رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"تفكيك الصنم ١١"..

محمود خليل يكتب: سيد قطب و«الطليعة المؤمنة»

جريدة الدستور

«جيل قرآنى فريد» هو عنوان الفصل الأول من كتاب «معالم فى الطريق». وفيه يتحدث سيد قطب عن كيفية تكوين الطليعة المؤمنة التى ستسعى إلى تأسيس «التجربة الإسلامية القدوة» التى تقدم للبشرية منظومة القيم القادرة على إنقاذ العالم من السقوط فى «حافة الهاوية». ويذكر سيد قطب أن التاريخ الإسلامى شهد تجربة لتكوين مثل هذه الطليعة أيام النبى صلى الله عليه وسلم. فقد شكل مجموعة الصحابة الذين تحلقوا حول النبى جيلًا فريدًا تربى على مائدة القرآن الكريم وتشرب معانيه وتمكن كل معنى منها من سلوك الصحابة، فأوجد منهم طليعة تمكنت من بناء تجربة شهد لها التاريخ. وأفاض فى الحديث عن «القرآن المكى» وخصوصيته، وتركيزه على تربية العقيدة. القرآن وحده كان رافد التربية للطليعة المؤمنة فى ذلك الحين، حتى إن النبى عندما لاحظ أن عمر بن الخطاب يقرأ فى إحدى صحائف التوراة زجره ونهاه عن ذلك نهيًا قاطعًا. طمح سيد قطب إلى تحديد معالم طريق بناء مثل هذه الطليعة عبر حركة إسلامية ترتكز فى البداية على تربية كوادرها على مستوى العقيدة حتى يصبحوا مؤهلين للدخول فى المرحلة الحاسمة لبناء الدولة، وحدد خصائص التصور العقائدى لهذه الطليعة.
الناظر فى هذا الفصل من كتاب المعالم يلاحظ بشكل مباشر الصورة المثالية التى رسم فيها سيد قطب صحابة النبى صلى الله عليه وسلم. ولا خلاف على أفضلية هذا الجيل من المؤمنين الذين تحلقوا حول محمد صلى الله عليه وسلم وحملوا على عاتقهم عبء الدفاع عن الدعوة فى مراحل ضعفها، وتحملوا الكثير فى سبيل ذلك، ونهضوا بعد ذلك بعبء نشرها ومد مظلتها إلى حيث كانوا يستطيعون، لكن ذلك لا يعنى أنهم كانوا من طينة غير طين البشر، أو برأوا من نقاط الضعف التى تميز الشخصية الإنسانية فى كل زمان ومكان. فالصحابة ليسوا معصومين، وبالتالى يعوز الصورة التى رسمها سيد قطب لهم بعض الموضوعية. وفارق كبير بين الأديب الذى يرسم صورة البشر بطريقة يختلط فيها الواقع بالخيال ليبلغ بها أعلى درجات المثالية، والمؤرخ الذين يقدم الحقائق الواقعية، بعد التحقق من صدقها. ورغم سعى الكثير من كتب التراث التى أرخت لحياة الصحابة إلى رسم صورة مثالية لهم، فإن ذلك لم يمنعهم من ذكر العديد من الأحداث والوقائع التى تؤشر إلى أنهم كانوا- مع أفضليتهم- بشرًا يخطئون ويصيبون، وأن الإنسان الوحيد الذى يصح أن نقول إنه كان «قرآنيًا» بصورة كاملة هو النبى صلى الله عليه وسلم: «كان خلقه القرآن».
والمتأمل لتفاعلات الصحابة- بعد بضع ساعات من وفاة النبى- يلاحظ سرعة انكشاف بعض نقاط الضعف فى شخوصهم. ظهر ذلك جليًا فى وقائع ما جرى داخل «سقيفة بنى ساعدة». فعندما وصل إلى مسامع أبى بكر وعمر أن الأنصار اجتمعوا فى السقيفة وبايعوا سعدًا بن عبادة، هرول الاثنان إلى حيث الجمع ومن ورائهما مجموعة من المهاجرين.