رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة حياة جماعة ميتة «٢-٢»


استكمالًا للجزء الثانى من مقالنا الأسبوع الماضى تحت نفس العنوان.. نؤكد دائمًا أن صاحب فكرة إنشاء «القاعدة» هو مصطفى مشهور، المُكَنى بين التنظيمات الإرهابية بـ«أبوهانى»، وأظن أنه بات يقينًا لدى الجميع أن جيش حماس الفلسطينى ما هو إلا جيش للإخوان، تم تكوينه ليكون ساعدًا للإخوان فى مصر لا لكى يكون حربًا على اليهود الصهاينة!.
رغمًا عنى سأنتقل فى مقالى نقلة نوعية إلى مسألة فكرية لا نستطيع أن نتجاهلها، وقد ظهرت تلك المسألة الفكرية فى عقل الإخوان الخالى فى زمن سيد قطب، وأصبحت أمرًا حاكمًا عندهم، ففى الطبعة الأولى من كتاب سيد قطب «معالم فى الطريق» قال قطب فى المقدمة: «إن الجيش فى الدولة له عقيدة جاهلية لأنه يحمى الأوطان، فى حين أن الجيش الإسلامى ينبغى أن يحمى الإسلام، وأن القضاء يحكم بغير ما أنزل الله، وأن الشرطة تحمى الحاكم وتنفذ أحكام القضاء الجاهلية، لذلك فإن عقيدة تلك المؤسسات هى عقيدة جاهلية، ومن كانت عقيدته جاهلية ينبغى هدمه ثم إنشاء بدلًا منه مؤسسات ذات عقيدة إسلامية خالصة»، فانتقل «قطب» بذلك من اعتبار الجيش المصرى مجرد وسيلة من وسائل القوة لا يمكن أن يقوم الحكم الإسلامى إلا بها، ومن ثم يجب السيطرة عليها، إلى أن هذه الوسيلة فى حد ذاتها هى وسيلة فاسدة لجاهليتها، ولا محيص عن إنشاء جيش خاص للإخوان، تكون مهمته الأولى القضاء على الجيش المصرى ليسهل له بعد ذلك ابتلاع مصر ثم المنطقة كلها. هل عرفنا الآن العقيدة والوسيلة؟ إذن فلنذهب إلى عصر جمال عبدالناصر، الذى كان قد عرف خباياهم وأدرك خطورتهم، وعرف مخططاتهم، ووصلت إليه عمالتهم للإنجليز عندما حاولوا إحباط اتفاقية الجلاء، ومن بعدها حاولوا اغتيال عبدالناصر وأفشلهم الله، وكان لسان حال عبدالناصر فى مواجهته الإخوان يقول: «إن جماعة الإخوان لا عهد لها ولا وعد»، وهو الأمر الذى جعل الإخوان بعد ذلك يطلقون أكاذيبهم على عبدالناصر، ويتهمونه بالكفر والادعاء بأن أمه يهودية.
ثم عاد الإخوان للوجود فى عصر السادات، فقد أعطاهم، رحمه الله، قُبلة الحياة، وأفرج عنهم فى بداية السبعينيات، ثم ضخ فى شرايينهم دماء طلبة الجماعة الإسلامية، وكان يُعِدَّهم لكى يكونوا أداته فى القضاء على ميراث عبدالناصر، وغاب عنه، وهو الأريب فى السياسة، أن الإخوان لا عهد لهم ولا وعد ولا ذمة ولا دين، وعلى استحياء أخذت جماعة الإخوان تضع على وجهها قناع الرحمة واللين والمودة والوسطية والاعتدال، واستعانوا فى ذلك بالشيخ الهرم، عمر التلمسانى، الذى كان يحمل خطابًا بسيطًا ودودًا، وفى الخفاء أخذ الصقر مصطفى مشهور «أبوهانى» فى إعادة تكوين التنظيم السرى، واجتمعت عصبة الشر عام ١٩٧٤ فى قليوب البلد، فى بيت «الحاج أحمد حسانين»، وكان فى الاجتماع التآمرى أئمة الشر: أحمد حسانين صاحب الدار، ومصطفى مشهور، وحسنى عبدالباقى، وحلمى عبدالمجيد، وأحمد الملط، وصلاح شادى، واتفق الجمع على إعادة تكوين التنظيم السرى واستعادة قياداته للمضى قدمًا فى خطة إنشاء الجيش الإخوانى الذى سيقودهم للحكم، وبدأوا فى تنفيذ مخططهم الذى أدى فيما بعد إلى اغتيال السادات، فانتهت دولة السادات وجاءت دولة مبارك، ودخلت الجماعة فى صفقات مع نظام مبارك ومع الحزب الوطنى، وكان أن دخل الإخوان بعد ذلك إلى عضوية البرلمان فرادى وجماعات، ونجحوا بثمانية وثمانين عضوًا! وهو الأمر الذى يحتاج إلى تحليل مستقل.
أما المرشد «بديع» فقد ظل على سياسة الغزل العفيف لمبارك حتى قبيل ثورة يناير، فكلنا يذكر يوم أن قال بديع: «مبارك أبوالمصريين، ونحن من أبنائه، ونتمنى أن نجلس معه»، ولكن ذهبت دولة مبارك كما تذهب كل الدول، وقامت ثورة يناير، وإذا بالقوى السياسية والأحزاب متهاوية ضعيفة، وإذا بالثوار وقد تفرقوا، كل حزب بما لديهم فرحون، ولم يبق إلا الجيش فى مواجهة الإخوان، وللأسف كان الإخوان قد نجحوا فى التلاعب بالقوى الوطنية وتوجيه مشاعرهم وأفكارهم ضد الجيش المصرى، وحينما نجحوا فى التفريق بين رموز العمل السياسى وصلوا للحكم. وكانت أيامهم المعدودة فى الحكم قد بدأت مع انتخابات البرلمان، حيث فازوا بأغلبية، ولِمَ لا وهم أصحاب المنابر المتعددة فى الإعلام والمساجد، وخطابهم الدينى برَّاق، وأموالهم لا حصر لها، والتزوير ليس فى لجان الانتخابات فقط، ولكنه أيضًا خارج اللجان الانتخابية عندما يتم التأثير فى الناخب بوسائل غير مشروعة. وحينها كانت خطة الإخوان ترمى إلى تحريك كل القوى الإرهابية التابعة لها من كل أنحاء العالم ووضعهم فى سيناء، فهى منطقة الخطر، فذهب إليها الآلاف من «القاعدة» و«داعش» و«حماس»، ثم الجماعات المستولدة حديثًا، مثل «أنصار بيت المقدس»، وفى ذات الوقت أرسل الإخوان المئات من شبابهم إلى سوريا لينضموا إلى الجيش الإسلامى الذى تم تشكيله من مرتزقة الجهاديين فى العالم، وكان السبب فى إرسالهم هو نفس السبب فى إرسال شباب الأربعينيات إلى فلسطين، لكى يتدربوا على قتال الجيوش، وحينما يعودون سيكونون قوة لجيشهم، وفتوة لكتائبهم التى أطلقوا عليها «جيش النصر المنشود». وفى ذات الوقت، ظلت كتائبهم المسلحة فى القاهرة ومحافظات الوجه البحرى تنفذ جرائمهم بعد سقوطهم من فوق كرسى الحكم، أما مَنْ ظلوا يخرجون فى المظاهرات فهم الأفراد العاديون فى الجماعة، تستغل الجماعة حماسهم، وتضلل أفكارهم، وتخلق لهم واقعًا بديلًا يتيهون فيه وكأنهم يتعاطون المخدرات، وبعد أن قرر الإخوان إعادة بناء هياكلهم الإدارية مرة أخرى سحبوا شبابهم من المظاهرات، إلا أنهم ظلوا على تكليف شباب التنظيم السرى المسلح بالقيام بأعمال الإرهاب والقتل والترويع. انتهت المقالة الطويلة، ولكن قبل النهاية، أقول إن علاقة الإخوان بتنظيم «القاعدة» تستحق بحثًا خاصًا، وعلاقتهم بـ«حماس» تستحق بحثًا تاليًا، وعلاقتهم بـ«داعش» تستحق بحثًا ثالثًا، وعلاقتهم بـ«أنصار بيت المقدس» تستحق بحثًا رابعًا، ولكن المقالة لا تحتمل كل التفصيلات، لذلك اكتفيت بالإشارات.
هل تعرف أين تقع مصر الآن؟ السؤال لا علاقة له بالجغرافيا، ولكن له علاقة بواقع سيسطره التاريخ، مصر لا تقع أبدًا، لأنها تقع فى قلب الجيش المصرى الوطنى الذى فشلت الجماعة الخائنة فى اختراقه أو تغيير عقيدته، لذلك ليس لنا إلا أن نهتف: «الله، الجيش، الوطن».