رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. إلهام شاهين: لا حرج فى تولى المرأة منصب المفتى.. وتعيينها شيخة أزهر غير جائز

جريدة الدستور

أول سيدة تشغل منصب أمين «البحوث الإسلامية»: خطة لتدريب الواعظات
لا يوجد فكر ضال أو شاذ فى جامعة الأزهر.. والشعب رفض المتطرفين

فى خطوة نحو تمكين المرأة من أداء أدوار مهمة تجاه الوطن والمجتمع، أعلن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، مؤخرًا، تنصيب أول سيدة أمينًا عامًا مساعدًا لمجمع البحوث الإسلامية لشئون الواعظات والداعيات، وهى الدكتورة إلهام محمد فتحى شاهين، أستاذة العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، جامعة الأزهر.
«الدستور»: التقت الدكتورة إلهام شاهين فى حوار تتحدث فيه عن الأثر الاجتماعى والسياسى لقرار الإمام الأكبر بتعيينها فى منصب ظل عقودًا طويلة حكرًا على الرجال، وتكشف عن خطتها للعمل على تمكين المرأة فى مؤسسة الأزهر، وتنمية مهارات العاملات بالدعوة الإسلامية، وغيرها من الملفات.

■ بداية.. كيف تلقيتِ قرار اختيارك لمنصب الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية؟
- يقول الله سبحانه وتعالى: «لكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ»، فلم أفرح بالمنصب بل شعرت بحجم المسئولية التى كلفنى بها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وثقته فىّ وأمله فى أن أعمل شيئًا ينهض بالواعظات والعمل الدعوى للمرأة الأزهرية، وأتمنى أن أكون على قدر هذه الثقة وهذه المسئولية، وأسال الله أن أكون عند حسن ظنه.
■ هل توقعت تعيينك فى هذا المنصب من قبل؟
- لا.. لم أكن أتوقع شغل هذا المنصب أبدًا، وجاء قرار فضيلة الأمام الأكبر بتعيينى لاهتمامه الكبير بشأن المرأة، وحرصه على سد الثغرة الموجودة فى المجتمع من ندرة الداعيات وقلة عدد الواعظات وحاجتهن إلى التدريب ورفع مستواهن العلمى والعملى والتعاملى، فأراد أن تكون هناك من تختص بهذا العمل، وتكون تابعة لفضيلته مباشرة، وهى مسئولية كبيرة وأمانة عظيمة نسأل الله تعالى أن نكون على قدرها وعند حسن ظن فضيلة الأمام الأكبر، وأن نقدم شيئًا يخدم الإسلام والمسلمين.
■ كيف استقبلت العاملات فى الأزهر قرار تعيينك؟
- الأمر لم يكن مفاجئًا للعاملات بالأزهر، لذا استقبلن القرار بإحساس متزايد بالمسئولية، والرغبة فى بذل مزيد من الجهد لإثبات الذات.
■ ما دلالة اختيار سيدة فى هذا المنصب؟
- ليس هناك مؤسسة توجد فيها المرأة علميًا وتعليميًا وعمليًا وتتولى فيها مناصب مهمة مثل الأزهر الشريف، لكن كانت هناك مناصب مقتصرة على الرجال ولا يسمح فيها بتعيين النساء، لذا عمل فضيلة الإمام الأكبر على تطبيق سياسة التمكين للمرأة، فما المانع من ذلك طالما كانت ذات كفاءة، وتحلّت بصفات القيادة والريادة، وعملت على تطوير نفسها، واستوفت الشروط المطلوبة لهذا المنصب؟
وسبق للأزهر أن مكّن المرأة من تولى مراكز قيادية، وهذا ليس بجديد عليه، لكن الجديد وضعها فى أماكن لم تكن موجودة فيها من قبل، مثل أمانة مجمع البحوث الإسلامية، أو وكالة كلية الدراسات العليا، أو عمادة كلية يعمل ويتعلم فيها الرجال، وهذه فرصة كبيرة لإثبات كفاءة المرأة، وتحديها النظرة الذكورية.
وأنا لست من أنصار «الكوتة» وأرفضها تمامًا، وأؤمن بوضع الشخص المناسب فى المكان المناسب، وأن يأتى اختيار الأشخاص للوظائف والأدوار بناءً على الكفاءة، وليس على اللون أو الجنس أو النوع أو الدين، أو أى شىء من هذا القبيل.
■ هل هناك خطوات مستقبلية نحو مزيد من التمكين للمرأة داخل مؤسسات الأزهر إذن؟
- يعمل شيخ الأزهر على وضع الشخص المناسب فى المكان الذى يستطيع من خلاله أن يؤدى عمله بصورة جيدة، فهو لا ينظر إلى الاسم أو الشكل أو الجنس أو النوع، ولديه ثقة كبيرة جدًا فى المرأة، وفى قدراتها على العطاء فى مختلف المجالات، وهذا ما نلمسه خلال اجتماعاته مع قيادات الأزهر وجميع العاملين معه.
■ ما تقييمك لنظرة الأزهر تجاه قضايا المرأة بصفة عامة؟
- الأزهر على مر تاريخه يُجل المرأة ويتعامل معها من واقع ما أقره الشرع، بل إنه يولى المرأة اهتمامًا خاصًا نظرًا لعظم دورها فى المجتمع، بل يشجعها ويعمل على استثمار طاقاتها فى النواحى العلمية والإدارية.
والأزهر يرى أن الحقوق والواجبات متساوية بين الرجال والنساء، والعبرة بالجهد والعمل، وسبق أن أعلن عام ٢٠١٧ عامًا لـ«تكريم المرأة»، والواقع يؤكد هذا التوجه، ففى الأزهر توجد كثير من السيدات اللاتى يتولين مناصب كبرى، ومن بينهن مديرات وعميدات للكليات الأزهرية.
■ ما ملامح خطتك للتعامل مع مهام المنصب الجديد؟
- أسعى لخدمة الإسلام والمسلمين، وذلك عبر تدريب خريجات الأزهر والطالبات وتأهيلهن دعويًا ليصبحن نماذج مشرفة، وذلك عبر التنسيق مع أكاديمية الأزهر الشريف لتدريب الأئمة لتحقيق توعية فعّالة بالسياقات المختلفة المُحيطة بالمهام الدعوية، من أجل تنمية روح الإبداع عند هذه الفئة التدريبية المستهدفة فى تجديد الخطاب الدينى، وبناء عقول قادرة على التعامل مع فقه الواقع واستيعاب إشكاليّاته، وتقديم حلول شرعية لمشكلات الأفراد والمجتمعات.
■ كيف تقيّمين دور المرأة فى مجال الوعظ الدينى حاليًا؟
- للمرأة دور كبير فى مجال الوعظ الدينى، فلديها القدرة على التأثير على الشباب والأطفال والفتيات، لكن السيدات فى مجال الوعظ الدينى قليلات رغم حاجة المجتمع إليهن.
وبكل تأكيد نحن نعانى قصورًا كبيرًا فى اشتغال المرأة بالجانب الدعوى، فى ظل قلة أعداد الواعظات العاملات تحت مظلة الأوقاف أو الأزهر، وإن كنا نعمل على سد هذه الثغرة حاليًا، لكننا بحاجة إلى إعداد كثير من الدعاة والواعظات، ومنحهن الأولوية والاهتمام لزيادة عدد المؤهلات لهذا العمل، والاستفادة منهن فى عملية تجديد الخطاب الدينى.
■ فى رأيك.. كيف يمكن للواعظات تحقيق التميز فى هذا المجال؟
- الواعظات بحاجة إلى استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة فى مجال الدعوة بما يتناسب مع الأعمار المستهدفة فى دور الوعظ أو الرعاية وغيرها، على أن تختار كل واحدة منهن ما يناسبها من هذه الوسائل.
ومن أجل ذلك، علينا أن نشجع الطالبات منذ الصغر على خوض مجال الدعوة، على أن يجرى تدريبهن وتأهيلهن بعد ذلك بأكاديمية الدعاة، حتى يخرج جيل جديد من الواعظات يكون مؤهلًا عند ممارسة العمل الدعوى، كما أن علينا أن نيسّر من عمل المرأة فى هذا المجال، بما يضمن عدم تعرضها لأى مضايقات خلال هذا العمل.
■ هل لدى الأزهر خطة واضحة لتدريب وتأهيل الواعظات؟
- بالتأكيد، وهى موضوعة أمام فضيلة الإمام الأكبر، ومن المقرر أن نبدأ العمل بها بعد عيد الفطر، وبمجرد الانتهاء من الجزء الأول منها سيرى الجميع مردودها الإيجابى على الساحة، وسيمكن وقتها إطلاع المجتمع ووسائل الإعلام على تفاصيلها.
■ لكن رغم هذا لا يزال هناك رافضون لتعليم المرأة من الأساس.. كيف تواجه الداعيات ذلك؟
- الأزهر الشريف يعمل على قدم وساق لتغيير هذه النظرة من خلال الحملات التوعوية التى يعقدها باستمرار فى المدارس والمعاهد والجامعات، ومراكز الشباب، والمصالح الحكومية.
كما يهتم بالتواصل مع الناس من أجل حل العديد من القضايا والمشكلات التى يعانى منها المجتمع فى الوقت الحالى، وتمثل تحديًا يعرقل مسيرة التنمية، خاصة أن تعليم المرأة يعد عاملًا إيجابيًا فى تطور المجتمع، ويمثل حجر الزاوية فى عجلة التنمية والبناء.
■ هل يمكن أن نرى المرأة قريبًا فى منصب المفتى؟
- ليس هناك حرج فى ذلك، فما تدرسه النساء فى جامعة الأزهر هو نفس ما يدرسه الرجال، لذا لا فارق فى القدرات ولا المناهج بينهما، لكن السؤال الأهم هو: هل المرأة نفسها مؤهلة لذلك أم لا؟ فإذا كانت مؤهلة للإفتاء فلا حرج.
■ كيف ترين دور جامعة الأزهر فى مواجهة الفكر المتشدد؟
- الفكر الضال موجود فى كل مكان فى العالم، لكن فكر كل الجماعات المتطرفة أثبت فشله وخطورته على المجتمعات، ولفظه الناس، ونحن جميعًا عانينا من وجود مثل هذه الأفكار المتطرفة فى مصر.
ويجب أن أؤكد أنه لا يوجد فكر ضال أو شاذ فى جامعة الأزهر، لأن فضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، لا يسمح بهذا، وذلك لأن الفكر المعتدل الذى يتبناه الأزهر يتعارض مع الفكر الشاذ والمتشدد والمنحرف، ولا يجب علينا أن نربط هذه الجماعات بجامعة الأزهر ولا بمصر كلها، فهذا أمر مرفوض تمامًا.
ويجب مؤازرة جامعة الأزهر حتى يتم تصحيح المفاهيم، وعندما يتم تجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية، ودعم الفكر الصحيح، ستكون هناك نتيجة إيجابية فى نشر الفكر الوسطى وصحيح الدين، والقضاء على هذه الأفكار الهدامة.
■ وما دوره فى تجديد الخطاب الدينى حاليًا؟
- الأزهر يعمل على تجديد الخطاب الدينى معتمدًا على جناحيه، العلمى والدعوى، وقدّم الكثير من الإصدارات العلمية التى تعالج قضايا مختلفة، مثل ظاهرة التكفير، وفندها تفنيدًا علميًا دقيقًا، إضافة إلى تصحيحه المفاهيم المغلوطة، وكذلك التأكيد على إقرار السلم والأمن المجتمعى، والقضايا المجتمعية التى تمس الناس فى حياتهم اليومية.
وعلى مستوى الجانب الدعوى، يوجه الأزهر قوافل دعوية لجميع محافظات ومدن وقرى الجمهورية لتوعية الناس وتحذيرهم من مخاطر المفاهيم المغلوطة التى تروّج لها جماعات العنف والتطرف، والتى تؤثر بالسلب على مجتمعنا، كما يوجه الأزهر حملات دعوية للمدارس والمعاهد والجامعات ومراكز الشباب والمصالح الحكومية، ولا شك فى أن هذا يأتى بثماره وينعكس انعكاسًا مباشرًا على سلوك الأفراد، وعلى استعادة القيم المهجورة فى حياة الناس.
■ كيف يتم تجديد الخطاب الدينى بالشكل الملائم لمقتضيات العصر؟
- لدينا الكثير من الوسائل فى الوقت الحالى يمكن أن نستخدمها لتجديد الخطاب الدينى، ويجب أن تكون هناك استطلاعات للرأى بشأن المشكلات والقضايا الأخلاقية والفقهية وكل ما يتعلق بأمور الدين مما يحتاجه الناس، ولا بد من أن يشارك جميع أفراد المجتمع فى الموضوعات التى نحتاج إلى أن نتناولها.
وأنا أرى أن المجتمع لا بد أن يشارك فى اختيار الدعاة، وكذلك تجنب الحديث تمامًا عن الموضوعات التى تثير المشكلات دون أن تكون لها منفعة حقيقية.
■ هل تحتاج كتب التراث إلى تنقية؟
- كتب التراث تحتاج إلى انتقاء وليس تنقية، بمعنى أن نأخذ منها ما يحتاج إليه العصر وما يحتاج إليه الناس وما يتناسب مع طبيعة المجتمع، حتى الأسلوب لا بد أن يتلاءم مع العصر، وأنا أنتقى من التراث ما يناسبنا، وأتجنب ما لا يحتاجه العصر.
ولا بد أن نفهم أن هذه الكتب كُتبت فى الماضى، بواسطة علماء كانوا يعيشون فى هذا الزمن، والطريقة التى يتحدث بها الأجداد ليست هى الطريقة التى نتحدث بها الآن، فالآليات والوسائل اختلفت، وبالتالى يجب علينا أن نراعى هذا، وأن ننتقى من هذه الكتب ما يتناسب مع مجتمعنا الآن.
■ البعض يرى أن المؤسسات الدينية منغلقة على نفسها.. ما رأيك؟
- هذا الكلام مخالف للحقيقة تمامًا، وأنا أرى أن المؤسسات الدينية منفتحة على الجميع، ولديها ما تقدمه لتجديد الخطاب الدينى، وهى أول من بدأ فى أخذ خطوات جادة فى ذلك، وهناك تفاعل كبير وإقبال على تجديد الخطاب الدينى، والأزهر أنشأ «أكشاك الفتوى» فى محطات المترو، ونزل الدعاة من الأزهر إلى المقاهى للتحاور والمناقشة مع الشباب.
وما نراه من إتاحة الفتاوى على «السوشيال ميديا»، وبتقنيات مناسبة للعصر عبر التطور التكنولوجى، وما نراه من تفاعل فى مركز الأزهر للفتوى، ومجمع البحوث، هو تفاعل مع الجماهير، لذلك فإن الأزهر منفتح على الجميع، ويرحب بالجميع.

■ ماذا عن تولى المرأة منصب شيخ الأزهر؟
- هناك بعض المناصب فى مجتمعنا خاصة بالرجال، وهذا من أساسيات منصب شيخ الأزهر، خاصة أنه يؤم الناس فى الصلاة، وبالتالى من غير الوارد أن تقوم المرأة بهذا الدور.
وما يجب الحديث عنه هنا هو المناصب التى يحق للمرأة أن تتولاها ولا يجب قصرها على الرجال، فمثلًا: كم عدد السيدات اللاتى تولين مناصب رئاسة الجامعات فى مصر؟، ولماذا تظل معظم هذه المناصب حكرًا على الرجال فقط من الناحية العملية رغم إتاحتها نظريًا؟.