رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إسلاميات كاتب مسيحى «11»

محمد الباز يكتب: «زواج الأديان».. نظمى لوقا ينحاز لدين الفقهاء

جريدة الدستور

- نظمى كان يرى أن عدم جواز زواج الكتابى من مسلمة طبيعى لإنكار اليهودية والمسيحية الإسلام بعكس الدين المحمدى الذى يعترف بالديانتين
- القمص سرجيوس: ما دامت المسيحية ليست مشركة فإن المسيحى ليس مشركًا ويحق له الزواج بمسلمة بنفس المنطق

قبل أن يغادر نظمى لوقا مساحة حديثه عن المرأة فى الإسلام، وإشكالية تعدد الزوجات، طرق بابًا شائكًا جدًا، وهو زواج المسلم من الكتابية.
لا بد أن تحبس أنفاسك بالطبع.
هذه مساحة شائكة جدًا، تمثل حساسية كبيرة لدى المسيحيين تحديدًا، خاصة أن هناك فتاوى عنصرية كثيرة، تبرر زواج المسلم من المسيحية وتمنحه شرعية ومشروعية، وفى الوقت نفسه ترفض حدوث العكس، وهو زواج المسلمة من مسيحى.
لكن ما الذى قاله نظمى الذى ينطلق من عقيدته المسيحية، ومن أرضية تقديس كامل للعقل، الذى جعل منه حكمًا ومعينًا.
يستكمل رؤيته، يقول: لا بد من كلمة أخيرة عن زواج المسلم بالكتابية- يهودية كانت أو نصرانية- فى حين يمتنع العكس، أى زواج الكتابى- يهوديًا أو نصرانيًا- بمسلمة، فإذا تذكرنا أن الإسلام يعترف باليهودية والنصرانية ولا يجحدهما، عرفنا أنه لا غضاضة على الزوجة الكتابية فى الاحتفاظ بدينها وهى زوج للرجل المسلم، ولكن اليهود والنصارى جرى تقدير رجال الدين عندهم على إنكار الإسلام، فتكون المسلمة غير آمنة على دينها فى كنف الكتابى، وليست المسألة عصبية أو تحيزًا فى كثير أو قليل.
اجتهد الدكتور نظمى فيما قاله.
لا يمكن لنا أن ننكر عليه ذلك.
لكن الأزمة أن اجتهاده هذا لم يفارق ما قاله فقهاء الإسلام أيضًا.
ولا يمكننى أن أصدق أنه أعمل عقله بشكل كامل فى هذه المسألة.
لكن ما رأيكم أن نستمع إلى ما قاله القمص سرجيوس سرجيوس عن هذه المسألة تحديدًا عندما وضع نظمى وآراءه فى الميزان؟!.
أمسك القمص بما قاله نظمى ونقله نصًا فى كتابه، ثم بدأ فى الرد.
يقول: ونحن نرد على هذر نظمى وسخافاته فنقول: إذا كان الإسلام يعترف باليهودية والنصرانية ولا يجحدهما، كما تقول يا فيلسوف آخر الزمان، وإذا كان الاعتراف وعدم الجحود هو عين الإيمان، كما ورد فى القرآن فى سورة العنكبوت «ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون»، فلماذا لا تكون المسلمة غير آمنة على دينها فى كنف الكتابى، ما دام دينها لا يجحد دين الكتابى؟!.
وإذا كان القرآن يقول صريحًا فى سورة البقرة «ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه».
وإذا كان المسلم يتزوج بالكتابية- يهودية أو مسيحية- لكونها غير مشركة، والإسلام، كما قلت، يعترف بدينها ولا يجحده، فلماذا لا يتزوج الكتابى بالمسلمة، كما تزوج المسلم بالكتابية أخت الكتابى؟
وما دام القرآن لم يحرم على المسلم والمسلمة إلا الزواج بالمشرك والمشركة، ولم يذكر القرآن السبب الذى يذكره الدكتور نظمى إذ يقول: إن المسلمة غير آمنة على دينها فى كنف الكتابى، بل ذكر القرآن سببًا واحدًا فى عدم زواج المشرك والمشركة، وهو أن المشركين يدعون إلى النار، والله يدعو إلى الجنة، والكتابيون يدعون إلى الجنة أيضًا.
يُكمل سرجيوس رؤيته.
يقول: إذن يظل السؤال قائمًا: لماذا لا يتزوج الكتابى بالمسلمة رغم أنف نظمى الذى يقول: إن المسألة ليست عصبية أو تحيزًا فى كثير أو قليل، فالمسلمون يا دكتور نظمى (يا اللى إنت لسه مسيحى) حين لا يزوجون بناتهم للكتابى لا يستندون إلى قرآنهم، أما المسيحيون الذين لا يزوجون ولا يتزوجون بغير مسيحى أو مسيحية فيستندون إلى كتابهم القائل «أن تتزوج فى الرب»، كما أن عقد الزواج يعقد باسم المسيح: إن الرجل رأس المرأة، كما أن المسيح رأس الكنيسة، أيها الرجال أحبوا نساءكم، كما أحب المسيح الكنيسة، وأسلم نفسه لأجلها، إن هذا الشر لعظيم، أقول ذلك بالنسبة إلى المسيح والكنيسة.. وهذا لا يعترف به المسلم ولا يسلم به.
أعترف لكم بأننى ورغم احترامى الشديد للدكتور نظمى لوقا، وتقديرى للحراك الذى قام به فى بحيرات راكدة كثيرة، إلا أننى أنحاز تمامًا لما قاله القمص سرجيوس.
وأعتقد أن شيئًا من هذا لن يُغضب نظمى لوقا، لأنه من أشار علينا أن نكون متجردين، وأن نعتمد على العقل وحده.
والعقل هذه المرة مع ما قاله سرجيوس وليس مع ما قاله نظمى.
لقد شغلتنى هذه المسألة منذ سنوات، وهو ما دعانى إلى توثيق رؤية خاصة، لم أفارق فيها النصوص التى يحتج بها من يريد الاحتجاج.
ولأن الكلام بالكلام، فإننى أعيد نشرها هنا كاملة، وبنصها.

من بين الآيات الكثيرة التى نمر عليها الآية رقم 221 من سورة البقرة والتى تقول: «ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون».
آية راقية وفيها كل معانى المساواة بين الرجال والنساء، فلا يحق لامرأة مسلمة أن تتزوج من مشرك، كما لا يحق لرجل مسلم أن يتزوج من امرأة مشركة.
المعنى واضح إذن من ظاهر الآية.
فمن حق الرجل المسلم أن يتزوج من أى امرأة ما دامت أنها ليست مشركة، وكذلك المرأة المسلمة من حقها أن تتزوج من أى رجل طالما أنه ليس مشركًا.
وهنا تظهر المشكلة الكبرى، فالمسلمون يعيشون هنا فى مصر مع الأقباط الذين يعتبرهم الإسلام أهل كتاب، ومعهم تحديدًا تظهر مشكلة فى الزواج، فالرجل المسلم يتزوج من المسيحية بلا أدنى مشكلة، وفى ذلك سند من الشرع.
يقول الشيخ سيد سابق، صاحب كتاب «فقه السنة» فى الجزء الثانى صفحة 91 تحت عنوان «حكمة إباحة الزواج من الكتابيات»: وإنما أباح الإسلام الزواج من الكتابيات ليزيل الحواجز بين أهل الكتاب والإسلام، فإن فى الزواج المعاشرة والمخالطة وتقارب الأسر بعضها ببعض، فتتاح الفرص لدراسة الإسلام ومعرفة حقائقه ومبادئه ومثله، فهو أسلوب من أساليب التقريب العملى بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب ودعاية للهدى ودين الحق، فعلى من يبتغى الزواج منهن أن يجعل ذلك غاية من غاياته وهدفًا من أهدافه.
وحتى يدعم الشيخ سابق كلامه نجده يفرق بين المشركة والكتابية.
يقول: المشركة ليس لها دين يحرم الخيانة ويوجب عليها الأمانة ويأمرها بالخير وينهاها عن الشر، فهى موكولة إلى طبيعتها وما تربت عليه فى عشيرتها من خرافات الوثنية وأوهامها وأمانى الشياطين وأحلامها تخون زوجها وتفسد عقيدة ولدها، أما الكتابية فليس بينها وبين المؤمن كبير مباينة، فإنها تؤمن بالله وتعبده وتؤمن بالأنبياء وبالحياة الأخرى وما فيها من الجزاء وتدين بوجوب عمل الخير وتحريم الشر، ويوشك أن يظهر للمرأة من معاشرة الرجل أحقية دينه وحسن شريعته والوقوف على سيرة من جاء بها وما أيده الله تعالى من الآيات البينات، فيكمل إيمانها ويصح إسلامها وتؤتى أجرها مرتين إن كانت من المحسنات فى الحالين.
هناك مبرر شرعى إذن للمسلم الذى يتزوج من مسيحية.
لكن هناك تحريمًا قاطعًا للحالة العكسية وهى أن يتزوج المسيحى من مسلمة.
لا يزال معنا الشيخ سيد سابق الذى يقول فى فقه السنة: أجمع العلماء على أنه لا يحل للمسلمة أن تتزوج من غير المسلم، سواء أكان مشركًا أو من أهل الكتاب، ويسوق الشيخ لذلك دليلًا من القرآن فى الآية «يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن».
وفى الهامش يشير سيد سابق إلى أن فى هذه الآية أمر الله المؤمنين إذا جاءهم النساء مهاجرات أن يمتحنوهن فإن علموهن مؤمنات فلا يرجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن، ومعنى الامتحان أن يسألوهن عن سبب ما جاء بهن هل خرجن حبًا فى الله ورسوله وحرصًا على الإسلام، فإن كان كذلك قبل ذلك منهن.
ويستكمل صاحب فقه السنة رؤيته يقول: وحكمة ذلك، أى تحريم زواج المسيحى من مسلمة أن للرجل القوامة على زوجته، وأن عليها طاعته فيما يأمرها به من معروف وفى هذا معنى الولاية والسلطان عليها، فما كان لكافر أن يكون له سلطان على مسلم أو مسلمة.
يقول الله تعالى «ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا»، ثم إن الزوج الكافر لا يعترف بدين المسلمة، بل يكذب بكتابها ويجحد رسالة نبيها، ولا يمكن لبيت أن يستقر، ولا لحياة أن تستمر مع هذا الخلاف الواسع والبون الشاسع، وعلى العكس من ذلك المسلم إذا تزوج بكتابية فإنه يعترف بدينها ويجعل الإيمان بكتابها وبنبيها جزءًا لا يتم إيمانه إلا به.
الرأى هنا إذن ليس قرآنيًا بل هو اجتهاد من الفقهاء الذين أجمعوا على الأمر، فى مخالفة صريحة للنص القرآنى الصريح الذى يسعى إلى ترسيخ المساواة.
إن الذين أباحوا زواج المسلم من مسيحية فعلوا ذلك من باب التبشير والدعوة إلى الإسلام، وهم فى الوقت نفسه لا يتعاملون معها على أنها مشركة، لأنهم لو رأوها كذلك لحرموا الزواج منها فورًا.
وما دامت المسيحية ليست مشركة، فإن المسيحى ليس مشركًا.
وعليه فمن حقه أن يتزوج من مسلمة إذا أراد هو وأرادت هى.
وإذا رفض الفقهاء ذلك للأسباب التى ذكروها وهى فى النهاية أسباب واهية فعليهم أن يحرموا زواج المسيحية من مسلم، فهناك من النساء من هن أكثر قوة وشخصية من الرجال، ويمكن لامرأة مسيحية قوية الشخصية أن تقود زوجها المسلم إلى الوجهة التى تريدها، ويقع بذلك المحظور الذى يخاف منه الفقهاء وهو التأثير على الدين.
إننا هنا أمام إشكالية غاية فى التعقيد.
فالنص القرآنى يحرم زواج المسلمين من المشركين ويفتح الباب أمام الزواج من أهل الكتاب، ولأنه ليس لدينا يهود بل مسيحيون فقط فإننا نتحدث عن الأقباط.
وعليه إذن حتى يتم تفعيل النص القرآنى أن تتم مساواة الرجل المسيحى بالمرأة المسيحية، وكما من حقها أن تتزوج من مسلم فمن حقه أيضًا أن يتزوج من مسلمة، وإلا يخرج علينا الفقهاء ليقولوا بشكل واضح وصريح إن المسيحيين مشركون ولا يجوز الزواج منهم ويحرمون بالتبعية زواج المسلم من مسيحية.
فإما أن نفتح الباب بشكل صحيح أو أن نغلقه على إطلاقه.
إن تحريم زواج المسيحى من مسلمة ليست له علاقة بدين الله، ولكن له علاقة بدين الفقهاء.
وقد تعتبر أنه لا فارق بينهما فهو دين واحد، فى الحقيقة الأمر ليس كذلك بالمرة.
فدين الله هو الدين الشرعى الذى يحمله القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه دين التنزيل، أما ما أنتجه الفقهاء والمجتهدون فهو دين الممارسة الذى تأثر بظروف مجتمعاتهم والمراحل التاريخية التى عاشوا فيها، ولا يمكن أن يتم تعميم ذلك على الجميع وعلى كل الأزمان، إنه دين اجتماعى بحت يضحى بالنص من أجل أفكار سائدة ليست لها علاقة بالإسلام.
كان يمكن لهذه الأفكار أن تسود وتؤثر فى فترات أخرى غير التى نعيشها، لكنها الآن ليست مناسبة، فهناك حالة اختلاط هائلة فى المجتمع ويعلى الجميع من شأن المواطنة، ولا يمكن أن ننكر ذلك، ولا يمكن أن ننكر كذلك أن مثل هذه التفسيرات تعارض المواطنة، بل فيها ما هو أكثر من ذلك، فهى تحط من شأن المرأة وتجعل منها كائنًا هشًا وضعيفًا ولا تملك من أمرها شيئًا.
فهى إذا كانت مسيحية فسوف يؤثر زوجها عليها ويجعلها تدخل فى الإسلام وفى ذلك خير كثير للإسلام.
وإذا كانت مسلمة فلا تتزوج من مسيحى، لأنه حتمًا سيؤثر عليها ويجعلها تترك دينها.
ولذلك تم تحريم زواجها منه، فأى إهانة تلك، وأى استخفاف بالنساء؟!.
إن دين الله لا يحتقر المرأة فلماذا يحتقرها دين الفقهاء؟!.
على الهامش وقبل أن أمضى، لا أريد أن تصدر فتوى أو قانون يقول بزواج المسلمة من المسيحى، لكننى فقط أحاول أن أشير إلى خطأ نقع فيه جميعًا ونعتقد أنه من الإسلام وهو ليس من الإسلام فى شىء، اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.
عندما كتبت هذه الرؤية لم أكن قرأت رد القمص سرجيوس سرجيوس على نظمى لوقا، لكننى لا أخفيكم سرًا أننى انحزت لما قاله، لأنه هو الذى طبق منهج نظمى لوقا فى هذه المسألة، بينما خان نظمى نفسه، ولا أجد سببًا واحدًا منطقيًا لذلك، لكن من يدرى فيمكن أن تضع الأيام أيدينا على أسرار ما كان.
على أى حال هذه وقفة مجردة ومتجردة تمامًا لا تسعى إلا لوجه الحقيقة فقط، حتى لو كانت مزعجة، أو رفضها كثيرون، من هؤلاء الذين لا يريدون للعقل أن يفكر، أو للحق أن يسود، أو للإنسان أن يعيش حياته دون أن يكون هناك من يقيده أو يفرض عليه أغلالًا وقيودًا باسم الله، رغم أن الله برىء من هذه القيود والأغلال.
يمكنك أن تمسك بطرف ثوبى، وترفض أن أغادر، قبل أن أقول لك ما يجول فى خاطرك.
وهو أن نظمى كان يغازل المسلمين مغازلة صريحة، حتى يحظى بمكانة عندهم.
لكنها المغازلة التى لم تكن لها أى نتيجة، لأن المسلمين الذين غازلهم، نفروا منه عندما اكتشفوا أنه كتب ما كتب وهو لا يزال على مسيحيته.
يحكى عما جرى له ومعه.
يقول: طرق بابى بعد ظهور الكتاب الأول عن محمد مباشرة رجل أبيض البشرة مشرب بحمرة، فى ملابس أوروبية، وما إن تأكد أنى فلان حتى عانقنى، فقلت فى نفسى: اللهم اجعله خيرًا، وجلس على طرف المقعد فى تأدب واضح، وراح يثنى على كتابى، ثم قال: أنا أعمل بالسعودية وأسكن مكة المكرمة، وقد جئت أدعوك وأسرتك لزيارة مكة، والعمرة أو الحج إن تأخرت إلى موسم الحج.
فسألته بهدوء شديد: كم يسرنى أن أزور مكة، ولكن أيسمح للمسيحيين؟.
فغاضت الحمرة الطبيعية من وجه الرجل، وفغر فاه، وأخيرًا عثر على لسانه، فقال كمن لا يصدق ما سمع: أو لم تسلم؟!.
فقلت له: لا.. وماذا دعاك لهذا الظن؟.
فقام الرجل يبتدر باب السكن، وأنا أتبعه، ولم ينس وهو فى فتحة الباب أن يلتفت إلىّ فى مقت شديد وازدراء واضح، ثم بصق على الأرض، وانطلق يهبط السلم كمن ينجو بنفسه من وباء، ووقفت أنظر فى أعقابه، وأنا أحمد الله أن أمثاله ليسوا كثيرين جدًا.
اللافت أن الملحدين أيضًا لم يعجبهم ما فعله نظمى.
يقول هو عن ذلك: التقيت رجلًا مثقفًا، كنت أعرفه منذ سنين مولعًا بالإلحاد، مغرقًا فى تطرفه العلمانى، ويجاهر بعدائه للعقائد الدينية جميعًا، ويعدها بلا استثناء تخلفًا فكريًا وحضاريًا، فإذا به ممتعض مستاء، لأننى خيبت أمله، وابتدرنى قائلًا:
أمثلك يا فلان يخون موضوعية النظرة العلمية؟.
■ بل أنا داعية إلى موضوعية التفكير.
■ وما العلاقة بين موضوعية التفكير والاعتقاد الدينى؟ أليسا نقيضين؟
■ إنهما مجالان مختلفان، ولكنهما ليسا متناقضين.
■ وكيف كان ذلك؟
فتنهدت أستعين بصبرى وقلت: قد يجتمع التفكير الموضوعى- الذى هو لباب العدل - والإيمان الدينى، وقد يفترقان، فيكون الإنسان مؤمنًا بدين وموضوعيًا فى رؤيته لكل شىء، وعادلًا فى أحكامه، يكيل جميع الأمور بمكيال واحد، وقد يكون مؤمنًا وغير موضوعى، أى متعصبًا غير عادل ولا يكيل جميع الأمور بمكيال واحد، فيتحول إيمانه إلى هوى عقلى جامح وإلى جور وعدوان، وينبغى أن تعلم أن الأديان الكبرى للعدل والإنصاف مهما اختلفت الأديان، «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا» هكذا يقول القرآن «وأحبوا أعداءكم» هكذا يقول الإنجيل، وقد يكون الإنسان غير مؤمن بدين وموضوعيا- كما أحسبك أنت- وقد لا يكون هذا ولا ذاك، كما أرجو ألا تكون أنت، فأنا لا ألزم الملحد الذى ينكر وجود الله أن ينصف الأديان، ولكننى أطالب من يؤمن بوجود الله أن يزن العقائد الأخرى وآدابها وشرائعها بميزان موضوعى، ويستحسن منها ما يستحسنه من عقيدته بغير تحيف ولا جور ولا تعسف.
رد عليه صديقه الملحد: ظننتك تدعو أمثالى إلى التدين؟
فرد نظمى: هذا هدف حسن، ولكنه ليس هدفى، فأنا داعية إلى موضوعية التفكير والعدل بحيث لا يتحامل مؤمن بدين على ديانة سواه، أما من ينكر الأديان فقد ارتفع عنه هذا التكليف، لأنه يسوى بينها فى الرفض، فلا إكراه فى الدين، أما العدل فواجب خلقى ومنطقى معًا على كل عاقل.
أعرف يقينًا، كما تعرف أنت أيضًا، أن نظمى حتمًا تعرض لمضايقات كثيرة، ولمواقف سخيفة كثيرة بسبب ما كتبه، وهذا طبيعى جدًا، مع مجتمع لا يقبل الخلاف مع ما استقر عليه من أفكار، فما بالك وهذه الأفكار تتعلق بالأديان، لكن النتيجة فى النهاية أن الجميع وقف ضده.
عندى أن هذا الهجوم على نظمى لوقا لا ينتقص من قدر محاولته الاعتماد على العقل فقط لإنصاف دين ونبى.. وحتى لو اختلفنا معه فى بعض التفاصيل، أو رصدنا لديه بعضًا من الثغرات، فهذا لا يعيبه، فلا يمكن أن نعيب على من يفكر، لأنه يفكر.