رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مريض الاكتئاب ثنائي القطب "بايبولار".. مشروع مُنتحر يعيش بجوارك

جريدة الدستور

"لست بخير يعتقد من حولي أنني كذلك، أذرف عرقًا، شدة التركيز عالية، أتذكر تفاصيل لا يتذكرها الآخرون، أرى مسام وجهي الصغيرة أحفظ أماكنها".. تقول نورهان البالغة من العمر 21 عامًا تلك الكلمات واصفة حالتها، والتي أدت بها لمحاولة الانتحار أكثر من 16 مرة وفشلت.

تقول: "في كل مرة أشعر بحالة هياج شديدة توصلني إلى حد الرغبة إنهاء حياتي، ثم أعود وتتحسن حالتي وصولًا بنشوة السعادة فأفقد السيطرة وأعيش حالة الفرحة الجنونية، وأنسى ماحدث".

تعاني الفتاة من أمراض عدة بسبب ابتلاعها أقراص في محاولات انتحارية، أثرت على أعضائها الحيوية الكبد والكلى، وأثر ذلك على جهازي التنفسي، وتشعر بالإعياء دائمًا.

نورهان هي واحدة ضمن مرضى "البايبولار" في مصر، اكتئاب ثنائي القطب، والذي يعرفه المعهد الوطني للصحة العقلية، بإنه مرض نفسي عقلي يُعرف بالإضطراب الوجداني، يُصنف بالمُزمن.

"البايبولار" له مراحل تبدأ بالهوس والكآبة مرورًا بالأوهام والتخيلات، وهو يصيب 60 مليون شخص في العالم، بحسب الجمعية الوطنية للأمراض النفسية بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو السبب السادس للعجز بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية.

الأرقام تقول أن هناك حوالي 5 مليون شخص مصاب بالإضطرابات النفسية في مصر، أما "ثنائي القطب" فلا يوجد أبحاث رسمية بدقة عنه، وهو مرض ليس خطير يمكن الشفاء منه بالعلاج والنوبات التي تأتي مسبب ولا تأتي بشكل متواصل، كما أن المرضى لا خطر منهم على المجتمع.

اتساقًا مع ذلك، فسبق وأعلن مؤتمر الجمعية المصرية للصحة النفسية عام 2015، بالتعاون مع مستشفى أبو العزايم للطب النفسي وعلاج الإدمان،عن طرح علاج لهذا الاضطراب، والذي يشعر المريض فيه بإنعدام القيمة والشعور بالذنب كما تساوره أفكار للموت، وأكد المؤتمر أن التأثير العلاجي يؤدي أثر كبير في تحسن المريض.

الانتحار هي حالة سيطرت على المجتمع المصري، ففي عام 2016 تفاقمت حالات الانتحار ووصلت إلى 4200 حالة وفقًا لرصد المركز القومي للسموم التابع لوزارة الصحة، واحتلت مصر المركز رقم 69 عالميًا لعدد الأفراد المقبلين على الانتحار.

وفقا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لعام 2018 وصلت حالات الإنتحار إلى 183 حالة بواقع 140 من الذكور و43 من الإناث، وبالبحث في مركز البحوث والدراسات النفسية بجامعة القاهرة لم نجد سوى أبحاث تتحدث عن ترجمات أجنبية للمرض خارج المنطقة العربية، ودراسات أخرى باللغة العربية لحالات الانتحار دون ربطها بمرض ثنائي القطب.

"ياسمين" واحدة ضمن هؤلاء المرضى، والتي تصف المرض بإنه مزيج من المشاعر الحادة بين الحزن والفرح الشديدين، يتوسطهما اضطرابات وحالات هياج وهستيريا وهذيان.

تضيف: "كل شىء لا يبدو بخير، أنت تعتقد ذلك ومن حولك يعتقدون أنك بخير، ولكن وحده مريض بايبولار هو ما يشعر بما في داخله من حالة من المزاجية الحادة المُتقلبة العنيفة والتي لا يتفهمها سوى الشريك الداعم".

تقول: "هناك أوقات قد ينفطر قلب المريض بسبب تقلباته الشديدة، قد يصل بها الشريك إلى حد الملل من المرض، وقد يؤثر ذلك على العلاقات على المستوى الشخصي والعملي، ويتوقف تفهم الآخرين لحالة المريض ومدى تقبلهم له لمعاونته والأخذ بيده إلى شعوره بالأمان نوعيًا".

يؤكد الدكتور هشام بحري أستاذ ورئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر، أن حالات الانتحار لها دوافع نفسية أبرزها الاكتئاب العقلي، والاضطرابات الشخصية، والانتحار العاطفي، وفقدان العقل، ولها علاقة بالمشاكل المحيطة ومنها مرور بضائقة مادية، والتأثر بالمشاكل العائلية والمحيطة، وأن احتمالية الانتحار لدى الإكتئاب العقلي هي الأعلى من بينهم، ولا يمكن الجزم بأن الانتحار هو "ظاهرة" في المجتمع المصري ولكن يمكننا أن نؤكد أنها حالة سيطرت على المجتمع المصري بسبب التغيرات والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والتطور التكنولوجي.

فيما ترى إيمان مصطفي معالجة نفسية في إحدى دور رعاية الصحة النفسية الخاصة، أن قلة النوم ونوبات الهوس أبرز سمات اضطراب ثنائي القطب، قائلة إنّ ذلك المرض وراثي بالدرجهةالأولى وتصفه بأنه مرض العظماء حيث يتميز نسبة كبيرة من مصابيه بارتفاع معدلات ذكاءهم، ونظرا لأن المريض ينتقل من السكون لحالة الهوس فأن نسبة كبيرة من المرضى بثنائي القطب مقبولين اجتماعيا لخفة ظلهم.

وتابعت مصطفى، أنّ نوبات الهلع ليست من أسباب المرض ولكن هناك حالات مختلفة يجمع المريض فيها بين مرضين منهما ثنائي القطب، مستطردة بأنه أثناء نوبة الهوس ينتاب المريض بعض الأحاسيس منها جنون العظمة ومن الصعب في تلك المرحلة إفهامه بوضعه المرضي ولكن الحديث معه يكون بعد هدوءه من النوبة، وتختلف فترات ابتهاج المرض عن البهجة الطبيعية، إذ يجد المريض نفسه نشيطًا طيلة الوقت، ولا يحتاج إلى النوم سوى فترات قصيرة قد لا تتجاوز ثلاث ساعات يوميا.

خلال تلك المرحلة، يحب المريض الحياة ويقبل عليها بكل كيانه. يتحدث بسرعة ويقفز من موضوع لآخر بحماس، يفكر في مشروعات جديدة، كما يبالغ في تقدير ذاته وقدراته، لا يمكن تحديد سن معينة للإصابة بالمرض وفي مرحلة الاكتئاب يشعر بأنه منعزل ومنطوي وقد يشعر الآخرون بأنه متكبر، ولايرغب في ممارسة الأشياء التي يحبها.

هم لا يؤذون غير أنفسهم، ولكن قد ينتقموا لإحساسهم بالغربة، وعدم تفهم الآخرين لحالتهم، هم شديدو الصدق مع ذواتهم، لدرجة الانفجار، أحيانًا يشعرون بنفاق وكذب من حولهم، فيلجأون لحيلهم للتخلص من الكآبة مابين التحول بين شخصيات التقلبات المزاجية للانتقام في حالة الوصول لحالات الهياج الجنوني من تكسير الأشياء أو السرقة المرضية، وصولًا إلى تعاطي المخدرات والكحول ومحاولة الانتحار. يتحدث الدكتور هاني مصطفى استشاري الأمراض النفسية والعصبية عن إحدى الحالات التي صادفته في العلاج من أشد الحالات مرضًا وتحولًا.

ويتابع مصطفى "أحيانًا يكون هادىء ومتزن، وأخرى مندفع، وأخرى مجنون وهائج لايستطيع السيطرة على نفسه أو كلامه أو أفعاله، كما أن معظم المنتحرون بسبب الاضطرابات النفسية وإن كان ليس هناك أبحاث رسمية عن المرض في مصر، فهو بسبب مرض ثنائي القطب وحالات الهياج التي تصيب هؤلاء المرضى والتفكير المتواصل، وإن كان من بين بعض الحالات التي ساهمت في علاجها أو الإشراف عليها".

وعن العلاج يقول أن أفضلها العلاج الكيميائي وتناول مثبتات المزاج ومضادات الاكتئاب، بالإضافة إلى العلاج بالتحدث من أجل تفهم الحالة وهذا يحدث بمساعدة المقربين من الأهل والعائلة والأصدقاء وشريك الحياة.