رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

توحيد «عظة الأحد»


«شهدت كنيسة مار مرقس، بشارع السد العالى فى أرض أبوسعدة بالوحدة العربية بحى شرق شبرا الخيمة بالقليوبية، إطلاق عيار نارى نتج عنه وفاة القس مقار سعد، قسيس بالكنيسة، وعلى الفور انتقلت قوة المباحث للكنيسة لبدء التحريات والتحقيقات بمعرفة الشرطة والنيابة العامة، وتردد خلال أعمال البحث الجنائى عن قيام الخادم الخاص بالكاهن مقار والذى يدعى «كمال شوقى» يبلغ من العمر 45 عامًا، بإطلاق النار تجاه الكاهن من طبنجة عيار 9 ملم، مما أرداه قتيلًا على الفور لوجود خلافات سابقة بينهما، وكانت قد حدثت مشاجرة بينهما سابقا، وتبين أن وراء ارتكاب الواقعة رفْض المجنى عليه مساعدة المتهم فى زواج بناته، حيث وعده القس بإعطائه أموالًا كمساعدة لإتمام زواج بناته وتنصل بعد ذلك منه، فنشبت بينهما خلافات انتهت بقيام المتهم بالاستعانة بسلاح نارى أخفاه بين طيّات ملابسه أثناء دخوله الكنيسة مستغلًا أنه يعمل بها ولم يتم تفتيشه، وقام بالدخول لمكتب القس وأطلق الرصاص عليه.
كانت تلك السطور فحوى الخبر المؤسف الذى تناقلته وكالات الأنباء والصحف والفضائيات، مساء الإثنين الماضى وصباح الثلاثاء.
ذكرنى الخبر بتظاهرة الغضب التى قام بها حشد من الكهنة، لإعلان رفضهم عرض فيلم «بحب السيما»، وكان من بين أسباب الغضب إهانة الكاهن خلال عقد زيجة داخل الكنيسة، رغم أن الحدث كان مبررًا دراميًا، حيث وقع خلاف بين أسرتى العريس والعروس، وأثناء المشاجرة طالت الكاهن إهانات من يحاول فك الاشتباك على الطريقة الشعبية المصرية.. تذكرت حالة غضب الكهنة وتعاطفهم العظيم مع «كاهن الفيلم» لا لأننى غير متعاطف مع الكاهن الممثل والقيمة والرمز، ولكن لغرابة تصور أن الكاهن فى تلك الحالة ملاك نورانى يعيش فى مجتمع ملائكى.. لم يفكر عقل تلك الجمهرة الزاعقة أن الكاهن كائن بشرى من لحم ودم يمكن أن يعيش حالة غضب عارمة تفاعلًا مع سلبيات تلك المشاجرة الفيلمية الافتراضية، وعليه فالاحتمالات واردة أن يقع برداء الصلاة الموشى بالقصب والفضيات والذهبيات من إكسسوارات تحمل العديد من المعانى والرموز الطقسية، ولا يمكن تصوير الأمر على أن المشهد برمته يمثل خطة جهنمية شريرة أعدها وأخرجها الكاتب والمخرج وكل عناصر العمل، بقصد إهانة المسيحية والنيل من سماحة رسالتها عبر النيل من أحد وكلاء الرب على الأرض.
وأعود الحادث البشع لمقتل الكاهن فى مكتبه بالكنيسة، فالحكاية هنا ليست مجرد مشاجرة أهين فيها الكاهن، بل إزهاق روح كاهن مع سبق الإصرار والترصد والقاتل من أسرة الكنيسة وقضى 6 سنوات فى خدمتها بين جماعتها وإعانة الإكليروس فى أشغالهم، ودعم خدمتهم الروحية.. ولأن القاتل والمجنى عليه بشر من لحم ودم، فأمر وارد وغير مستبعد حدوث أى تفاعل بشرى «سلبى إيجابى» ينتهى وفق تصاعد درامى إلى نتيجة واقعية حتمية منطقية تتناسب مع أحداث البدايات. على مدى أكثر من ربع قرن تكرر فى كتاباتى وعبر ما شاركت به من حوارات ومقابلات مرئية ومسموعة ومكتوبة، التأكيد على ضرورة إبعاد كل الرتب الكهنوتية والإكليروس بكل درجاتهم عن كل أشغال إدارة الأموال، وأعمال البيع والشراء، ومتابعة العمالة لأعمال البناء والصيانة وغيرها، وقرارات الإعانة وشئون دعم أخوة الرب.. ما دام هناك ما يشبه تشكيل مجلس إدارة لكل مطرانية وكل كنيسة، فليكن تشكيلها من الأراخنة وأصحاب الخبرات الإدارية والمالية والتفاوضية لإدارة مؤسسة الكنيسة.. لماذا الإصرار الإكليروسى غير المفهوم لوضع البصمة الكهنوتية بعلم وبغير علم على كل عمل إدارى ومالى؟.
فرّغوهم للعمل الروحى وافتقاد المرضى ودعوة الخطاة وإدارة العمل الروحى لفصائل تكوينات كنائسنا.. دعوهم لا ينشغلون بأمر أى عائد مادى، لاتوردوهم لمناطق الشبهة للانحراف وارتكاب المفاسد.. عاونوهم ليكونوا رموزًا للتنوير والمحبة والعمل الاجتماعى والقيادة الروحية، حتى لا تصدمنا مفاجآت رعاة لهم شهرة وصيت، وهم يحملون رسائل زمن تم تجاوزه.. على سبيل المثال إطلاق أحدهم رسائل عظات ذكورية محرضة على احتقار المرأة والإقلال من دورها، أعرض جانبًا من رسائل أكثرهم شهرة عبر تقرير حررته الكاتبة الصحفية المستنيرة الواعية «وفاء وصفى» بمجلة «روزاليوسف».
تحت عنوان «داوود لمعى.. من شابه معلّمه «بيشوى» فما ظلم كتبت وصفى».. لم تكن التصريحات الأخيرة للقس داوود لمعى كاهن كنيسة مار مرقس كليوباترا، بشأن حشمة الفتيات المسيحيات، هى أخطر ما صرح به، فعلى الرغم من الضجة الشديدة التى أثارتها تصريحاته التى اتهم فيها الرجل الذى يسمح لابنته وزوجته بالخروج بملابس غير لائقة، على حد تعبيره، بأنه ليس رجلًا وليست له كلمة داخل بيته، فإن تصريحاته السابقة كانت أشد تطرفًا.. خلال كلمة له بمناسبة عيد الأم فى عام 2017، أكد داوود لمعى أن اللبس المعثر هو لبس الزانيات، وأن من ترتدى لبسًا غير محتشم لا تخشى الله، وأن عدم الاحتشام فى العهد القديم كان يشير إلى السيدة سيئة السمعة.. وتساءل لمعى ما معنى أن سيدة أو فتاة ترتدى زيًا سيئًا وتأتى لتصلى؟، وما الذى سيقبل من صلاتها وهى تقف أمام الله بهذا المنظر؟، وأضاف أن من ترتدى مثل هذا الملبس غير المحتشم تكون قد تسببت فى هلاك أشخاص قد أعثرتهم وهى فى طريقها للكنيسة، وبالتالى لن تقبل صلاتها، مضيفًا أنه ما أسوأ أن ترتدى السيدة صليبًا على جسد غير محتشم فتكون بذلك تصلب المسيح مرة أخرى.. وأوضح لمعى فى تصريحاته اللاذعة أن الفتيات المسيحيات أصبحن ينافسن العالم فى الشر، مشيرًا إلى أن يوحنا المعمدان أو البابا كيرلس السادس، على سبيل المثال، لو أنهما كانا بيننا لقاما بطرد كل من ترتدى زيًا غير لائق من الكنيسة لأنهن حولن بيت الله لمغارة لصوص، وفى تصريحات أخرى له فى نفس العام فى ولاية أريزونا أكد أن السيدة التقية التى تخاف الله لا تهتم بمظهرها ولا تهتم بأن تشد أنظار أحد.
ببساطة تم اتهام غير المحتشمة بصلب المسيح مرة ثانية وارتكاب خطيئة «الزنا».. ولا تعليق لدىّ سوى «هل بات من المطلوب توحيد عظة الأحد وتوزيعها على كهنة الإيبارشيات؟».