بأغلبية الأصوات، ما يوحى بسيطرة الصهاينة على حكومة ألمانيا وبرلمانها، وإلا ما تمكنوا من استصدار وتمرير مثل هذا القانون المخالف لأبسط القيم الديمقراطية. إذ قام هذا القانون، بتعريف حركة مقاطعة إسرائيل بأنها «ضد السامية»، و«تنفى حق إسرائيل فى الوجود» وربط بين المقاطعة والحقبة النازية التى وصفها بـ«المرحلة الأكثر بشاعة فى التاريخ الألمانى»، وكان مبرر هذا الربط هو أن ملصقات (لا تشتروا) التى تقوم حركة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية بتعليقها على واجهات المحلات، تشبه الكتابات على الجدران التى كان النازيون يهاجمون بها اليهود!.
.. وأخيرًا، لا نملك غير أن نعرب مع «المجلس الوطنى الفلسطينى»، عن أسفنا الشديد لرضوخ المشرعيّن الألمان للضغوط والأكاذيب والادعاءات غير المبينة على أسس، التى يروجها أنصار الاحتلال الإسرائيلى فى ألمانيا ضد حركة المقاطعة التى تطالب بشكل سلمى بإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية المحتلة، وإقامة دولة فلسطين المستقلة، ونيل الشعب الفلسطينى حقوقه كافة، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية.