رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رشوة أمريكية لقادة طالبان!


بزعم «تسهيل انعقاد الاجتماعات، وتسريع وتيرة محادثات السلام»، أرادت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) تمرير مشروع قانون يسمح لها بدفع نفقات انتقال وإقامة وطعام قادة «طالبان» خلال إقامتهم فى العاصمة القطرية الدوحة. غير أن لجنة الاعتمادات الدفاعية بمجلس النواب الأمريكى رفضت ذلك المشروع لأنها رأته «دعمًا للإرهاب»، كما رفضت أيضًا الموافقة على مقترح بإدراج بند، فى موازنة ٢٠٢٠، يتيح تقديم دعم مالى لقادة «طالبان»!.
المحادثات المباشرة بين مفاوضى «طالبان» والولايات المتحدة، بدأت فى أكتوبر الماضى، وانتهت جولتها السادسة، فى ٩ مايو الجارى، تحت عنوان رئيسى، اختارته أو اشترطته «طالبان»، هو انسحاب القوات الأمريكية، والأجنبية عمومًا، من أفغانستان، بينما لم تطلب الولايات المتحدة غير ضمانات بألا تستخدم الحركة البلاد قاعدةً لشن هجمات فى الخارج. وما جعل المعادلة مرتبكة ومربكة وغير مفهومة هو أن الحركة رفضت، دعوات، متكررة، لإعلان وقف إطلاق النار، بل إنها قامت بكثيف هجماتها، كما واصلت الولايات المتحدة تدريب القوات الأفغانية، ولم تتوقف هجماتها الجوية على المواقع التى تسيطر عليها الحركة!.
تزعم الولايات المتحدة أن الهدف الأساسى من تلك الهجمات هو محاولة دفع «طالبان» إلى القبول بالجلوس على طاولة التفاوض، والموافقة على تسوية سياسية، لإنهاء حالة الحرب. وبعد الفشل المتكرر، قرر زلماى خليل زاد، المبعوث الأمريكى إلى أفغانستان، أن يبدأ من العاصمة الهندية، نيودلهى، جولة جديدة لإعادة إحياء المفاوضات مع «طالبان»، مراهنًا على الدور الذى لعبته الهند فى دعم الاستقرار بأفغانستان وإنهاء حالة القتال فى البلاد، والقضاء على الإرهاب. وقيل إنه التقى، طوال الأسبوع الأول من الشهر الجارى، عددًا من شيوخ القبائل الأفغانية والشخصيات البارزة فى «كابول» لاستطلاع آرائهم بشأن الشروط التى وضعتها «طالبان»!.
ما جعل المعادلة مرتبكة ومربكة وغير مفهومة أكثر، هو أن «طالبان» لم تتوقف يومًا عن تأكيد انتصاراتها فى نشرتها الإخبارية اليومية، التى تصدر بخمس لغات «الإنجليزية والباشتو والدارية والعربية والأُردية»، مدعومة بمقاطع فيديو وصور يتم التقاطها بالتليفونات المحمولة. وأساسًا، لا تتضمن تلك النشرة إلا أخبارًا وتقارير عن انتصارات قوات الحركة على القوات الأمريكية والأفغانية. كما لم تتوقف تغريدات التبشير بالنصر القريب التى يكتبها ذبيح الله مجاهد، فى حساب على «تويتر» يتابعه ٤٢ ألفًا. والمذكور، هو كبير المتحدثين باسم حركة «طالبان»، ورئيس تحرير النشرة اليومية، وقال لوكالة «رويترز» منذ أيام: «بعد ١٧ عامًا من الكفاح نحقق النصر فى الحرب الفعلية والحرب الرقمية على الكفار والنظام الألعوبة الذى أقامه الأمريكيون».
الحركة ما زالت تسيطر على ٢٠٪ من الأراضى الأفغانية، وتتنازع على ٢٢٪، طبقًا لتقديرات البنتاجون، بينما قالت تقارير إن بعض الولايات التى تزعم الحكومة الأفغانية سيطرتها عليها، لا تزال عمليًا وواقعيًا، تحت سيطرة «طالبان». وفى فبراير الماضى، بدا خليل زاد، المبعوث الأمريكى إلى أفغانستان، متفائلًا بسير المفاوضات، وظهرت ترجيحات باقتراب التوصل إلى صفقة بحلول يوليو المقبل، لكن سرعان ما دب الخلاف بين كل الأطراف ووصل إلى طريق شبه مسدود، ومن بيان أصدرته الحكومة الأفغانية، فى ١٩ أبريل الماضى، عرفنا أنها ألغت اجتماعًا كان مقررًا أن تعقده فى اليوم التالى «٢٠ أبريل» مع حركة «طالبان» فى قطر، واتهمت الدوحة بإفشاله «بعد الانتهاء من جميع الاستعدادات لمغادرة الوفد الحكومى»، ووقتها أعرب خليل زادة عن خيبة أمله، لتأخير الحوار الأفغانى الداخلى.
لم ينته الشهر، شهر أبريل، إلا وأعلنت «طالبان» أن مقاتليها نفّذوا هجومًا ناجحًا، وأسقطت عشرات القتلى والجرحى فى قاعدة «باجرام» أكبر القواعد الجوية الأمريكية فى أفغانستان، الواقعة على بعد ٥٠ كيلومترًا شمالى كابول. والملغز هو أن مسئولين أمريكيون فى كابول نفوا وقوع الهجوم، وقال الكولونيل نوت بيترز، المتحدث باسم قوات الدعم الحازم التى يقودها حلف شمال الأطلسى «الناتو» فى أفغانستان: «من الواضح أنهم يحاولون تعزيز ثقتهم بأنفسهم فى الوقت الذى يموت فيه مقاتلوهم بأعداد كبيرة». ولو سألتنى إلى أى الروايتين تميل؟ سأقول: إلى الطرف «الأوسخ»، أى الأكثر وساخة، بدليل أن الحركة سارعت الشهر الماضى بنفى تورطها فى هجوم انتحارى على وزارة الإعلام فى كابول، وتم تحميل تنظيم «داعش» مسئوليته.
النشاط الإعلامى لحركة «طالبان»، طبعًا، هو إحدى أسلحتها الرئيسية، ككل التنظيمات الإرهابية. لكن ما قد يعطى بيانات الحركة الإرهابية قدرًا، بل كثيرًا، من المصداقية، وما يؤكد أنها صارت فى وضع أفضل على الأرض هو محاولة وزارة الدفاع رشوة قادتها بدفع نفقات انتقالهم وإقامتهم وطعامهم، فى الدوحة، ولو استصغرت أو استتفهت قيمة الرشوة يمكنك اعتبارها «جر ناعم» أو عربون محبة، حتى لو اعترض عليها الكونجرس!.