رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الـ«درون» فى حرب أكتوبر!


انتهينا أمس إلى أن ما حدث (ويحدث) منذ ثورة ٣٠ يونيو، قال (ويقول) بوضوح إن مصر استردت عافيتها سياسيًا، اقتصاديًا، وعسكريًا، وإنها حققت نصرًا كبيرًا يضاف إلى نصرنا العظيم الذى تحقق يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣ الموافق ١٠ رمضان ١٣٩٣. واليوم، وجدناها فرصة أو تلكيكة للاحتفاء بـ«30 يونيو» آخر، كان البداية الحقيقة لتحقيق النصر، ولحماية سمائنا بـ«حائط صواريخ» جعل التاريخ يطلق على الأسبوع التالى، الأسبوع الأول من يوليو 1970، اسم «أسبوع تساقط الفانتوم»، بعد أن تمكنت قوات دفاعنا الجوى، من إسقاط عدة طائرات أمريكية (إسرائيلية) من هذا الطراز، الذى لم يكن قد سقط من قبل!.
فى أول فبراير 1968، صدر القرار الجمهورى رقم (199) بإنشاء قوات الدفاع الجوى، لتكون هى القوة الرابعة فى قواتنا المسلحة، وتحت ضغط هجمات العدو الجوية المتواصلة بأحدث الطائرات الأمريكية (فانتوم وسكاى هوك)، تم إنشاء حائط الصواريخ، الذى دخل التاريخ أيضًا لأنه أفشل المحاولة الأمريكية الثانية لاستخدام طائرات بدون طيار، بعد نجاح التجربة جزئيًا فى حرب فيتنام. وعليه، تأجّل تسجيل أو تأريخ أول مشاركة حقيقية وفعّالة للطائرات بدون طيار، إلى يونيو 1982 حين استخدمتها الولايات المتحدة عبر وكلائها الإسرائيليين فى معركة «سهل البقاع»، وبفضلها تم تدمير أغلب بطاريات الدفاع الجوى السورى (15 من أصل 19)، وتم إسقاط بين 82 و86 طائرة سورية دون أن تصاب أى طائرة إسرائيلية أو أمريكية!.
الطائرات بدون طيار، الـ«درون»، أو المسيّرة، تختلف أحجامها باختلاف استخداماتها: التصوير، المراقبة، حمل القذائف، الهجوم. كما يمكن استخدامها أيضًا فى مكافحة الحريق ومراقبة خطوط الأنابيب. وهناك أنواع منها بحجم كفّ اليد أو أصغر، وبعضها على شكل عصافير وحشرات، ما يجعلها تتمتّع بمرونة وقدرة أكبر على التجسس أو جمع المعلومات. وغير استخدامها فى التجسس، ذكر تقرير نشره موقع «آرمى تكنولوجى» أن الدرون يمكنها التحليق، لأسابيع وربما شهور، على ارتفاعات تزيد على ستّة كيلومترات، وأنها قادرة على إعطاء صورة بقطر يزيد على 3 آلاف كيلومتر. ويتوقع ستيوارث راسل، الخبير فى «معهد مستقبل الحياة» الأمريكى، أن تظهر «درون» بحجم العصفورة، قادرة على شن هجوم مسلح لا يمكن صدّه!.
ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تحتكر صناعة وتطوير الطائرات بدون طيار، حتى سنة 2000، ما يجعلنا أمام دليل إضافى أو إثبات جديد على أنها، فعليًا وعمليًا، كانت هى العدو الأساسى فى حرب السادس من أكتوبر ١٩٧٣ وتخطئ لو اعتقدت أنها تدخلت فقط، لمساعدة الإسرائيليين، لأن ما حدث كان مشاركة أمريكية فعلية، سواء عسكريًا، أو باستصدار قرارات مجلس الأمن بوقف إطلاق النار: القرار رقم ٣٣٨ يوم ٢٢ أكتوبر.. القرار رقم ٣٣٩ يوم ٢٣ أكتوبر.. ثم القرار رقم ٣٤٠ يوم ٢٥ أكتوبر، الذى قرر تشكيل قوات طوارئ دولية لمراقبة وقف إطلاق النار. ولم تصدر تلك القرارات، إلا لكى يقوموا بخرقها ويحققوا مكاسب عسكرية على الأرض. وقبل صدور تلك القرارات، وتحديدًا قبل أن تمر الأيام العشرة الأولى من الحرب، كنا قد بدأنا بالفعل نحارب الولايات المتحدة وجهًا لوجه أو بشكل مباشر.
عبر الجسر الجوى الأمريكى، انتقلت أسلحة حديثة ومتطورة لم يتم استخدامها من قبل، «بشوكها» كما يُقال. ويكفى أن تعرف أن ٢٣٨ طائرة نقل أمريكية قامت بتنفيذ ٥٦٩ طلعة جوية، نقلت خلالها حوالى ٢٥ ألف طن معدات عسكرية وأسلحة، غير ما تم شحنه بحرًا وبرًا، من المدافع والدبابات والعربات المدرعة. وبالتالى كان طبيعيًا أن يتغير مسار الحرب لصالح الجانب الإسرائيلى. أو بمعنى أدق لصالح الولايات المتحدة ولصالح مخططها الأكبر لإعادة صياغة الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط. ولم تكتف واشنطن بذلك الجسر الجوى، بل كان هناك أيضًا دعم مخابراتى، وقامت طائرات استطلاع أمريكية (من طراز SR71) بالتقاط صور بالغة الدقة من مسافات بعيدة، أتاحت للإسرائيليين اكتشاف الثغرات المتاحة، ووضع خطة الالتفاف لمحاصرة الجيش الثالث فى منطقة «الدفرسوار»، وهى الخطة التى نجحت إلى حد كبير فى تغيير موازين الحرب، وأتاحت للإسرائيليين التموضع عسكريًا، شرق القناة، بالشكل الذى دعم موقفهم التفاوضى بعد وقف إطلاق النار.
.. وتبقى الإشارة إلى أن تقديرات حلف شمال الأطلسى (الناتو) والاتحاد السوفيتى (القوى العظمى الثانية وقتها) قالت إن عدد الطائرات الأمريكية (الإسرائيلية) التى نجحنا فى إسقاطها بين 240 و360 طائرة، بينما لم تذكر تقاريرنا غير180 فقط، لأن القيادة العامة لقواتنا المسلحة، لم تكن تسجل إسقاط طائرة إلا بعد الاستحواذ على حطامها أو أسر قائدها، بينما اعتمدت تقارير الناتو والاتحاد السوفيتى على الأقمار الصناعية.