رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لولي ومرجان 11

محمد العسيرى يكتب: ترانيم عابرة للأديان فى محبة رمضان

جريدة الدستور

لم يكن الشيخ خالد الجندى وهو فى طريقه إلى الاستديو ينتظر أن يأخذه هؤلاء الشباب إلى عالم الغناء.. لم يخطر على باله أن مشواره اليومى المعتاد سيتغير فى تلك الليلة.. ولم يكن أحد من هؤلاء الشباب الخمسة على موعد مع الشيخ.. ولا كنا نتوقع أن تكون هذه الأغنية «خرزة جديدة» فى عقد «المحبة» الذى لضمه المصريون من آلاف السنين. الأغنية التى أحدثكم عنها اسمها «رمضان بتاعكم وبتاعنا» ظهرت منذ أربعة أعوام باعتبارها تحية من شباب المسيحيين فى مصر لجيرانهم وإخوانهم المسلمين بمناسبة قدوم رمضان.. هى رسالة للمسيحيين والمسلمين على السواء.. و«جرس» يرنم بالقرب من مئذنة مسجد فى مصر الحديثة بكل تعقيداتها الإنسانية والحضارية.

*«مسبحة المحبة».. كيف غنى المسيحيون لرمضان؟
«وعم حسين يجيب زينة ينادى بسرعة على مينا يساعده عشان يعلقها تشوفنا فى وقت لمتنا كأن الحارة عروستنا.. حالفين اليوم نزوقها.. رمضان ده بتاعكو وبتاعنابنزعل لو يودَّعنا ونفرح لما بيكون جاى وحوى يا وحوى..»

موسيقى مصرية خالصة تتسلل عبر صوت المرنمة «سارة معروف» الدافئ.. صوت جيد وجديد على الأذن العربية.. شرقية الموسيقى واضحة جدًا فـى «الميلودى الشعبى» الذى اختاره ملحنها من مقام موسيقى يربط بين الغرب والشرق دون نقلات مربكة.. وجملة «وحوى يا وحوى» الفلكلورية صارت أكثر حدثية مع اختيار موفق من الموزع للآلات المصاحبة وأغلبها «مودرن».. لا يفرق فى «النمط التقليدى» لأغنيات رمضان..

من أين جاءت هذه المجموعة.. وكيف صنعوا هذه الأغنية الرمضانية المصرية جدًا؟!.
المطربة اسمها سارة معروف.. حاصلة على ليسانس الآداب من جامعة عين شمس.. تخدم فى الكنيسة المصرية «لترقيق القلب سواء للمرضى أو الشباب البعيد عن الكنيسة».. هى الأشهر بين المرنمات فى كنائس مصر فى الفترة الأخيرة.. تؤدى الترانيم بطريقة عصرية أقرب إلى الغناء بقوالبه الكلاسيكية المعروفة، مع إضافة «لوبز» غربى وإيقاعات حديثة.. ومن أشهر أغنياتها:
«صحى الربابة غنى قوم وحى العود قوم لحنّ وهنِّى ربك المعبود.. دى رحمته أعلى من السما فوقها ولا فيه حدود».
الشاعر وائل جميل، صعيدى من ساحل سليم فى أسيوط.. مثله مثل معظم أبناء الصعيد «مسلمين ونصارى».. خرج إلى بلاد الله خلق الله يبحث عن لقمة عيش.. واستقر فى «الأردن».
«فواعلى وسط الفواعلية».. الشاب الذى يعرف نفسه على صفحته بموقع الفيسبوك بأنه «شاعر مصرى شاب.. مدمن ثلاث حاجات الشعر والتمثيل والقهوة».. تصادف أثناء وجوده فى «عمان» مع رفاق الغربة أن جاء رمضان.. شَعْر أنه غريب وأن رمضان الذى يعرفه ويعشق أيامه «اختفى».. شعر بوحشة شديدة.. ووجد أن نفس الإحساس يسيطر على شركاء الغربة والفرقة.. فأشار إليه أحدهم بأن يكتب ذلك الإحساس فى قصيدة فخرجت أغنية:
«وكام بنوتة بتشوفها فى إيدها فانوس يقول وحوى وإيدها التانية دقة صليب وناس رايحين وناس جايين وناس بيجيبوا قمر الدين كنافة عاملها عم نجيب».
«تلك الأجواء الرمضانية التى افتقدها وائل ووصفها فى قصيدته عرفت طريقها إلى صفحته على الفيس.. فأعجب بها البعض.. وزاد آخرون بأن مرروها إلى شباب مهتمين بصناعة الموسيقى.. ومنهم الملحن ماجد موسى.. وهو أحد القلائل المعروفين بتلحين الترانيم فى مصر.. تحمس للنص وكذلك فعلت سارة معروف وتبرع كلاهما بأجره.. وبقى أن يأتى العازفون إلى الاستديو الذى دفع تكاليفه الشاعر وأحد أصدقائه من الشباب المسيحى واسمه ملاك رفعت ولم تزد على ٤٠٠ دولار. ودخلت سارة الاستديو لتغنى، فيما كان الشيخ خالد الجندى فى طريقه إلى هناك دون سابق ترتيب: «يلم العيلة حب وشوقبضحكة جميلة عالية لفوقسجود الكل ليلة قدرقلوبكو الصافية من جوهعبادة ربنا قوة تخلى الوش زى البدرونلقى فى مصر كده حالة غريبة عجيبة ملهاش زىحُب كتير.. وفرحة بتملى كل الحىرمضان بتاعكو وبتاعنا بنزعل لو يودعنا..».


وخرجت الأغنية لأول مرة من خلال برنامج تليفزيونى كان يقدمه الشيخ خالد الجندى.. وسمعناها.. فرح بها الغالبية.. وغضب بعض المتعصبين.. كيف يضع شباب مسيحيون أغنية لرمضان المسلم؟.
تلك «الصيحات الغاضبة بجهل على السوشيال ميديا».. لم تستمر، فالروح الشاعرة التى تتميز بها أشعار وائل جميل.. انتصرت.. والحياة التى عاشها المصريون بكل طوائفهم على مر آلاف السنين التى جاء فيها رمضان ورحل.. تنتصر دائما.. فهى الأبقى بقاء مصر ذاتها.. وبقاء فكرة العبادة ذاتها.
«إنتى شاورى يا دوب مشاورة كل شعبك يبقى جيش اجعلى الموضوع ده فرض كلنا قابلين بفرضككل واحد فينا نفُسه يبقى جندى يموت فى أرضك ما تخافيش.. ما تنحنيشإنتى مصر أم العروبة..واللى ميت فيكى عارفإنه مات علشان يعيش».
الشاعر الصعيدى الشاب «عارف» يعنى إيه مصر.. ويعنى إيه محبة.. ويعنى إيه رمضان «المصرى».. لكنه لم يعرف أنه لم يكن أول مسيحى يمدح رمضان المسلم.. ولألحان أولئك الذين أزعجتهم أغنية «سارة معروف» يعرفون.. لكننا نعرف.



تواشيح النقشبندى فى حنجرة حنا الرومى
فى كتابه «هكذا غنى المصريون».. يذكر د. نبيل حنفى أن الإذاعة المصرية قدمت فى بداياتها أغنيتين لرمضان شارك فى صناعتهما مسيحيون.. الأولى «تحية رمضان» كتبها الباشا أحمد شحاتة، لحنها ألبير توفيق، وغناها محمد كامل، وأذيعت فى ١٤ أكتوبر عام ١٩٤٠.. والثانية «رمضان» كتبها عبدالباسط عبدالرحمن ولحنتها وغنتها لور دكاش فى ١٦ يونيو عام ١٩٥١.. الأغنيتان ترقدان فى مخازن «الإذاعة المصرية».. وربما فقدتا فلا وجود لهما على أى خريطة إذاعية منذ خمسين عامًا وربما أكثر.. لكن ما لم يفقده التاريخ هو أن «لور دكاش» واسمها الأصلى «لور جورج دقاش» من أصول مارونية عرفت الطريق إلى عالم الموسيقى مبكرًا.. فى السابعة من عمرها.. وحسب حوار أجراه معها الراحل عبدالله كمال لجريدة الوسط.. جاءت إلى مصر بعد أن طلبتها الإذاعة الرسمية فى مصر بخطاب رسمى وصل إلى لبنان عام ١٩٤٥ تطلب التعاقد معها بعد أن عرفها الناس مطربة وملحنة لأغنية «طلوع الفجر».. فجاءت على الفور وكان عمرها ٢٨ سنة.. لتقيم فى القاهرة.. لور- واسمها مشتق من شجرة الفار- وحسب الباحث وحيد ندى، «كان قلبها معلقًا بالكنائس وكانت تجيد أداء الترانيم باقتدار» مثلما تعشق الموسيقى التى آنستها فى وحدتها بعد رحيل والدتها وهجرتها إلى أمريكا وهى طفلة لم تكمل الثانية من عمرها.
فى مصر.. شاركت فى تلحين أغنيتها الأشهر مع «فريد غصن».. «آمنت بالله» تلك الأغنية التى صارت أيقونة كل الأفراح فى البلد لمدة تزيد على عشرين سنة.. حيث التقطها عازفو القرب والمزمار ليبدأ كل «فريق» وصلته بها.. وكان الجمهور يطلبها كـ«سلام مربع» سموه التوبة، رغم أنها تبدو «غنوة عاطفية بالأساس». «آمنت بالله.. نور جمالك آية آية من الله.. نور جمالك نور عجيب يطفى فى القلب اللهيب يجرى فى الدمع الحبيب كل من شافه وهواه نور جمالك آية.. نور جمالك آية من الله». لم تكن لور وحدها المسيحية اللبنانية التى غنت لرمضان.. كان هناك أيضا بلدياتها وابن طائفتها «حليم الرومى» والد المطربة ماجدة الرومى.. اسمه الأصلى «حنا عوض» وعائلته تنتمى لطائفة الروم الكاثوليك.. زكى طليمات أطلق عليه لقب «حليم» فأصبح «حليم الرومى».. وهو بالمناسبة مكتشف فيروز، وهو الذى غيّر اسمها من «نهاد حداد» إلى فيروز.
ولد حليم الرومى فى عز ثورة ١٩١٩ فى الناصرة بفلسطين.. والتحق بمعهد الموسيقى فى حيفا.. ثم عمل فى إذاعة الشرق الأدنى كمطرب وعازف وملحن ورئيس للبرامج الثقافية، ثم تزوج من «مارى لطفى» التى أنجبت له عوض ومها ومنى وماجدة.. انتقل إلى لبنان وهناك اكتشف فيروز وقدم لها أغنياتها الأولى.. ثم قدمها للرحبانية الذين واصلوا معها الرحلة.. وجاء هو للقاهرة التى كان يعشق موسيقاها.. ودرس فى معهد فؤاد للموسيقى، ولنبوغه اجتاز السنوات الدراسية الست فى عامين.. وشارك فى تمثيل فيلمين «أول الشهر» و«قمر ١٤» الذى غنى فيه «مسا الورد على عيونك».. ولقدرته الفائقة فى غناء وتلحين الأناشيد.. و«القدود».. أطلق البعض عليه لقب «سلطان الموشحات».. ومنها موشح «وجب الشكر علينا».
وصنع الرومى واحدة من الأغنيات الدينية الفذة وتشبه فى طريقة تلحينها بدون موسيقى أو إيقاعات.. ما قدمه النقشبندى فى ابتهالاته فيما بعد.. تلك الأغنية التى استخدم فيها الرومى البطانة اسمها «أدعوك يا ربى».. وما زالت موجودة فى سجلات الإذاعة:
«ادعوك يا ربى بالروح والقلب من حر أشواقى ادعوك يا ربى.. أسعدنى فى دربىيا حى يا باقىأنت الكريم المرتجى بالسر والجهر فيك الهدى.. أنتَ الرجا بالعُسر واليُسر يا من له شكرى أدعوك يا ربى».
ومثلما حفظت الإذاعة ذلك اللحن «الصوفى» لـ«حنا عوض» الذى صار اسمه «حليم الرومى».. حفظت لنا أغنية عن «رمضان»: «ليه بعدما فرحنا بلياليك وآنستنا وأخدنا عليك عزمت ليه على الهجران مش لسه بدرى يا رمضان ودعتنا وراح توحشنا والله كنت مفرفشنا كنت ممتعنا كنت مجمعنا مرت لياليك الحلوة مر النسيم فى ندى غنوة والغنوة حلوة والألحان.. كان لسه بدرى يا رمضان».



وديع الصافى مداح الرسول
لم تكن فيروز هى الوحيدة التى اختار لها حليم الرومى اسمها الجديد.. بل كان هو نفسه من اختار اسم الصافى للمطرب خارق القدرات «وديع بشارة» الذى أصبح فيما بعد «وديع الصافى».
بدأ وديع بشارة يوسف فرنسيس الذى ينتمى إلى الطائفة المارونية حياته الدراسية فى «مدرسة دير المخلص الكاثوليكية».. واستمر بها ثلاث سنوات.. وكان الوحيد «المارونى» فى جوقة إنشادها.. وحسب إلياس سحاب فى مجلة العربى.. بالتحديد عددها الصادر فى ١ مارس ٢٠٠٩.. «استقى وديع الينابيع الأولى لتجربته الغنائية من الغناء الريفى فى جبل لبنان والإنشاد الدينى فى الكنائس الشرقية.. ثم صوت محمد عبدالوهاب».. و«وضع وديع صوته فى خدمة دينه ولم يكن غناؤه نابعًا عن تعصب دينى أو تطرف.. بل كان مؤمنًا متسامحًا منفتحًا على الدين الإسلامى.. انفتاحًا محبًا قائمًا على الإيمان بالخالق الواحد.. والقيم السماوية».
«أمنا يا مريم قدستك الأمم نحن جئناك ابتهالا طال فيه الألم واشفعى انت بنا يا خير أم تكرم أننا أهل الخطايا كم عليها نندم»:
وحسب فيكتور سحاب فى كتابه عن وديع: «وصل أداء الرجل إلى ذروة تجعله يبدو مخالفًا لقوانين الطبيعة.. فهذه القوانين تقول إن الصوت البشرى عندما يرتفع إلى درجاته العليا فإنه يزداد ضيقًا باستثناء صوت وديع الذى يسيطر عليه صاحبه ليغلفه الحنان ورقة عز نظيرها.. هذه المنحة الربانية الفائقة التى تغنت بالعروبة وبمصر العظيمة فمنح بسببها الجنسية المصرية.. كان من الطبيعى أن يغنى لمكة:
«تهادى على راحتيها الصباح وشعشع فى شفتيها القمر وأزهت بها الشمس فوق البطاحوجُنَّ بها الليل حلو الصور».
تلك القصيدة التى لحنها الصافى من الشعر القديم.. والتى تتحدث عن الكعبة:
«وفيها انجلى الحق للعالمين وطاف الضياء بها وانتشر».
لم تكن القصيدة الوحيدة ذات الطابع الصوفى التى تلتقطها عينه وتصدح بها حنجرته، فراح يغنى لرسول الإنسانية محمد بن عبدالله.. قصيدة أخرى اسمها «نداء الحق» من كلمات «موفق شيخ الأرض» راح يغنى للصيام ولشهر رمضان:
«شهرنا السمح قد بدا خيرًا ينبت الندى يمنح الطيب والسنا يرسلُ النور والهدى يسعد المؤمن الذى نال بالصوم مقصدا قال يا رب نجنىواستمع دعوة الندا إننى جئت أرتجىمَنْ تجلى وارشدا اقبل التوبة استجبْ للذى جاء قاصدا».
غنى وديع الصافى للصيام.. ورمضان بالفصحى وبالعامية.. وظل ينتقل من شجرة «محبة الوطن» إلى محبة الإنسان.. وعبادة الصوفية الكبار مناجيًا من كلمات «عبدالغنى طلاس»:
«يا فاتح أبواب السما للناس بصلى ومرفوعين إيدياحمينى برضاك وعطفك عليا أنت البداية والنهاية أنت أنت الحقيقة وحكمتك ميزان بشوفك تبالى نور وين ما كنت نورك بيكفينى.



يا ساعة بالوقت اجرى
نور الله الذى يكفى الإنسان.. أى إنسان مهما كانت ديانته التى استظل بها.. هو الاسم الذى اختاره يوسف وهبى للمطربة والممثلة «ألكسندرا نقولا» التى جاءت من تركيا لتصبح نجمة أفلام مصر فى الأربعينيات والخمسينيات حتى غارت منها أم كلثوم وحرضت عليها رجال الضرائب فحاصروها ومنعوها من الغناء فى المسرح والحفلات وقصروا وجودها على السينما.. فهاجرت إلى لبنان التى جاءت إلى مصر عن طريقها.
نور الهدى.. أو ألكسندرا.. والدها مقاول كان يحب صوت فتحية أحمد مطربة القطرين، لكنه لم يكن يحب عمل ابنته فى الفن.. لكن خالها ساعدها حتى دخلت إلى المجال الذى سمح لها بأن تشارك يوسف وهبى بطولة فيلمها الأول «الجوهرة».. وفيه لحن لها السنباطى «يا أوتومبيل يا جميل محلاك» ثم عملت مع محمد القصبجى وزكريا أحمد ومحمود الشريف وأحمد صدقى وفريد الأطرش وعبدالوهاب الذى شاركته بطولة فيلم «لست ملاكا».




نور الهدى صاحبة أغنية «ساعة بقرب الحبيب» و«يا ساعة بالوقت اجرى».. غنت من كلمات «الصاوى شعلان» الذى عرب شعر محمد إقبال ومن ألحان ناصيف عزونى:
«رتلوا آى الكتاب المُنزِّل وأنشدوا ف المجد أعلى منزل فهو ميراث النبى المرسل.
سيد الأكوان شمس المرسلين شِرعة الحق ونبراس الوئام هو للدنيا وللأخرى سلام وحيه بعث لأجيال الأنام».
نور الهدى التى غنت للرسول.. هى نفسها التى غنت لرمضان من كلمات نزار الحر وألحان يعقوب طاطيوس:


«أقبلت يا رمضان بالخير والبركات والحق لاح وبانوهَلْتَ النسمات»، وغنت له أيضًا ولكن باللهجة البدوية هذه المرة:
«شهر مبارك يا رمضان شهر التوبة والإيمان يوم قدومك طل الخير غنى القلبْ وغنى الطير».
وتبقى أغنيتها مع فريد الأطرش «هل هلال العيد» واحدة من أشهر وأهم أغنيات الليلة الأخيرة فى الشهر الكريم:
«هل هلال العيد.. ع الإسلامْ سَعيْد.. هَلْ هلالُه علينا مبارك شاكْر فضل اللهِ تبارك متعنا يا هلال بأنواركواطلع فوق وزَيْد».



فريد.. العابر للجنسيات
حصل الموسيقار فريد الأطرش على أربع جنسيات عربية.. فهو سورى المولد.. مصرى الإقامة.. لبنانى النشأة.. وسودانى أيضًا.. ولأنه كان وسيظل أحد أهم الأصوات فى تاريخ الموسيقى العربية فقد شغلت حقيقة انتمائه الدينى جمهوره لسنوات.. وحتى هذه اللحظة لم يحسم أحدهم أمر ديانته، وإذا ما كان قد اعتنق المسيحية أم لا؟!.
المصادر المؤكدة تقول إنه «فريد فهد فرحان إسماعيل الثانى الأطرش.. وإنه مسلم سنى شافعى المذهب ينتمى لقبيلة الدروز، جاء إلى القاهرة هربًا من الاستعمار الفرنسى».
«وعرف عنه أنه كان يعلق على صدره سلسلة فيها المصحف والصليب».. لم يكن هذا الأمر وحده سبب معاناة فريد.. فقد عانى كثيرًا بعد حصوله على الجنسية المصرية عام ١٩٥٠.. ونعته الكثيرون من منافسيه بأنه «شامى».. وأيا كانت «أصول الرجل.. أو ديانته.. أو طائفته أو مذهبه.. فهو أحد المجددين الكبار فى عالم الموسيقى والغناء.. وغناؤه الصوفى يحتاج لدراسة وافية.. لكننا هنا فقط نشير إلى أغنيته الأشهر عن رمضان «هلت ليالى».
«ليالى حلوة نشتاق إليها وفيها ليلة الله عليها القدر فيها.. اوعدنا بيها ويا رب توبة.. فى العمر نوبة وتكون قريبة.. تسعد آمالى».
الكلمات التى كتبها بيرم التونسى.. اختار لها فريد مقامات محببة إليه ومن السهل أن تجدها فى معظم أغنياته «الراست والحجاز والبياتى» واختار لها «إيقاع الفلاحين» المتداول فى مصر والمعروف بـ«المقسوم» ليمنحها «روحًا ريفية وبهجة سريعة راقصة» إلا أنه لم ينس أنه «فريد» فذهب إلى اختياره المعتاد بأن يضمنها «موالًا» قبل نهايتها:.. وما بين الموال.. والكورس.. وإيقاع المقسوم «رقصت» أفئدة المحبين فى واحدة من «ليالى القدر» لترسخ وتبقى «ليلة فريد».
«فى كل لحظة.. أقول يا رب إنت اللى اسمك.. يسر قلبى على جمالك.. الله أكبر على جلالك.. الله أكبركل التمنى لو ترضى عنى وأعيش مهنى.. ولا أبالى هلت ليالى»..
ومن يبالى فى «ظلال» روحانيات الشهر الكريم.. بتسابيحه.. وتراويحه.. بالسؤال المائع الباهت «اسمك إيه.. لونك إيه.. جنسك إيه.. دينك إيه»؟! لا أحد من المحبين.. العارفين يسأل، فالدين لله وحده.