رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستنقعات إسرائيلية على «فيسبوك»


شبكات التواصل الاجتماعى تحولت، حرفيًا وليس مجازًا، إلى مستنقعات. ولو منعك الصيام، أو الزكام، من شم الروائح الإخوانية، القطرية أو التركية، فإن إدارة «فيسبوك» نفسها، كشفت منذ ساعات، عن وجود حسابات صفحات ومجموعات، تابعة لشركات ومؤسسات إسرائيلية، تستهدف التأثير فى سياسات وانتخابات دول عديدة فى مختلف أنحاء العالم، عبر نشر محتوى مزيف، مضلل، أو كاذب، وزيادة الإعجابات والمشاركات بشكل مصطنع.

حسابات مزورة تحمل أسماء سياسيين محليين ومؤسسات إعلامية فى الدول المستهدفة، وصل ما أنفقته الشركة الإسرائيلية على الترويج لها بـ«تدوينات ممولة» إلى 812 ألف دولار أمريكى، تم دفعها لشركة «فيسبوك»، بعملات مختلفة بينها الريال البرازيلى والقطرى والشيكل الإسرائيلى، عن إنشاء حسابات جديدة حتى اكتشفت شركة «فيسبوك» وجود «سلوك مخادع ومنسَّق مثير للريبة». وأظهر تحقيق داخلى بدأ فى أبريل الماضى، أن تلك الصفحات والحسابات والمجموعات، تابعة لـ«حملة تأثير خاصة مقرها إسرائيل، وتهدف إلى عرقلة الانتخابات فى دول مختلفة»، وأنها اجتذبت 2.8 مليون متابع ومئات الآلاف من المشاهدات.
شركة «فيسبوك» ذكرت فى بيان، أصدرته الخميس، أنها حذفت 65 حساب «فيسبوك» و161 صفحة و23 مجموعة و4 حسابات على «إنستجرام»، تديرها شركة إسرائيلية اسمها «أرشميدس جروب». وقبل أن تتفاءل، تذكّر أن الشركة نفسها، سبق أن أعلنت أنها فعلت ذلك «أو زعمت أنها فعلته» مع حسابات تابعة لتنظيمى داعش والقاعدة، ولم يمنع ذلك ظهور «أبوبكر البغدادى»، زعيم تنظيم داعش شخصيًا، فى مقطع فيديو على «إنستجرام». ولعلك لاحظت أن عددًا غير قليل من الجرذان والخرفان، داخل مصر وخارجها، لم يتوقفوا عن نشر تدوينات وتغريدات تتساقط منها الكراهية الممزوجة بالغل الأسود، بل إن بعضهم يقوم بالتحريض على القتل.
المهم، هو أنه بات ثابتًا ومؤكدًا أن الإسرائيليين يعملون جاهدين على تطوير أدواتهم التكنولوجية، للسيطرة على مناطق لا تستطيع بلوغها أو احتلالها عسكريًا، وللتأثير على شعوب دول كثيرة فى العالم، وتحديدًا الدول المعادية. وليس بعيدًا أو مستبعدًا أن يكون لهم دور، عبر عزمى بشارة مثلا، فى توجيه الأذرع الإعلامية التابعة لجماعة الإخوان، المتمثلة فى قنوات فضائية وصحف ومواقع إلكترونية مدعومة من المخابرات التركية والقطرية ودول أجنبية أخرى. وطبيعى أن يكون للإسرائيليين، كما للأتراك والقطريين والإخوان، كتائب وتابعون ومركوبون، ينشطون على شبكات التواصل الاجتماعى.
الإسرائيليون استغلوا أيضًا نقطة ضعف فى تطبيق «واتساب»، التابع لشركة فيسبوك، وتمكّنوا من وضع برنامج تجسس، طوّرته مجموعة «إن إس أو» الإسرائيلية، على تليفونات ملايين المستخدمين، لم تتمكن الشركة بعد، من إعطاء تقديرات بأعدادهم. واكتفت، فى بيان أصدرته الثلاثاء الماضى، بالتأكيد على أن انتهاكا أمنيًا لتطبيقها للمحادثات ربما استهدف جماعات معنية بحقوق الإنسان، ومع ذلك، كان كل ما فعلته منظمة العفن «العفو» الدولية، هو أنها دعت السلطات الإسرائيلية إلى محاسبة مجموعة «إن إس أو»، وقدمت طلبًا لإلغاء ترخيص التصدير الخاص بالمجموعة، وأبلغت المنظمة وكالة «رويترز»، الخميس، أن الأمر يرجع إلى الحكومة الإسرائيلية لو أرادت اتخاذ موقف أشد من إلغاء تراخيص التصدير. بينما ذكرت الوكالة، وكالة «رويترز» أن وزارة الدفاع الإسرائيلية رفضت التعقيب!.
بغض النظر عن نعومة منظمة العفن «العفو»، أو إلى ميوعة مطالبها، فإن المعنى المباشر لطلب التعقيب من وزارة الدفاع الإسرائيلية، هو تبعية الشركة، التى يزعمون أنها خاصة، للحكومة الإسرائيلية، وتلك حقيقة قد نتناولها فى سياق آخر. فقط، سنحيلك الآن، إلى ما ذكرته جريدة «هآرتس» الإسرائيلية، فى 9 مارس 2018، بأن جيش الاحتلال افتتح قسمًا خاصًا مسئولًا عن الحرب الإعلامية والمعرفية، ضمن نشاطات مكثفة، تستهدف التأثير فى شعوب ووسائل إعلام الدول المعادية. وحتى لا تظن أن هذا القسم جديد أو مستحدث، نشير إلى أن الجريدة الإسرائيلية نفسها أوضحت أن القسم استنساخ لقسم آخر تابع لفرع التخطيط.
بيان «فيسبوك» إذن عن حذف الحسابات الإسرائيلية، لم يكشف جديدًا، وكذا الإعلان عن وجود قسم خاص للحرب الإعلامية فى جيش الاحتلال أو غيره من المؤسسات الأمنية والمخابراتية الإسرائيلية. ويكفى أن تعرف، مثلًا، أن موشيه يعلون، وزير الدفاع الإسرائيلى، ورئيس الأركان الأسبق، حين سُئل فى ذروة الانتفاضة الفلسطينية الثانية عن كيفية مواجهة «العمليات الانتحارية» قال إن «النصر سيتحقق باستخدام وسائل الإعلام، التواصل، والمعرفة».
وتبقى الإشارة إلى أن دراسة صادرة عن معهد «ماساشوستس» الأمريكى، فى مارس 2018، أظهرت أن الأخبار الكاذبة تزداد نسبة إعادة نشرها على شبكات التواصل الاجتماعى بنحو٧٠٪ مقارنة بالأخبار الصحيحة، ما يعنى أن مساحة المستنقعات على تلك الشبكات، تكاد تتساوى مع مساحة البحار والمحيطات على الكرة الأرضية!.