رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"إسلاميات كاتب مسيحى 10"..

محمد الباز يكتب: جدل نظمى - سرجيوس حول تعدد الزوجات فى الإسلام

محمد الباز
محمد الباز

- المفكر الراحل لم يختلف عن رجل الشارع العادى فى نظرته للمرأة التى لا يمكنها الاستغناء عن الرجل
- القمص سرجيوس كان يؤيد نظام الزوجة الواحدة ويدعو لمنح المرأة ميراثًا مثل الرجل
- نظمى لم يكتب عن المرأة فى الإسلام كفيلسوف متجرد بل كرجل أسير لكلام الفقهاء ورجال الدين


قبل وفاة الدكتور نظمى لوقا بما يقرب من عامين، أجرى معه الشاعر بهاء جاهين حوارًا قصيرًا، نشره فى جريدة الأهرام.
سأله مباشرة: لماذا كتبت عن الإسلام؟
أجاب نظمى ربما بعيدًا عن الفلسفة التى أخذ منها طريقًا واضحًا فى كل كتاباته.
قال: كتبت عن الإسلام لأنى رأيت بين أبناء دينى من يجهله أو من يفهمه فهمًا غير صحيح، فأردت أن أوضح لهم الجوانب الأساسية فى الإسلام بدافع من النزاهة العقلية التى أؤمن بها، والتى تهدف إلى الحكم الموضوعى بصرف النظر عن انتماء القائم بالدراسة إلى عقيدة أخرى، وكان دافعى الآخر هو دافع الوحدة الوطنية لأنى اعتقدت أنه إذا فهم كل من المسيحيين والمسلمين الديانة الأخرى فهمًا صحيحًا لقرب هذا بينهم ووثق بينهم صلات المودة، فكلنا مصريون بحكم التاريخ وبحكم الدم.
الدافع لدى نظمى إذن وطنى، وقد اجتهد فى أن يبرز الحق فى الإسلام، لكنه للأسف الشديد بدلًا من أن يجمع الناس من أصحاب الديانتين فرق بينهم.
وهنا يمكن أن نأخذ على نظمى لوقا أكثر من مأخذ، ربما أمسك به القمص سرجيوس أكثر من مرة، وهو أن نظمى لم يكن متحررًا فى إنصافه للإسلام من أقوال الفقهاء المسلمين، ولم يأخذ من العقل وحده الحجة للحكم على الأديان.
وقد شعرت بذلك أكثر من مرة وأنا أطالع ما كتبه نظمى تحديدًا عن المرأة ووضعيتها فى الإسلام.
فهو يرى مثلًا أنه فى بعض الأمم القديمة وفى بعض الأمم الحديثة تحرم المرأة غالبًا من الميراث، فأبى الإسلام هذا الغبن الفاحش ونص على ذلك فى سورة النساء «للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، مما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا».
وهذا النصيب المفروض «للذكر مثل حظ الأنثيين» باعتبار أن نفقات المرأة تقع على عائلها من الذكور بالغًا ما بلغ ثراؤها، أما الذكر فهو عائل أهل بيته من أولاد ونساء، فأعباؤه المالية أبهظ من المرأة بكثير، وهذه القسمة إذن أقرب إلى مجاملة المرأة فى شئون الأموال الموروثة.
نظمى لوقا هنا أسير تمامًا للحجة نفسها التى يرددها فقهاء المسلمين عن مسألة تفضيل الرجل على المرأة فى الميراث.
يمكن أن نلتمس له العذر، لأن السياق المجتمعى العام الذى كتب فيه كلامه هذا ما كان يسمح له بأكثر من هذا، لكن المشكلة أنه يريدنا أن نستمع منه كفيلسوف متجرد، وليس فقيهًا أو أسيرًا لفقهاء، وأعتقد أن هذه نقطة ضعف كبيرة فى طرح نظمى الذى أراد أن يفهم من خلاله أهل دينه حقيقة الإسلام، فأغضبهم كثيرًا.
الأمر نفسه يتكرر فى مسألة حرية المرأة.
يقول هو: ولا يخوض إنسان فى موضوع المرأة فى الإسلام من غير أن تخطر بباله قضية تحرير المرأة فى هذا العصر، ومساواتها بالرجال، ويخطر على البال حتمًا قول القرآن فى سورة النساء «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم»، وما جاء فى سورة البقرة «ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة».
فإنها- كما يذهب نظمى- تبدو لأول وهلة هابطة بالمرأة إلى درجة دون درجة الرجل، وفى هذا ما فيه من بواعث التساؤل، فى زمن استفحلت فيه قضية المساواة بين الجنسين وتقررت فى جميع الأمم الآخذة من الحضارة نصيبًا، وهنا لا بد من الرجوع إلى مسوغ هذا التفاوت أو التفضيل، وليس كل تفضيل جورًا، بل إنه متى كان التفضيل لفضل ثابت فهو العدل الصراح، وليس المفروض أن يكون هذا الفضل مطلقا بغير قيد أو شرط لجنس معين من الجنسين، بل إن التفضيل- عقلًا- لا يصح إلا بحصول الفضل وتحققه، يرتفع بارتفاعه، ويوضع بوضعه، ويتحول بتحوله.
ويسأل نظمى لوقا: فما الفضل الشاهد للرجل على المرأة؟
ويجيب بثقة شديدة: إنه حاميها، وإنه عائلها، وإنها تركن إليه وتلوذ به، وإنه أعلم منها وأبصر بأمور الدين وأمور الدنيا، وإنه أحظى منها بنصيب من المواهب أو القدرات.
يواصل نظمى تنظيره لما فعله الإسلام بالمرأة وتحديدًا وضعها بالنسبة للرجل.
فعنده أنه لم يرد ذكر القوامة على النساء على إطلاقها للذكورة بغير بينة، حيث هناك وجهان لحصول تلك القوامة: إرباء الفضل والإعالة أو النفقة المالية، وشق الإعالة أو النفقة قد تجد له المرأة حلا فى نزولها إلى ميدان الأعمال، وقيامها على أمر معيشتها كالرجل أو أكثر منه وأحجى، وأما إرباء الفضل فهو رهن بإصابة نصيب من التعليم أو البراعة فى فن من الفنون، أو رجاحة العقل ونباهة الذكر، وهى مقررات الفضل بنص القرآن.
فلا تفضيل بغير فضل، ولا تشريف بغير تكليف، وإنما كان العرف جاريًا بانحباس المرأة عن هذه المجالات، ومتى زال هذا العائق، وارتفع عنها القصور أو التقصير، فهى حقيقة بثمرات فضلها وقيامها بتلك التكاليف الجسام.
يعود نظمى للحديث.
يقول: ليس الإسلام على حقيقته عقيدة رجعية تفرق بين الجنسين فى القيمة، بل إن المرأة فى موازينه تقف مع الرجل على قدم المساواة، لا يفضلها إلا بفضل، ولا يحبس عنها التفضيل إن حصل لها ذلك الفضل بعينه فى غير مطل أو مراء.
هنا وللمرة الثانية، نحن لسنا أمام فيلسوف يمنح العقل القدر كله، ولكننا أقرب إلى شيخ معمم، يجمع حروف الكلام ليخرج بالمعنى الذى يريده هو، دون أن يفرق بين أصل الدين وكلام الفقهاء الذين نسجوا من الدين ما شاءوا بما يناسب أوضاعهم ومصالحهم، ومن بين هذه المصالح أن يكون للرجال الحظوة.
ثم إن نظمى لوقا نسف كل شىء بعبارة واحدة، يقول فيها: وما من امراة سوية تستغنى عن كنف الرجل بحكم فطرتها الجسدية والنفسية على كل حال.
لا يختلف نظمى لوقا عن أى من رجال الدين، ولا يختلف عن أى من الرجال عامة فى نظرتهم للمرأة، ورغم أن هذا قد يبدو لك غريبًا بعض الشىء، فكيف لفيلسوف ينحاز للحقيقة وحدها أن يكون هذا موقفه من المرأة، لكن لا غرابة فى الأمر على الإطلاق، فنظمى فى النهاية ابن مجتمعه، والمجتمع موقفه واضح جدًا من المرأة، فحتى لو بدا منحازًا لها، ففى أبعد نقطة فى أعماقه يكون واضحًا فى نظرته لها، التى يبنيها على أنها لا بد أن تكون فى المرتبة الثانية بعد الرجل.
بالمنطق نفسه يدخل نظمى لوقا إلى منطقة تعدد الزوجات، التى ينكرها كثيرون على الإسلام وعلى رسوله.
يبدأ كلامه بقوله: الزوجة الواحدة أو الزوجات الكثيرات... وهذا هو لباب ما يثور حول موضوع الزواج فى دين الإسلام.
يتوقف نظمى كما يقول ليتبين الحقيقة فى هذا، وعنده أنه ما من شك فى أن نظام الزوجة الواحدة الدائمة نظام مثالى، ومن البديهى ألا يطيقه المثاليون، خاصة ذوى العزم، وما لهؤلاء جعلت هداية الدين، وبنظرة إلى واقع الحياة البشرية فى تاريخ مجتمعاتها الغابرة والحاضرة، تطلعنا على تعدد النساء فى حياة الرجل الواحد، سواء جهرًا أو سرًا، وسواء برخصة من القانون أو الدين أو خارج القانون والعقيدة.
يمضى نظمى إلى ما هو أكثر.
فما من عاقل يفضل التعدد بغير رخصة على التعدد برخصة، فإن أثر الشعور بالإثم والاختلاس على السلوك البشرى بعامة أثر خبيث يسمم حلاوته ويعكر صفاءه الذى لا تقوم السعادة الروحية والنفسية بغيره، فضلًا عما فى العلاقات المختلسة من إضرار بالمرأة وإفساد لحياتها لا حيلة فيه.
ويقارن نظمى بين حياة البداوة والريف وحياة الحضر.
ففى الريف والبادية يعز القوت أحيانًا ولا سيما على المرأة، وقد يكون فى عدد النساء زيادة عن عدد الرجال، فلا يصان عرض المرأة ولا تستقر معيشتها ماديًا ونفسيًا إلا إذا صارت فى كنف رجل، وعندئذ لا حيلة فى التعدد، لأنه الحل السليم الوحيد، أو هو أسلم أساس لجماعات هذه حقيقة ظروفها، والضرورات تبيح المحظورات... وهى رخصة إذن تستخدم بحقها، وعند حصول مسوغاتها الطبيعية من أحوال البيئة أو من أحوال الأفراد.
ويتساءل نظمى قائلًا:
ما القول فى زوجة أقعدها المرض؟
وما القول فى الزوجة العقيم؟
وما القول فى الزوجة الفاترة؟
وما القول فى الزوجة السقيمة الأعصاب؟
أطلاقها أرحم بها، أم إردافها بزوجة أخرى؟
ويقول بحسم: لا شك أن الأمر واضح.
ويضيف نظمى: هى رخصة إذن تستخدم بحقها، ولكنها ليست إلزامًا، فهذه سورة النساء تقول بصريح النص «فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة».
بل وتقول أكثر من هذا «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم».
وفى هذا إيحاء، بل حض على التزوج بواحدة.
أين الدفاع عن الإسلام فيما يقوله نظمى؟
يظهر الدفاع عندما يقول: ليس من الإنصاف فى شىء أن نقيس هذا الحض بمقياس زماننا وآدابنا، بل بمقياس زمان الدعوة وآدابه، ففى تلك البيئة الصحراوية الجاهلية كان التعدد مطلقًا من كل قيد، ومن هذا نفهم سر قول القرآن «مثنى وثلاث ورباع» بلهجة من يعدد للطامع ما هو مباح، بأسلوب يوحى بالتوسع، وهو يرمى إلى التضييق كل التضييق.
احتاج الأمر من نظمى إلى ضرب المثل على ما ذهب إليه.
قال: ما أشبه هذا- فى تصورى- بالأب الذى يقول لطفله الشره إلى الحلوى شرهًا لا يقف عند حد، ولا يؤذن بقناعة دون العشرة والعشرين: سنعطيك واحدة فى الصباح أو قل اثنتين، وثالثة فى الظهر ورابعة فى العصر، أرأيت أنى لم أبخل عليك.
أما ما زاد عن ذلك فليس إليه سبيل، ثم تلا ذلك الإيحاء بالواحدة لمن خاف الظلم عند التعدد، وليس عن الظلم عند التعدد محيص، أما فى غير تلك البيئة وشبيهاتها من بيئات البشر الذين تتوجه إليهم الدعوة، فالمسألة أوضح، ولن تضيرهم رخصة التعدد وهم على التوحد أو أقرب إليه طبعًا ونشأة، ولهذا قال الله تعالى: «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر»، ففى ميدان الفضل والتعفف سعة، وبه يتفاضل الناس بعضهم فوق بعض.
يواصل نظمى تفنيده للشبهات التى أحاطت بمسألة تعدد الزوجات فى الإسلام، محاولًا أن يلبس ما يذهب إليه ثوب الحكمة.
يسأل: ورب قائل يقول: أما والزواج مطلب نفسى وروحى عند الإنسان، وليس مطلبًا شهويًا جسديًا فقط وإن كان على أساس جسدى، ففيم التعدد إذن؟ وإن كان رخصة يهتبلها من شاء ويتنكبها متعففًا من شاء؟ أما كان التوحد هو سبيل السكن النفسى بمعنى الكلمة؟
ويجيب نظمى، فيقول: الجواب أن هذا صحيح من حيث المبدأ ولا مراء، ولكن المبادئ قلما تعيش فى دنيا البشر فتتيسر فى أمور هى أمس ما تكون بالحياة اليومية والحقائق المادية.
ويزيد نظمى الأمر وضوحًا على قوله هو.
فيقول: أين هى الزوجة المثلى التى تملأ جوانب الرجل النفسية وتسكن إليها نفسه سكنًا كاملًا حتى لا يفتقد فى كنفها لونًا من السكينة والطمأنينة كان يرجوه أو يشتاق إليه؟ قليل أقل القليل.
يذهب نظمى إلى سليمان الحكيم حتى يعينه على رؤيته ووجهة نظره.
يقول سليمان الحكيم الذى عرف ألوف النساء من جميع الأصناف والألوان، وقد اجتمع فى وطابه من التجارب الزوجية والنسوية ما لم يجتمع لإنسان: الزوجة الفضلى أثمن من اللؤلؤ النفيس... من ذا يجدها؟
الباحث الفيلسوف لا يزال مشغولًا بتأكيد وجهة نظر الإسلام فى التعدد، وهنا يبذل مجهودًا ضخمًا مستندًا إلى المنطق للتأكيد على ما يسعى إليه.
يقول: هنا وهناك هذا واقع نلمسه كل يوم وكل ساعة، فى رجال محصنين بالزواج، تصبو نفوسهم إلى غير زوجاتهم، فى علاقات مختلفة، تسف بهم وبشريكاتهم إلى درك الحيوان أو درك الخزى والتأثم المهدر لشعور الكرامة الذى هو خاصة الإنسان.
ويقول: أى فراغ ينشد الامتلاء، فالطبيعة تفزع من الفراغ وتأباه كما يقول الحكيم القديم، ومن هنا يكون فى رخصة التعدد ملاذ يكفى الناس شرين: أولهما شر التورط فى الآثام التى قد تشوه النفس مهما أرضت نوازع الأشواق الجسدية، وثانى الشرين تطليق الزوجة القديمة لتفسح للزوجة الجديدة مكانًا فى نظام التوحد، وقد تكون للزواج الأول ثمرات تذوق التشرد، وقد تكون الزوجة الأولى مثقلة بالسنين أو العلة أو الأبناء أو عاطلة من الجمال، خالية اليد من المنة، خاوية الوفاض من مال فتقوض حياتها، ولعلها كانت تؤثر البقاء فى كنف زوجها على كل حال.
على ما يبدو أن المنطق وحده لم يسعف نظمى لوقا، فبدأ يتحدث عن تجربته الشخصية.
يقول: وإنى أعرف من تجربتى الشخصية حالات كثيرة من هذا القبيل، سأذكر منها حالة جار لنا فى دمنهور منذ عشرين سنة، كان متزوجًا من سيدة قضى معها ربع قرن لم تشاركها زوجة أخرى، وكان لهما ولد واحد تجاوز العشرين من عمره، ثم مات فجأة، وخيم الحزن على البيت، وكان واضحا أن الزوجة بلغت سن اليأس منذ زمن، وإذا بها تلح على زوجها أن تخطب له زوجة تنجب لهما ولدا تقر به أعينهما فى خريف العمر، وخطبت الزوجة لزوجها، وأعرس فى دارهما، وكانت الزوجة الأولى من أبر الناس وأرفقهم بالزوجة الجديدة وكأنها ابنتها، وكان فرحها بالولود البكر فرحًا جارفًا، فكأنما دبت الخضرة فى عودها الجاف وعود زوجها الثاكل، وأشهد أن هذا الطفل كان ألصق بصدر زوجة أبيه العجوز من صدر أمه الشابة، وأشهد أنى أدركت من أحوال هذه الأسرة معنى ما حفلت به كتب بنى إسرائيل من ندب الزوجة العاقر جارية لها كى تحمل من زوجها وتلد لها نسلًا.
كان لا بد من خاتمة مناسبة تتوافق مع ما ذهب إليه الفيلسوف.
قال نظمى: فى اعتقادى أن هذا الرأى المستمد من الواقع فى تحديد ظروف التوحد والتعدد هو أقرب ما يكون للتعليل الطبيعى.
وقف القمص سرجيوس سرجيوس أمام ما ذهب إليه نظمى لوقا، ليمتدح نظام الزوجة الواحدة.
فهو يرى أنه لا بديل من اتباع نظام الزوجة الواحدة وذلك لخير العالم والبيت والدنيا والدين، لأن المسيحية التى أسسها المسيح آدم الثانى، هى الرجوع بالإنسان إلى حياة البر والطهارة الأولى التى كان عليها آدم وحواء فى الفردوس قبل السقوط، وهذا أمر طبيعى فطرى، فقد خلق الله الإنسان من البدء رجلًا واحدًا وامرأة واحدة، وقد قيل فى الأمثال السائرة «إن القلب لا يسع اثنين»، وذلك لأن القلب هرمى الشكل، فيمكن أن يدخل قلب فى قلب ويلبس الواحد الآخر، ولكن لا يمكن لقلبين أن يدخلا فى قلب واحد.
وبالنسبة له: العدالة تقتضى المساواة والتبادل، فحين تعطى المرأة كل قلبها للرجل فعلى الرجل أن يعطيها كل قلبه لا نصفه ولا ثلثه ولا ربعه، والقلب إذا انقسم يجرح، وإذا جرح فقد حيويته، وكيف لا، والرجل إذا أعطى جزءًا من قلبه لأخرى كانت المضارة، والزواج محبة، وكان الانقسام والنزاع، وإذا فقدت المحبة التى هى ناموس الجاذبية سقط البيت وسقطت العائلة كما يسقط البيت الذى تتفتت حجارته ومبانيه إذا فقدت منه جاذبية الالتصاق.
وفيما يبدو إجهازًا من سرجيوس على نظمى، يقول القمص للفيلسوف: اسمع يا مسلم أكثر من المسلمين ويا أحن من الوالدة على أولادها، إنك غير موفق لأنك تكتب هذا الهراء والسخف فى وسط ثورة المرأة القائمة الآن فى مصر ضد الطلاق وضد الزواج بأكثر من واحدة، وما تكتبه الصحف كل يوم من احتجاجات النساء على الطلاق والزواج بأكثر من واحدة أقنع دليل.
وحتى لا يكون ما يقوله سرجيوس مجرد كلام يتبخر فى الهواء، دلل على ما قاله بما نشرته الصحف المصرية وتحديدًا جريدة الأهرام بعد صدور كتاب نظمى.
فقد نشرت الأهرام أيضا فى ٢٠ أكتوبر ١٩٥٩ مقالًا بقلم نائلة علوى تحت عنوان «مشكلة تبحث عن حل»، قالت: إنكم تظلمون الإسلام عندما تصرون على تعدد الزوجات وحرية الطلاق، فلا شك أننا ورثنا عن الماضى السحيق سلوكًا معينًا قبل المرأة المسلمة، أهدرت فيه حقوقها إن لم أقل آدميتها.
ونشرت الأهرام أيضًا، فى ٢٥ أكتوبر ١٩٥٩، مقالًا تقدمت به السيدة زينات الجداوى إلى شيخ الأزهر بمناسبة عيد الأم قالت: إنها ترى بمناسبة العيد أن يكون أحسن هدية تقدم للأم فيه إصلاح قوانين الأحوال الشخصية، فالهدية الرمزية التى يقدمها الأبناء للأمهات فى هذا العيد ليست كل شىء، بل أهم منها أن تشعر الأم بالطمأنينة فى حياتها إلا إذا ضمنت وجود قوانين تنصفها وتأخذ لها بحقها.
ويتوجه سرجيوس إلى نظمى فى النهاية بالقول: فما رأيك يا دكتور نظمى والمسلمات الراقيات المثقفات يشكين مما تمتدحه؟
كان يمكن أن يوفر سرجيوس على نفسه الجهد الذى بذله فى كتاب بالطبع، إذا تعامل مع ما كتبه نظمى على أنه كان محاولة لتجريب مذهبه الفلسفى، لا أقل ولا أكثر، فهو لم يقصد نصر الإسلام على المسيحية، لكن فيما يبدو أخذته الغيرة على دينه فتصدى لمن يعتقد أنه يعبث به، وكانت وطأة الوقعة شديدة لأنه مسيحى الصليبة كما يقول.
المشكلة الحقيقية التى لا بد أن تتوقف عندها، أن نظمى لوقا هنا انحرف قليلًا عن مبتغاه، فهو لا يعمل بمنهجه العلمى المتجرد فى مسألة تعدد الزوجات، ولكن يستسلم تمامًا لآراء وتبريرات وتخريجات وحجج الفقهاء فى المسألة.
هذا بالطبع ليس اتهامًا لنظمى فى نزاهته الإنسانية... بل توثيقًا لثغرة فى المنهج الذى استخدمه فى التعرض للإسلاميات، وهو توثيق يحتمه علينا العقل الذى كان يحتكم إليه نظمى دون سواه... ولا أقول إنه تقريبًا كان يعبده.